كان من وراء هذه الأممية التى تكتلت على تجزئة سوريا ونهب ثرواتها ومقدراتها والأطاحة بجيشها اعتبارا من شباط فبراير 2011 الى يومنا هذا أغسطس 2017 قد مرت بمراحل متعددة فى هذه السنوات التى صمدت فيها الأدارة السورية متمثلة فى رئيسها وحكومتها ومجلس شعبها وجيشها ومؤسستها الأمنية بالداخل وعلى رأس كل هذه المؤسسات ، الشعب المدرك الواعى لتقلبات التاريخ وكل أنواع الأستعمار القديم والحديث الذى استعمر بلاده ولم يقنع الا بطرد هذا المستعمر وانكساره على أبواب دمشق وحلب .
عندما كانت الهجمة المسعورة بتحالف بعض الدول العربية والخليجية وواشنطن والكيان الصهيونى وأنقرة ، وقد وضعوا أنفسهم فى الصف الثانى فى الحرب على سوريا ، وقدموا ماينوب عنهم فى الصفوف الأولى " الجماعات التكفيرية الأرهابية " التى قاموا بتسليحها وتدريبها على الأراضى الأردنية والتركية والرياض ، وتسريبهم هم ومعداتهم من الحدود الأردنية والتركية الى الداخل السورى، بكل أنواع الأسلحة التكنولوجية والثقيلة ، منتشرين فى جميع المحافظات، مما جعل الكثير من الشعوب وحكام الدول العربية والغربية يسارعون بأعلان سقوط النظام وعلى رأسه الرئيس وتقسيمها خلال اسبوع ، أو شهر ، أوسنة ، لكن خيب الجيش العربى السورى والشعب والقوى الوطنية والشعبية الذين تصدوا لهذا العدوان الذى مولته وراعته الدول سالفة الذكر ، وكذلك المعارضة التى انتمت كل منها الى الدولة الراعية لها فأصبحت معارضات كلها غير منسجمة فى المطالب والأهداف ، مما أضعفها وخيب ظنون مموليها ورعاتها فيها ، خاصة بعد أنكشاف أمرهم فى مؤتمر جنيف رقم 1 حتى 5 وكذلك مؤتمر أستانة ، وهنا نبادر بالسؤال ، لماذا خابت ظنونهم فى الجماعات البديلة والمعارضة المتعددة الجنسيات تبعا لرعاتها .؟
لقد تغيرت الأوضاع وأنقلب السحر على الساحر اعتبارا من 2013 عندما قررت المقاومة التى سوريا جزء لايتجزأ منها ، المشاركة مع الجيش والشعب فى المعارك الطاحنة فى كل محافظات سوريا ، بدأت المعادلة تختلف وبدأ تحرير كثير من الريف التابع للمحافطات فى التحرر والأنتصارات وعودة بعض النازحين الى قراهم ومدنهم بعد أن جاء القرار بدخول واشنطن الى سوريا غازية كما فعلت فى العراق فى 2003، لكن دخول الحليف الروسى فجأة الى ميدان المعركة بمدمراته البحرية وأسلحته الدفاعية ومنظوماتها وسلاحه الجوى وأمداد سوريا بأحث ما لديه من طائرات وصواريخ ، جعل أوباما يتريث فى معركته تجاه سوريا ويطلب حلا سريعا ينقذ ماء وجهه فبادرت روسيا بالحل الذى ارتضت به الأدارة الأمريكية والصهاينة الجدد الذين يشكلون القرار فى الكونجرس ، يوافقون على تفكيك ترسانة السلاح الكيماوى السورى بعد موافقة الأدارة السورية وترحيبها بهذا الحل ، وقد كان .
من هنا بدأت تمسك موسكو بزمام اللعبة الأممية التى قادتها الولايات المتحدة ودول خليجية وأنقرة وكان لزاما على الحليف أن يشارك فى الحرب بالخبراء وسلاح الطيران جنبا الى المقاومة والجيش السورى على الأرض من جهة ، ومن جهة أخرى تكون مشاركته مشاركة فعالة فى الحلول السياسية التى من ورائها ايقاف نزيف الحرب ، وقد نجح الروس نجاحا باهرا عندما شاركوا بأفكارهم وخططهم مع الخارجية السورية فى مؤتمرات جنيف المجمدة التى كانت تنتهى داءما بالفشل ، مما أدى بموسكو عمل مؤتمر أستانة الذى أعلنوا أول بند أساسى من بنوده وأهدافه محاربة الأرهاب وذلك بعد أن اقتنعت واشنطون وأوروبا بأن الأرهاب تهديد كبير عليهم ولا بد من التخلص منه وابادة الارهابين ، ليس فى سوريا فقط ، ولكن أيضا فى العراق وليبيا ومصر وتونس ...الخ .
شكل دخول موسكو نقلة كبيرة فى نهاية 2015 ، كان نتاجها معركة حلب الكبرى التى بانتصار وتحرير أرضها ودحر كل الجماعات الأرهابية التى كانت بها وهى أكثر من عشرون جماعة بأسماء مختلفة وعلى قمتها داعش والنصرة بعد أن قسموا حلب الى كنتونات لكل منهم كنتون على حدة ، بتحرير حلب أعلن الرئيس السورى انتصار سوريا على التكفيرين وعلى كل الدول الراعية لهم وتوعد بتحرير كل شبر من الأرض حتى دحر كل هذه الجماعات المسلحة التكفيرية عن أرض سوريا وقد كان له ما أراد .
اليوم نشهد تحرير كل البادية التى تبلغ مساحتها 32 ألف كيلوا متر مربع الى أن وصل الجيش لدور الزور والرقة التى أجبر فيها المسلحين على تسليم أسلحتهم وعمل تسويات ومصالحات لعودتهم الى حضن الوطن ، حتى الذى ارتكب منهم جرائم القتل والذبح ، وكان هذا القرار فى 2014 وتجدد كل ستة أشهر ، ومازال يعمل به حيث تم ذلك بنجاح كبير وقام آلاف المسلحين بتسليم أسلحتهم ، أما الذين خدعوا وطمعوا فى المزيد من الرعاة فاختاروا الذهاب الى ادلب التى امتلأت بالآلاف منهم ومن النصرة وداعش ، فنتيجة تجمعهم هذا سيكون المعركة الفصل والنهائية كآخر معقل للأرهابين ، وتكون سوريا قد حررت كل أراضيها من هذه الجماعات ، ويبقى الجولان الذى أعدت له المقاومة عدتها بعد معركة ادلب الفاصلة .
نعود ونقول لماذا غيرت واشنطن رأيها والدول الغربية والخليجية وأنقرة وجهتها فى سوريا ، لقد أعلنت الأدارة الأمريكية بضرورة انهاء اللعبة فى سوريا وأوكلت لموسكو ايجاد حل سياسى للخلاص من هذه المشكلة ، بعد أن أوقفت امداد المسلحين المعتدلين كما تزعم بالسلاح والمؤن وطلبت من الرعاة غلق الحدود وعدم تسريب السلاح والأرهابين داخل الأراضى السورية ؟
لماذا حدث هذا التحول عند الرياض والدوحة وأنقرة بصفتهم رعاة لهذه الحرب القذرة ، ويطالبون اليوم بسرعة الحل السياسى عند عقد مؤتمر جنيف السادس وربما الأخير ، حيث سارعت الرياض بأقالة رئيس المعارضة (منصة الرياض) وكلفت آخر لكى ينظر للمسألة على أساس أن الرئيس بشار باق فى السلطة ، وهذا ما أقرت به كل من واشنطن وباريس ولندن و برلين على أن بشار باق فى السلطة وعلى رأس النظام .
نحن نقول أن ترامب وافق على المقترحات التى أدلى بها له بوتن خوفا من أن تؤدى هذه الحرب فى النهاية الى تدمير منطقة الشرق الأوسط وعلى رأسه حليفه الأكبر "الكيان الصهيونى" فاللعب أكثر من هذا ممكن يشعل حرب عالمية ثالثة لاتبقى ولاتذر خاصة أن ايران على أتم الجهوزية للدفاع عن نفسها وعن حليفتها سوريا ، وكذلك هى حليفة لكل من روسيا والصين وكوريا الشمالية التى تتربص للولايات المتحدة بعد ان هددتها مرات ومرات لو تجرأت واشنطن واعتدت عليها ، كما أن موسكو هى بمثابة المرطبة للأجواء بين واشنطن والصين من جهة ، وبين واشنطن وكوريا الشمالية من جهة أخرى .
أما بالنسبة للرياض فهى غارقة فى مشاكل لاتعد ولاتحصى أدى بها الى تراجع اقتصادها وميزانيتها ، خاصة وهى فى عامها الثالث لحرب اليمن ، علاوة على سوريا والعراق وليبيا ، أما مشكلة المشاكل فهى الفخ الكبير الذى أوقع بينها وبين الدوحة مما اضطر كل منهما لأفشاء بأسرار كشفت لأول مرة ، من منهما كان ممولا وراعيا للأرهاب ؟ وهذا ما لعبته الرياض بحذق ومهارة فى تحميل الدوحة الحمل كله أمام الرأى العام العالمى ، ومازال الخلاف قائم ، وربما تكون نهايته سيئة على الخليج كله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق