تجارة الأرواح.. إلى أين؟/ مروى درغام

      يذهب المريض كبيراً في السن أم صغيراً إلى عيادة الطبيب أو إلى المستشفى أو إلى المستوصف للمعالجة من ألّمَّ به فجاةَ، أو يعاني به من فترة معينة، غير أنه لا يخطر في بال المريض وأهله أنَّ الطبيب أو الممرض قد يعرِّض حياته للخطر الذي قد يصل إلى الموت المحتم أو الشلل بسبب إهمال أو قلة إحتراز أو هفوة أو خطأ قد يبدو صغيراً ولكنه مع مرور الأيام يكون مكلفاً ويدفع المريض حياته ثمناً له دون انتباه. وهذا ما حدث مع أناس كثر، ويمكن أن يتعرض له أي إنسان في لحظة ما نتيجة سوء تقدير الطبيب أو الممرض أو عدم مراعتهما للأصول الطبيَّة في تشخيص الحالة المرضية أو وصف الدواء الصحيح او إيلاء المريض العناية الطبية .

     خطأ الطبيب أو الممرض، وكثيراً ما يترد في أحاديث الناس وعلى ألسنتهم في المجتمعات والصالونات والجلسات والسهرات ومواقع التواصل الإجتماعي حكايات تروي عن دخول مريض لا يبدو وضعه الصحي حرجاً إلى الطوارئ في هذه المستشفى أو تلك، وخروجه منها جثة هامدة. أو أنَّ الطبيب أو الممرض نسيَ خلال إجرائه عملية جراحية ما أداة حديدية أو قطعة قماش أو ضمادة جرح في مكان هذه العملية عن سوء تقدير وعدم إنتباه وعدم تبصر. أو قيام الطبيب بوصف دواء تبين أنه لا يتوافق وجسم المريض، حيث أنه مؤخراً شهد لبنان حادثة شغلت وقلبت الرأي العام قضية ليست ككل القضايا قضية تخطت كل معايير الإنسانية والضمير والرحمة_ إنها منى بعلبكي مسؤولة قسم الصيدلة في مستشفى رفيق الحريري الحكومي التي كانت تبيع أدوية السرطان مقبال مبالغ مالية باهظة مستبدلةً بهم أدوية منتهية الصلاحية وفاسدة ومزورة. حيث بلغ حجم الطمع والجشع وقلة الضمير التلاعب والإستهتار بحياة مرضى عانوا العذابات والألام المريرة نتيجة مرض خبيث لا يرحم لحق بهم. وهناك إحتمالات أخرى كثيرة لأخطاء الأطباء، مثلاً  قيام الطبيب بتشخيص المرض ليتبين أنه لم يكن مصيباً في تحديده مما إلى حدوث مضاعفات أو أدى إلى وفاة المريض أو أنه لم يتوخَّ الحذر خلال مراحل العلاج فارتكب خطأ ما قد يكون قاتلاَ أو أنه لم يقدم العلاج المناسب. أو أن الطمع أعمى بصيرته فزعم أن المريض يحتاج إلى عملية جراحية بينما الأمر لا يستحق الخضوع لها ويمكن الإستعاضة عنها بعلبة دواء تحل مكانها تؤدي العلاج المطلوب وذلك في سبيل جني المزيد من الأموال، أو دَوَّن في ملفه الطبي معلومات خاطئة جرى الإعتماد عليها لدى طبيب آخر في حالة مرضية مختلفة.
     كما أنه هناك العديد من الأمثلة الأخرى عن الأخطاء الطبية التي يدفع المريض حياته ثمناً لها.  فيمكن مثلاً أنَّ الطبيب قد استغلَّ المريض فأجرى أبحاثاً سريرية عليه دون علمه وأخذ موافقته المسبقة، أو استأصل إحدى كليتيه من دون إذنه ومعرفته الأكيدة ليبيعها من مريض آخر لقاء مبلغ مالي يدسه في جيبه الخاص أو أن الطبيب منح المريض شهادة طبية خاطئة أو أعطاه دواء تسبب له بالعقم، أو فرض على المرأة الحامل الإجهاض خلافاً لإرادتها، أو أجرى عملية الولادة دون التحسب لوجود حاضنة مجهزة لإحتضان الأطفال حديثي الولادة. أو أنه تغيب دون عذر مقنع عن الولادة ولحظات حصول الطلق فتمت الإستعانة بممرض أو ممرضة أو طبيب متدرج موجود في المستشفى مما أفضى إلى إصابة المولود بإعاقة دائمة مثل الشلل أو الوفاة. أو أن الطبيب غشَّ في معلوماته أو تحليلاته وخصوصاً في الجراحات التجميلية مما تسبب في تشوه ما في الوجه أو أماكن أخرى من الجسد، أو أن الطبيب أفشى معلومات سرية خاصة بمريضه عن سابق إصرار وترصد، فتسبب بأذيته نفسياً وفي محيطه العائلي والاجتماعي. أو أن الطبيب قد أعلن في الصحف وفي وسائل الإعلام المختلفة عن خدماته الطبية في مجال التجميل مخالفاً الأصول المتبعة في أداب المهنة، حيث لا يمكن أن نغفل أو ننسى أو نتناسى مأساة فرح القصاب التي توفيت جراء عملية تجميل في مستشفى نادر صعب بسبب فوضى مراكز التجميل في لبنان والإستهتار والأخطاء الخطيرة التي يرتكبها أطباء وطاقم العمليات التجميلية حيث يدفع المريض حياته ثمناً لذلك. أو مثلاً أنَّ الطبيب لم يتابع وضع مريضه بعد عملية جراحية له مما أَّدى إلى وفاته، أو أن الطبيب قد قطع أعصاب يد المريض خلال العملية الجراحية ليتبين لاحقاً أنه كان متسرعاً في قراره أو أن اليد لم تكن بحاجة أساساً إلى هذه العملية وإنما إلى جلسة فيزيائية تذيب التشنج العصبي المشكو منه. أو أن الطبيب رفض إجراء عملية جراحية عاجلة لمريض وصل على وجه السرعة إلى المستشفى وهو في حالة خطرة وذلك بسبب شعوره بالتعب والإرهاق بعد قيامه بعدد من العمليات الجراحية منذ ساعات الصباح الباكر وطلب نقل المريض إلى مستشفى أخرى لعدم وجود طبيب بديل له فتوفي المريض قبل وصوله إلى المستشفى الثانية. أو أن الطبيب سمح للمريض بالخروج من المستشفى قبل أن يتم علاجه بالكامل ويُشفى أو يتحسن وضعه الصحي وذلك لكي يدخل مريضاً آخر مكانه.
      إستقبال المريض أو أنّ المستشفى رفضت إستقبال المريض وهو في وضع صحي حرج يستدعي العلاج الفوري مختلقةً أسباباً واهية لا تمت إلى العمل الإنساني بصلة، مثل عدم وجود أسرّة أو عدم تعاملها مع وزارة الصحة أو أنّ المريض غير مضمون صحياً واجتماعياً، أو لا يحوز بطاقة تأمين صحي تخوله العلاج على حساب إحدى شركات التأمين المتوافرة في لبنان، أو أنّه لا يحمل مبلغاً مالياً معيناً ليدفعه لقاء السماح له بالدخول إلى المستشفى، وغيرها من الأسباب والمسوغات والتبريرات التي تقدّمها المستشفيات بدون أي وازع أخلاقي أو إنساني مع العلم أنّه لا يجوز لها أن تترك المريض من دون إسعاف أو إنقاذ أو معالجة. أو أنّ المعدات والآلات الموضوعة في غرفة العناية أو غرفة العمليات لم تُعقّم بما فيه الكفاية، أو أنّ طبيب أو ممرض البنج “المخدّر” زاد الجرعة المخصصة فأثّرت سلباً في المريض، أو إهمال مريض مُقعد ومن ذوي الاحتياجات الخاصة مما زاد من توتره النفسي وعذاباته. أو أنّ الممرض نسيَ لسبب لديه وخاص به الوقت المحدد لتقديم الدواء، أو لم يسعف المريض، أو لم يلازمه للإطمئنان عليه ومراقبته باستمرار، أو لم يلبِّ نداء استغاثته لإعتقاده أنّ في الأمر غنجاً ودلالاً فيتحول الممرض أو الممرضة من ملاك للرحمة إلى مرتكب جريمة قتل أو متسبب بعاهة جسدية أبدية لا تزول إلا بانتهاء العمر وحلول الموت. أو أنّ الممرضة قرأت خطأ ومن دون تدقيق مضمون الآلة المخصصة لتعيين موعد الولادة للمرأة الحامل مما أدى إلى فقدان الجنين، أو أنّ الممرضة إجتهدت من تلقاء نفسها فأعطت المريض حقنة في العرق من دون العودة إلى الطبيب المعالج ومن دون استشارته ومعرفته مما تسبب بمضاعفات أفقدته حياته. أو أنّ الطبيب طلب من الممرض أن يناول المريض الدواء من دون أن يلفت نظره إلى عدم جواز إعطائه إياه عن طريق المعدة فالتزم الممرض بالتعليمات ودفع المريض ثمن هذا الخطأ الفادح الصادر عن الطبيب من دون انتباه. أو قيام الطبيب أو المستشفى أو الممرض بالتمييز بين المرضى وتقديم العلاجات الضرورية المطلوبة إنطلاقاً من وضعهم المادي. 
      المريض أيضاً مسؤول، على أنّ الأخطاء لا تصدر دائماً عن الأطباء وحدهم، بل قد يكون المريض نفسه سببها لها وذلك من دون إنتباه منه، إذ يعمد إلى إخفاء معلومات عن صحته عن الطبيب ومنها على سبيل المثال أنّه يعاني من مرض السكري فيصف له الأخير دواء يتعارض مع هذا المرض، مما يؤدي إلى إرتفاع نسبته لديه. ولا يكون الطبيب مسؤولاً عن ذلك لأنه قام بواجبه واستفسر من المريض ما إذا كانت لديه حالات مرضية معينة، أو حساسية ما تجاه دواء معين فأجابه بالنفي ولم يخبره الحقيقة كاملة فلا يكون الطبيب مسؤولاً وإنما المريض نفسه. لذلك يجب عليه أن يتجاوب مع أسئلة الطبيب، وأن يلتزم بالتعليمات بحذافيرها خشيةً تعريض حياته للأذى أو لأية مضاعفات مستقبلية أو الموت. وقد لا يتقيد المريض بإرشادات الطبيب فيصر على مغادرة المستشفى خلافاً لرأي الطبيب الذي حذّره من مغبة فعله. وهنا لا يعود الطبيب مسؤولاً عما اقترفه المريض بحق نفسه. فإنَّ المعلومات الكاملة والصحيحة مهمة في مسار العلاج، وليس بمقدور الطبيب بدوره أن يخفي المعلومات الحقيقية والصحيحة عن المريض الذي يملك الحق الكامل في الحصول عليها، سواء أكانت تتعلق بوضعه الراهن أو بنتائج فحوصات طُلبت منه وخضع لها وأجراها، أو إحتمالات الإصابة في المستقبل وما قد يطرأ من مستجدات. ومثلما يطلب من المريض أن يكون صادقاً وشفافاً في معلوماته فإنّه يطلب من الطبيب أن يبادله التقدير نفسه فيكون صريحاً في إبلاغه المعلومات وواضحاً في إيصالها إليه وبطريقة مفهومة لا لبس فيها ولا تكهنات ولا ترجيحات ممكن أن تترك أثراً سيئاً لديه، وفي حال كان المريض بحالة خطرة أو غيبوبة، فيمكن إبلاغ ذويه وأفراد أسرته بالأمر لكي يكونوا على دراية ومعرفة بكل الإحتمالات التي تنتظرهم. وكان قد صدر بتاريخ 11 شباط 2014  قرار رقم 574 متعلق "بحقوق المرضى والموافقة المستنيرة". حيث ورد في الباب التمهيدي تحت عنوان "الحق في العناية الطبية" الحق في الحصول على المعلومات ضمن الباب الأول. حيث نصت المادة الأولى بما معناه أنه يحق لكل مريض الحصول على المعلومات الكاملة عن وضعه الصحي. وأهمها المخاطر المعهودة أو الكبرى التي تنطوي عليها العملية الجراحية والحلول الأخرى الممكنة، فضلاً عن النتائج المتوقعة في حال عدم إجرائها. وأردفت هذه المادة أنه " في حال طرأت لاحقاً معطيات جديدة تستدعي إتخاذ قرارات جديدة، إعلام المريض بها أيضاً، عند الإمكان.
      المسؤولية ولا يمكن أن يمر الخطأ الطبي المقصود أو الحاصل نتيجة إخلال بواجبات  المهنة  أو إهمال أو مخالفة حقوق المريض دون عقاب، فالطبيب والممرض مسؤولان عن عملهما، وإلا تعرضا للمحاكمة أمام القضاء بما فيها من عقوبة تقضي بالحبس أو الغرامة المالية أو إحداهما والتعويض المالي عن العطل والضرر. أو خضوعهما للمسائلة والمحاسبة أمام نقابة الأطباء المنتمي إليها الطبيب على سبيل المثال، حيث يُمكن بعد درس الحالة والملف والتحقّق من وجود مسؤولية معينة عليه، توجيه تأنيب إليه أو توقيفه عن العمل أو شطبه ومنعه من مزاولة مهنة الطب على الأراضي اللبنانية. كما أنّ المستشفى مسؤولة عن عمل الطبيب وموظّفيها الممرضين والممرضات في حال الخطأ، وتتحمل كامل التعويض المادي والذي يفترض أن يعادل قيمة العطل والضرر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق