الدكتـور اميـل شـدياق يرثي صديقه الراحل ميشال جرجورة

إلـى الصديق الصدوق، والأخ الوفي، ورفيق
العمـر الدّائـم، ميشـال  جرجـورة، أخطُّ  هذه
الكلمـات لإنسـانٍ غاب  عن  العيـون،  ولكنه
سيظلّ في قلوب محبّيه حيّاً وخالداً مدى الدهر.  

جمـدتِ الأحــرف، وتحجّــرت الكلمـات،
وأظلمت الصّفحة أمامي لمّا شممتُ منها
رائحةَ النهاية.
أنْ  نذكـرَ خصَـــالِ ميشــال الحَميــــدة،
ومـا كانَ يشـتهر به من صفـاتِ فريــدة،
وصَــلابةِ الــرَّأي، وحُرِّيَّــةِ التعبيـــر،
والصَّــداقةِ الدَّائمـــة، أمـــرٌ عســــير،
ويعجــزُ عنــهُ التَّعبيــر.

ميشــال،
كنتَ للصَّداقـةِ أمينــاً، وللكلمـةِ رزينــاً،
وللحُرِّيَّـةِ حَصينـاً، وللأسْـــرَارِ دفينـــاً.
كنتَ للعقيدةِ مناضلاً، وللإيمَانِ مُجَادلاً،
وللأحْـدَاثِ عَــادِلاً، وفي المجالس فاضلاً.

أناديــكَ فهــل تســمع صَــوْتَ النِّـــدَاء؟
أمْ أنَّـــــكَ منهمــــكٌ فــــي السَّــــــمَاء؟
غائــبٌ عــن هــذه الدنيــا،
لكنكَ ما زلــتَ حيّــاً فيهـا.

تركـــتَ الأحِبَّــة، وزرَعْـــتَ المَحَبَّــة،
أناديــكَ بدمعــةِ الألــــمِ والحُـــزن.
يَعجــزُ القلـــمُ عَــن التعبيــر،
وتعجــزُ كلماتـي عــن التقدير،
لتصِفَ الجُرْحَ البليغَ الذي تركته
في قلوبِ مُحِبّيك.

رحيلك سبَّبَ صِرَاعاً بينَ السَّمَاء والأرض،
السَّمَاءُ تبكي، والأرضُ تتألـم.
السَّـمَاءُ تبكـي فرحـاً بحُضُــورِك،
والأرضُ تتألـــــمُ لفراقِــــــك.

غائـبٌ، لكنَّـكَ مـا زلـتَ حيّـاً بيننـا،
فأنتَ الميتُ الحَي، الغائبُ الحَاضِر،
والبعيــدُ القريــب.

ذهبتَ بلا إنـذار، فعمَّ الظلامُ الـدَّار،
ذهبــــــتَ بــــــلا وِدَاع،
واستسلمتَ دونَ صِرَاع،
فهـذا قضـاءُ اللـه للإنسـان،
كيفمَـا طـافَ وأينمَــا كـان.

كنتَ أوَّلَ مَنْ تعرَّفتُ إليه في هذه الدِّيَار،
عملنــا معــاً فـــي لجنــة المتابعــة،
كنتَ عميدَها، وكنتُ أنا أحدَ أعضائها.

لمْ تجـدْ في النَّاس إلاَّ الصِّفاتِ الحَسَنة،
لــمْ تجــدْ إلاَّ الخيــرَ فـي الإنسَـــان،
واشتهرتَ في عَمَلِ البرِّ والإحْسَـان.
لــمْ ترْفــضْ طلبــاً لأحَــد،
ومَنْ قصَدَكَ الصِّدْقَ وَجَـد.

فقدنــا فيــكَ تلـــكَ الابتســــامة،
وغابَ في اللحدِ وقعُ الاستقامة،
يـا صــاحبَ الــــرَّأيِ السَّـــليم،
طَـــابَ بِـــــكَ بَيْـــتُ النعيــــم.

وصدقَ من قال:
"نــمْ قريــراً فأنـتَ الحَـيُّ مُتشِـــحاً
ثوْبَ الخُلودِ وَإنْ وُوريتَ في جَدَثِ"

الدكتـور اميـل شـدياق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق