يمكن القول ان انتخابات السلطات المحلية في البلدات العربية قد ابتدأت.
في مدينة الناصرة، المدينة المركزية للعرب في اسرائيل، أعلن عدد من الأشخاص عن جاهزيتهم لخوض انتخابات بلدية الناصرة، طبعا الهدف رئاسة البلدية وليس أي دافع تطويري.. هذا مؤجل لما بعد فرز الأصوات !!.
من المؤكد ان الوضع في القرى العربية اكثر حرارة حيث تجري المنافسة بين مرشحي العائلات بالأساس، وطبعا لا اتجاهل تأثير التنظيمات الاسلامية ودورها في هذه الانتخابات.
السؤال الذي يطرح نفسه: أين دور الأحزاب السياسية، خاصة الجبهة، التجمع، الديمقراطي العربي وغيرهم من تنظيمات (غير الطائفية)، نعرف نشاطها لكن دورها يتلاشى في أخطر وأهم قضية في مجتمعنا: انتخابات السلطات المحلية.. اذا انها تفقد تأثيرها المباشر وهي ليست ذات دور في إدارة شؤون الحكم المحلي..أعني انها فقدت في السنوات الأخيرة مكانتها الرائدة في إدارة السلطات المحلية العربية!!
لا بد من التأكيد ان المشاركة في المنافسة على مقاعد ورئاسة السلطات المحلية، هي حق ديموقراطي لا غبار عليه، لكني اتساءل ، هل الهدف هو خدمة البلدات العربية وتطورها ام ان المنافسة لها طابع قبلي ،عائلي او ديني بات يسود مكان الطابع السياسي؟
المعيار العقلاني والسليم هو انتخاب الشخص المناسب القادر على ادارة جهاز بلدي والتخطيط للتطوير، وليس مجرد تحويل كادر السلطة المحلية الى كادر للرئيس المنتخب... وهي ظاهرة سادت حتى تحت ادارة الأحزاب السياسية. لذلك لوم القوائم العائلية هو نوع من رفع العتب. اذ لا ارى أي نشاط سياسي ضد العائلية السياسية والطائفية السياسية، وهي ظواهر لا تخدم مجتمعنا بالمفهوم الاجتماعي الواسع، بل تقود الى زيادة ظواهر الشرذمة وربما تعميق ظاهرة العنف أيضا!!
هناك حقيقة لا يمكن نفيها، وهو ان وصول رئيس على اساس عائلي او طائفي، لم يغير من واقع السلطة المحلية ، لم تتوقف المشاريع، لم يجر تراجع في النشاط البلدي وربما التغيير كان في كادر السلطة المحلية فقط.
ما زلنا نسمع حتى اليوم قوى اليسار الراديكالي، والحركات القومية تطرح شعارات حول ما تسميه "الجماهير الشعبية". وتدعي انها قاعدتها السياسية والنضالية.
يبدو لي بثقة ووعي كامل، ان مفهوم "الجماهير الشعبية" هو وهم موروث، او حلم سياسي رطب لم يثبت نفسه اطلاقا، بل هو غير قائم الا في مخيلات قادة انتهى زمنهم وبات من الصعب ان يستوعبوا ان احلامهم الرطبة هي مجرد احلام غير قابلة للتحقق. الملاحظة الهامة هنا ان تلك المفاهيم الوهمية أضحت تشكل جزء كبيرا من الفكر السياسي للقيادات الجديدة. طبعا دون ان يفكر أي منهم ان كانت تلك النظريات صالحة اليوم ايضا رغم انها تاريخيا لم تكن الا تخيلات ذهنية.
هل كلامي بعيد عن الواقع؟
اذن فسروا لي كيف خسرت الأحزاب السياسية مكانتها الطليعية بإدارة السلطات المحلية، رغم مئات أعضائها ونظرياتها ودورها السياسي والاجتماعي في بلداتها؟ كيف فقدت مكانتها القيادية في السلطات المحلية؟ كيف هُزمت من افراد لا احزاب وكوادر نشطاء منظمين تدعمهم؟
النماذج امامنا ولا تحتاج الى تكرار.
هذه الانتخابات أيضا ستجري بظل الفقدان الكامل للتنظيمات الحزبية لدورها في السلطات المحلية، حتى المدينة الأكثر مسيسة في الوسط العربي، لم تعد "الجماهير الشعبية" للتنظيمات الحزبية قادرة على حسم المعركة الانتخابية لصالحها.. لأنه بصراحة لا توجد هذه الجماهير الشعبية الا في المخيلات !!
صحيح ان قوة هذه الأحزاب تبرز في كوادرها المنظمة. لكن لا شيء أبعد من ذلك. لا شيء يجعلها مميزة... خاصة بعد تجربة رؤساء ليسوا من تنظيمها، اثبتوا انه يمكن ان تدار السلطة المحلية بشفافية ووضوح وابواب ليست مغلقة امام "الجماهير الشعبية"!!
اذن هل من وجود حقيقي في الشارع الشعبي لما يسمى "الجماهير الشعبية" ؟ لنفترض انها موجودة. هل نجحوا حقاً في تجنيدها بمعاركهم السياسية؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق