وحده مسعود البرزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، يعرف خبايا الدوافع التي جعلته يتجاهل كل النصائح اإلقليمية والدولية بعدم الاقدام على تنظيم الاستفتاء على "استقلال" الاقليم. ووحده كان يُدرك حجم رهان التحدي الذي يلقيه في وجه الحكومة المركزية في بغداد بإقدامه أيضاً على إجراء الاستفتاء في مناطق "متنازع عليها". م ووحده ن غامر بإثارة دولتين إقليميتين هما تركيا وإيران، لهما أيضاً إشكالات كردية عابرة للحدود. ترى على ماذا، وعلى م البرزاني في تصعيد نبرة المواجهة ن، كان يعتمد مع العالم أجمع... باستثناء الدولة الصهيونية التي ال تتردد في تأييد أي مسعى انفصالي يبرر لها وجودها غير الطبيعي في منطقة الهالل الخصيب. أي حسابات، بل أي أوهام جعلته يعتقد بأنه قادر على ربح المعركة السياسية واالقتصادية )والعسكرية ربما( في خضم طوق جغرافي رباعي محكم الاغلاق! البرزاني أقدم على مغامرة يعتقد مراقبون بأنها لم تكن محسوبة بدقة. لكن الواقع يقول إن رئيس إقليم كردستان العراق ليس من النوع المتهور كلياً، وإنما هو انطلق من سوابق أوصلته إلى قناعة بأنه يستطيع الاعتماد على قوى خارجية تحقق له "حلم الاستقالل" كما حققت له حلم السيطرة المطلقة على مقدرات الشمال العراقي في ظل عاملين أساسيين: أوالً، التغطية األميركية منذ تسعينات القرن الماضي عندما فرضت واشنطن بالقوة العسكرية المباشرة منطقة حظر جوي لحماية األكراد من الرئيس العراقي الاسبق صدام حسين. ثانيا في نفق الاحتلال الاميركي ـ ً، دخول العراق كله البريطاني وما رافق ذلك من حروب أهلية مدمرة. اء. نسج عالقات وثيقة مع تركيا، فاتحاً لعب البرزاني أوراقه بده الحدود أمام بضائعها في مقابل النفط العراقي المهّرب. ضغط على حزب العمال الكردستاني الذي يقاتل في تركيا، وفي الوقت نفسه أرسل رجال البشمركة للتدريب في القواعد التركية. ش ّرع األبواب لكل "الجهاديين" الذين أغرقوا العراق في بحيرات الدم، في حين كان يحظى بالمساعدات العسكرية والمالية من الدول الغربية بحجة محاربة "الارهابيين". دغدغ العواطف الاستقلالية لألكراد في محاولة إلخفاء التصدعات الحزبية والقبلية والطائفية في شمال العراق. وأخيراً و ّسع إطار طموحاته بالتأكيد مرة بعد أخرى أن "حدود الدولة الكردية هي حدود الدم"!! ويجب االعتراف بأن إقليم كردستان العراق عرف ازدهاراً منقطع النظير في وقت كانت بقية األقاليم العراقية تدفع ثمناً غالياً من شبابها وثرواتها في حرب االستنزاف ضد االحتالل واإلرهاب. ووجدت الحكومة المركزية في بعد يوم، على بغداد نفسها مكرهة، يوما تقديم التنازالت وغض الطرف عن ً تكبر البرزاني وتلويحه بـ "الاستقلال" كلما أراد تعزيز سيطرته على الاكراد، أو الحصول على مغانم مالية، أو التستر على مشاكل داخلية كردية. لكن كل ذلك كان نتاج أوضاع إقليمية ودولية مؤثرة، وليس فقط نتاج قدرة البرزاني على تحقيق الانجازات الموعودة. لقد سقطت أقنعة المبالغات واألوهام عندما وقفت القوى العالمية على "الحياد"، بينما توافقت الدول اإلقليمية المجاورة على حزمة من الاجراءات العقابية المتدرجة بهدف إعادة الرشد إلى الذين أساءوا قراءة الواقع المستجد. والاهم من كل ذلك أن الحكومة المركزية في بغداد إسترجعت زمام المبادرة، يدعمها إجماع شعبي وسياسي واضح. يضاف إلى ذلك أنها استخدمت لغة هادئة... لكن حازمة، معززة بالقوة العسكرية التي اختبرت الميدان في المعارك الضارية ضد "داعش" وخرجت منتصرة. الحقيقة أن رهانات البرزاني، ما لم تكن معتمدة على مخطط سري لم تتكشف أبعاده بعد، فشلت فشالً ذريعاً على كل المستويات المحلية والاقليمية والدولية. ُسئل عنتر ذات مّرة: "يا عنتر مين عنترك؟" فأجاب: "لم أجد أحداً يردني... فعنترت حالي". يبدو أن البرزاني وجد الان من يردّه بحزم
الحزب السوري القومي الاجتماعي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق