صباح يوم عيد/ ماهر طلبه

البهجة تغسل الشوارع، الأطفال في كل مكان يرتدون الجديد الزاهي ويمرحون، لكنه هو.. أيقظته أمه ودموعها على خدها، قبلته.. نعم.. لكن الحزن الذي كان يغسل قلبها ألقى بمائه على وجهه هو الآخر ربما حزنا عليها.. مسحت عن عيونه الدموع، وطلبت منه أن يستعد للخروج. 
 كما الأطفال استيقظ مبكرا، وكما الأطفال كان يحلم بالعيد والشارع والثياب الزاهية الجديدة، لكنها أخرجت له نفس الثياب القديمة، وارتدت نفس الجلباب الأسود القديم، وأمسكته من يده وحملت في اليد الأخرى شنطة كبيرة وصارا في الطريق.. 
خطف نظره ألعاب الشارع، وملابس الأطفال والبالونات التي تطير بغير صاحب، كان يتمنى أن يسرع خلفها مطاردا، لولا يد أمه التي تشده شدا ليسرع.. لم يمر بهذا الطريق من قبل، لم يقم بهذه الزيارة من قبل، لكنه كان يحفظ التفاصيل من وصف أمه المتكرر والمعتاد لها وحديثها الدائم عن الزيارة الواجبة واللازمة إلى قبر الأب، والطقوس التي تصاحبها.. الرحمة التي توزع على روح الأب لتطهره من سيّء الأعمال، القرآن الذي يردد فوق قبره ليخفف عنه عذاب القبر الذي سيستمر حتى يوم قيامته .. لذلك حين وصل إلى محطتهما الأخيرة / قبر الأب المحاط بالأصفر الذي يشاهده للمرة الأولى لم يشده الأمر كثيرا ، حتى عيون أمه التي تفجرت بالمياه لم يطل النظر إليها، فقط وجه اهتمامه إلى  الأطفال الآخرين الذين كانوا يدورون حولهم، متخذين من شواهد القبور سواتر يستترون خلفها في لعبة "الاستغماية" التي يعرفها جيدا.. نظر قليلا، ثم تحرك للمشاركة.. كانت أمه قد غابت  في عالمها الخاص – حيث لقاؤها الأول بزوجها وحبيبها منذ انفصلا عن بعضهما بموته- منفصلة عنه تماما، لذلك لم تلتفت إليه أو تعره انتباهها، بدأ الأمر من جانبه على حذر.. مجرد مُشاهد منتبه، ثم ومع إشارة الآخرين شارك بحماس.. اختفى خلف السواتر.. أَمسك وأُمسك.. تعارفوا وتنادوا بالأسماء وحكى كل منهم للآخر حكايته أو حتى مجرد حكاية.. يوم طويل لكنه في النهاية حين أفرغت أمه شنطتها وعيونها، أمسكته من جديد بيد وبالأخرى حملت شنطتها الفارغة، وسحبته خلفها، سايرها لكنه كان يحلم بالعيد القادم، والزيارة الواجبة واللازمة  القادمة حيث الصحاب على وعد باللقاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق