صياغة مشروع حضارى فلسطينى نحو التحرر والتنوير/ د. عبير عبد الرحمن ثابت


الشعب الفلسطينى اليوم بقيادته وتنظيماته ومواطنيه أمام حائط سد كبير قد بناه الاحتلال وساهمنا نحن بأخطائنا التاريخية فى توفير مقوماته وتشييده سواء بقصد أو بدون قصد،  ووصلنا جميعنا اليوم كفلسطينيين إلى حالة من الشلل والعجز على كافة الأصعدة السياسية والنضالية السلمية والعسكرية ولا أحد بمقدوره إلقاء اللوم على الآخر فالجميع أخطأ ولن يفيد اللوم أحد لكن فى المقابل لا يزال الباب مفتوحاً لإصلاح الخطأ على كافة الأصعدة والمستويات الداخلية الفلسطينية الفلسطينية وعلاقتنا مع الاحتلال؛ وذلك من خلال إعادة صياغة المشروع الوطنى الفلسطينى ليس طبقا للثقافة الفلسطينية والتى هى جزء من تقافة إقليمية عربية سائدة أثبتت التجربة العملية عجزها عن إيجاد حلول لأتفه المشاكل ناهيك عن سقوطها أمام التحديات الكبرى للقضايا الأكبر، ولكن المطلوب اليوم من الكل الفلسطينى هو إعادة صياغة المشروع الوطنى الفلسطينى طبقاً لمفاهيم  ثقافية جديدة  وبآليات متجددة  تدعم بقاء الوجود الديمغرافى الفلسطينى على أرض فلسطين التاريخية بشكل فاعل وترسخه، وهذا لن يحدث إلا بتحويل المشروع الوطنى الفلسطينى إلى مشروع حضارى فلسطينى دولى؛  فالقضية الفلسطينية ليست قضية الفلسطينيين والعرب بل هى بعدالتها قضية عدل وحرية وكرامة انسانية تمس عصب الضمير الانسانى العالمى، ولما كان الحال كذلك فإنه مطلوب منا كفلسطينيين أن نعيد صياغة نظامنا السياسى طبقاً لمفاهيم حضارية دولية وديمقراطية وعلينا أن نتذكر أن الجانب الأهم فى صراعنا مع اسرائيل هو فى قدرة طرفى الصراع على خلق النموذج الحضارى للكيان السياسى، وقد نجحت اسرائيل بإقناع الكثير من دول العالم بأنها تملك ذلك النموذج ولولا صراعها معنا وجرائمها وانتهاكاتها بحقنا لأقتنع العالم بأسره بالنموذج الاسرائيلى كنموذج يحتذى به بالدولة الحديثة .
وفى ظل هذه المتغيرات الدولية والتى بمجملها لم تكن في صالح قضيتنا وصراعنا مع اسرائيل فالمطلوب منا الان إدارة الصراع ولكن بصياغة نموذج وطنى حضارى بمقومات حضارية نموذجية فعلية على الأرض، مشروع يتسع ليس لفلسطينى الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات بل يتسع لكل من يريد المشاركة من هذا العالم فى وضع لبناته بكل ديانته الاسلامية والمسيحية واليهودية، كذلك إن أى تقدم للفلسطينيين فى نيل حقوقهم يبدو اليوم مرهونا بقدرتهم على صياغة هذا النموذج وتجسيده واقعاً على الأرض، والبدء فى عمل من هذا القبيل يتطلب وجود قادة سياسيين قادرين على تكوين طبقة سياسية فكرية مؤثرة فى المجتمع وبمقدورها إحداث تحولات سياسية وفكرية ضرورية لخصوصية الحالة الفلسطينية السياسية والفكرية التى نشأت بسبب وجود احتلال يحمل فكراً صهيونيا ثيوقراطى وعنصرى نجح بسياسات بارعة بتغليفها وترويجها عالميا كمشروع حداثة لدولة حديثة ومتقدمة، قد يبدو للبعض أن حديثاً من هذا القبيل نوعاً من الترف السياسى الممجوج فى وضع كهذا الوضع الذى تعانيه الحالة الفلسطينية برمتها، لكن حقيقة الأمر أن فقدان المشروع الوطنى الفلسطينى للبعد الحضارى الدولى وإهمال فكرة خلق النموذج الفلسطينى المضاد ساهم بقوة فى تقدم المشروع الصهيونى دولياً وإحداثه لاختراقات هامة ووازنة على الصعيد الدبلوماسى فى المحافل الدولية لصالح اسرائيل فى تهميش القضية الفلسطينية وذلك فى منظومة التعاون الدولى مع اسرائيل ونموذج العلاقات الهندية الاسرائيلية  وتطوراتها خلال العقدين الفارطين خير دليل
إن أولويتنا اليوم لا يجب أن تكون إيجاد تسوية مع اسرائيل  فى ظل أوضاعنا الراهنة لأنها حتما ستكون مجحفة لأنها ستكون ترجمة سياسية لحالتنا الراهنة والواقع المفروض على الأرض عليه فان أولوياتنا يجب أن تكون إعادة صياغة مشروعنا الحضارى الذى يرتب فيه البيت الفلسطينى على أسس قوية ومنطقية وحداثية لتثبيت الوجود الفلسطينى على هذه الأرض وتقصير الطريق للوصول إلى اليوم الذى تكون فيه  تسوية عادلة لقضيتنا الفلسطينية تكون فيه الدولة الفلسطينية جسر حضاري بين الثقافة العربية والثقافات العالمية الأكثر تقدماً وبؤرة  للتقدم والتنوير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق