الصوت التفضيلي وانتخابات البترون/ جورج الهاشم

يتنازع مقعدَي البترون ثلاث قوى أساسية هي: التيار الوطني الحر ورئيسه الوزير جبران باسيل، القوات اللبنانية ومرشحها المعلن الدكتور فادي سعد والشيخ بطرس حرب المتربع على عرش المنطقة منذ 1972. بفضل قانون الستين، الاكثري، تمكَّن الشيخ بطرس والقوات المتحالفين  الفوز بالمقعدين في الدورتين السابقتين. فازا بحوالي ال 17 ألف صوت لكل منهما في دورة 2009، بينما فاز جبران باسيل بحوالي ال 14 ألف صوت في تحالفه مع الدكتور فائق يونس من تنورين.                                             
منذ 2009 وحتى الان تراجعت نسبة التأييد لبطرس حرب وخاصة على صعيد أبناء تنورين. ففي استراليا مثلاً، كانت نسبة التأييد له قد تجاوزت التسعين بالمئة. أما الان فهي بحوالي الأربعين بالمئة. وأيضاً وضعه في تنورين لا يبشر بالخير. فخلال الانتخابات البلدية سنة 2016، كانت النقمة عليه، خاصة من آل حرب، قد بلغت أوجها. ولكن بسبب وعوده الكثيرة، وبسبب توزيع منافع البلدية على الناقمين، وبسبب تحالفه مع المهندس بهاء حرب، عدوه الانتخابي السابق ورئيس البلدية الحالي، وبسبب خدمات التوظيف الشخصية الكثيرة تمكَّن من الاحتفاظ بغالبية 57% من الاصوات. وهذه ليست أكثرية مريحة لمن تربّع على عرش تنورين لحوالي نصف قرن. ولو بقيت شاتين وبلعا بلدياً مع تنورين لكان وضعه  محرجاً للغاية.         
     بالمقابل هناك قيادة شابة ظهرت في بيت حرب، ولكنها ليست محصورة بالعائلة، هو الدكتور وليد حرب رئيس مجلس ادارة مستشفى تنورين. ورغم محاربة الشيخ بطرس له، خوفاً من دوره المستقبلي، إلا أنه تمكن من جمع قسم من آل حرب حوله، وتمكن من كسب تأييد الكثيرين من عائلات تنورين. والدكتور وليد كان هو القوة الاساسية وراء اللائحة البلدية المعارضة للائحة الشيخ. اضافة أن التأييد له تعدى تنورين الى مختلف مناطق البترون بسبب الخدمات الممتازة التي تقدمها المستشفى لكل مرضى منطقة البترون وخارجها أيضاً.                                                                                 
الوزير جبران باسيل ازدادت شعبيته في كل أنحاء منطقة البترون وفي تنورين أيضاً. فوجوده في الوزارات المتعاقبة، ووجود وزراء التيار في السلطة، مكَّناه من تقديم خدمات شخصية كثيرة، اضافة الى بعض المشاريع العامة ومنها في تنورين نفسها. لقد استغل الاهمال التاريخي اللاحق بتنورين، واستغل غياب المشاريع العامة عنها ودخل من هذا الباب اضافة الى التقديمات الشخصية لافراد كثيرين من تنورين ومن المنطقة. هذا مع العلم ان الحليف السابق سليمان فرنجية لن يكون الى جانبه في الدورة القادمة.           
  أما نسبة التأييد للقوات فازدادت أيضاً ولكن ليس بمقدار الزيادة التي طرأت على شعبية باسيل. فهناك الانتسابات الجديدة المستمرة والخدمات الشخصية لبعض المحازبين والاصدقاء. رغم أن عزوف أنطوان زهرة عن الترشح ربما فرمل بعض الزيادة. وأيضاً قسم  من قوات تنورين من آل حرب فضَّلوا بطرس حرب على القوات عندما اضطروا الى الاختيار بين الطرفين. والكتائب اللبنانية التي أيدت لائحة 14 آذار سابقاً ربما يكون لها موقف مختلف في الانتخابات القادمة خاصة اذا ما تحالفت مع بطرس حرب.       
سنة 2009 وصل عدد الناخبين الى حوالي 33 ألف صوت. ولنقل أن عدد الناخبين سيصل الى 35 ألف صوت سنة 2018. ربما أكثر أو أقل حسب حماوة المعركة وقدرة الاطراف على التجييش. وبدون استطلاعات الرأي، وبغياب الاحصاءات الرسمية، سأعتمد على خبرتي الشخصية في هذا المجال وأقسم الاصوات على القوى السياسية كالتالي: جبران باسيل بالطليعة وسيحصل منفرداً على حوالي 12 ألف صوت تفضيلي مما يجعله خارج المنافسة. أما معركة كسر العضم فستنحصر بالمقعد الثاني  بين القوات اللبنانية والشيخ بطرس حرب. القوات تتفوق قليلاً على بطرس حرب ولن يستطيع أي طرف حسم المعركة لصالحه منفرداً. القوى الاخرى ما بين كتائب لبنانية، ومردة، وقومي سوري وقوى حراك مدني، وشيوعي ومستقبل ومستقلين ستحصل على حوالي ستة الاف صوت مجتمعة. وهي التي ستقرر لمن يذهب المقعد الثاني.                                                                                                            
تحالف أي قوّتين من القوى الاساسية الثلاث في منطقة البترون لن ينفع أياً منها في ظل الصوت التفضيلي. القوى المقررة ستكون كالتالي: المستقلون من تنورين والجرد بشكل عام وهم أكبر قوة. يأتي بعدهم الكتائب و المردة. هناك غزل واضح بين حرب وفرنجية والكتائب. فلو صبَّت  هذه الاصوات، مع القومي، لصالح حرب، أضف قدرة حرب الهائلة على البكاء على "مصلحة" تنورين المغيَّبة وعلى استبعادها، مع الجرد، من الصورة، واهمالها من القرار وهي "المهملة" تاريخياً لأستقطب الكثيرين من مستقلّي تنورين والجرد، وبالتالي فاز بالمقعد الثاني.                                                                                        
بالمقابل ظهرت القوات كمن تقدم المقعد الثاني في البترون الى الشيخ بطرس حرب على طبق من فضّة. فمرشح للقوات سيحصل على أصوات القوات وأصدقائهم أياً كان. على العكس من ذلك، فلو كان مرشحهم هو الدكتور وليد حرب، مدير مستشفى تنورين، لأختلفت الصورة. فالدكتور وليد، اضافة الى أصوات القوات وأصدقائهم في المنطقة، بامكانه أن يحصل على أصوات كثيرة من تنورين ومن الجرد ومن بقية مناطق البترون. سيأخذ معظم هذه الاصوات من أمام بطرس حرب ومن أمام جبران باسيل، وبالتالي فحظوظ النجاح متوفرة معه أكثر من أي مرشح قواتي آخر. سيأخذ من أمام بطرس حرب الكثير من أصوات آل حرب الناقمين من جهة على الشيخ، وأصوات معظم عائلات تنورين وله من انتخابات البلدية سابقة في هذا المجال، وأصوات الجرد التي لن تعود ناقمة على تغييبها. أما من أمام جبران باسيل فسيأخذ أصوات تنورين والجرد الناقمة على بطرس حرب والتي كانت ستذهب معظمها اليه بحثاً عن لائحة قوية تستطيع أن تكسر احتكار الشيخ للمنطقة لخمسة عقود متتالية.                                                 
والنتيجة إذا كان جبران باسيل، مع الصوت التفضيلي في القضاء، قد ضمن مقعده، وترك المقعد الآخر لتنحصر المنافسة عليه بين عدّوه التقليدي السابق الشيخ بطرس حرب و حليفه الجديد، العدو الرئاسي المقبل، المتمثل بالقوات اللبنانية. فلماذا تصرّ القوات اللبنانية على أن تقلِّل من فرصها باستبعاد تنورين والجرد وتركهما لقمة سهلة على معدة من تعوَّد أن يلتهم كل الفرص؟ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق