في السنوات الأولى من الأزمة السورية،قوى العدوان بمختلف مسمياتها هي ليست أكثر من يافطات وعناوين إرهابية لنفس المنتوج والمصنع،ومنتمية لنفس التحالف والحلف المعادي،بما فيها دولة الاحتلال الصهيوني، وهي راهنت على تحول سوريا الى دولة فاشلة،حالها كحال الصومال وليبيا والسودان،ليس لها أي مكانة مؤثرة في المنطقة،بل الرهان بانها ستصبح غابة تتصارع فيها العصابات الإرهابية والتكفيرية،قويها يأكل ضعيفها،وتغذي استمرار اقتتالها على المصالح والنفوذ والسلطة والثروات القوى الداعمة لها،بما يضمن لكل فريق منها حصته وفق حجمه ودعمه وقدراته العسكرية وإمكانياته الاقتصادية والمالية،ولذلك توزعت تلك الجماعات والقوى الإرهابية على اكثر من منصة وجهة ولاء،إرتباطاً بالدعم العسكري والتسليح والتمويل،وبأن الرئيس الأسد سيسقط عرشه خلال مدة لا تزيد عن أشهر،وأنه سيطلب اللجوء السياسي الى موسكو،وانه وعائلته يعيشون على ظهر سفينة في البحر،وأخذوا يجرون الترتيبات على ما ستكون عليه الأمور في سوريا بعد رحيل الأسد،فهناك من قال بانه سيصلي في المسجد الأموي في دمشق،واخر قال بانه لن يعود الى بيروت إلا عبر مطار دمشق،وقادة الاحتلال كانوا ينتظرون أن يرفرف علم دولتهم فوق سفارتهم في دمشق،وأن تصبح هضبة الجولان جزء من دولتهم،كوراثة لهم وحصة في نظام الأسد الراحل،ولكن بعد سبع سنوات من الحرب العدوانية على سوريا،خلصت الأمور الى ما قالته صحيفة «نيويورك تايمز» في مقال تحليلي،قالت فيه إنّ الرئيس السوري نجح بفضل صبره في التحوّل من رئيس يسعى أكثر من ثلثي دول العالم لإطاحته،إلى الرئيس الذي يراه خصوم الأمس ضمانة للاستقرار في المنطقة والعالم، بعدما نجح في استقطاب دعم حلفائه،وصولاً لتبديد قدرات خصومه المحليين والإقليميين،الذين بدأوا يتسابقون على الإقرار بكون الرئيس السوري بشار الأسد ضرورة للحفاظ على وحدة سورية واستقرارها. ويبدو العالم قد انتقل للحديث عن سورية ما بعد داعش في ظلّ بقاء الأسد وخطط إعمارها، بعدما كان عنوان البحث قبل سنوات عن مستقبل سورية بعد الأسد وكان يُعتبر أمراً من المسلّمات. وما قالته «نيويورك تايمز» يلتقي مع كلام وزير حرب حكومة الاحتلال أفيغدور ليبرمان عن نصر الرئيس السوري وتحوّل التسابق إلى العلاقات مع الحكومة السورية والسعي لفتح السفارات التي أقفلت في دمشق في سنيّ الأزمة والحرب،عنواناً للمرحلة المقبلة،ليس من السهل على زعيم صهيوني كليبرمان ان يعترف بإنتصار الأسد بعد حرب كونية مصغرة شنت على سوريا لمدة سبعة سنوات،راح ضحيتها مئات الآلاف من السوريين قتلى وجرحى،ونال سوريا من الدمار الشيء الكثير،بما شمل البنى التحتية والمؤسسات الاقتصادية والتجارية والمصانع،والمقرات الحكومية،حتى المؤسسات التعليمية والطبية ودور العبادة نالها قسط كبير من الدمار،وكذلك تشرد الملايين من أبناء السوري،وحشروا في مخيمات بشروط غير إنسانية في دول الجوار من قبل رعاة المشروع، الهدف منها التفتيت والتقسيم والتذرير للجغرافيا السورية وللجغرافيا العربية وإعادة بنائها على تخوم المذهبية والطائفية،وبما يشمل كامل المنطقة العربية،ودمج دولة الإحتلال في المنطقة كمكون طبيعي....ليبرمان ونتنياهو وغيرهم من قادة دولة الإحتلال يدركون ان انتصار الأسد...سيشكل لهم عقدة ومشكلة كبيرة،فهم طالما راهنوا على نقل قطار تطبيعهم مع ما يسمى بالمحور السني العربي من الجانب السري الى الجانب العلني،وبما يشمل ليس التنسيق والتعاون فقط،بل والتحالف العسكري،ولطالما قال نتنياهو بان علاقات اسرائيل بالمحور السني العربي متطورة ومتقدمة على علاقاتها مع دول الإتحاد الأوروبي،وكان الرهان بان تشرع العديد من تلك الدول بوضع حجر الأساس لسفاراتها في تل ابيب وان تضع هي حجارة الأساس لسفاراتها في عواصم تلك الدول...ولكن كما يقول المأثور الشعبي "لم تأتي السرقة على قدر يد الحرامي" فليبرمان يقول بأن تلك الدول السنية العربية المعتدلة والتي لم يسمها بالإسم،هي الآن تقف في الطابور للتقرب من الأسد ومغازلته،وبما يعني أنها قد تتراجع عن تطبيعها العلني مع دولة الإحتلال.
من تصريحات ليبرمان يتضح حجم الإحباط الذي يشعر به بعد الوصول الى هذه النتيجة فالرهان كان بالهزيمة الساحقة للمشروع القومي العربي ومنع انبعاثه من جديد لمئة عام قادمة على الأقل،بحيث تكون اسرائيل مكون طبيعي في المنطقة وعضواً مقرراً في الجامعة العربية،ولكن الرياح لم تجر بما تشتهي سفن ليبرمان وكل المشيخات العربية ودولة الخلافة التركية وأمريكا ومن خلفها الغرب الإستعماري، فالسعودية التي كانت دائماً يردد وزير خارجيتها الجبير،لا حل سياسي في سوريا إلا برحيل الأسد،اضطر لكي يبلع لسانه ويقول للمعارضة السورية التي يرعى اهم مناصتها،كيفوا انفسكم على حل الأسد فيه باق،مما دفع رئيس ما يسمى بإئتلاف المعارضة السورية الخائن رياض حجاب للبحث عن مصالحه الخاصة في هجرة الى امريكا،ولم تعد المعارضة في سوريا تحظى بالدعم السعودي كما كانت عليه سابقاً فالسعودية غارقة في المستنقع اليمني وفي ازمتها مع قطر،واوضاعها المالية قاب قوسين أو أدنى من الإفلاس والإنهيار...وكذلك هي قطر لم تعد تحظى المعارضة في سوريا برعايتها،كما هو الحال سابقاً...المشروع الإرهابي والمعادي في سوريا سقط بالضربة القاضية بإعتراف ليبرمان...ليبرمان الذي شنت دولته بإعترافهم اكثر من مئة غارة على سوريا دعماً لتلك الجماعات الإرهابية،ودفعت رواتب بالملايين من الدولارات لقادتها وعناصرها وقدمت لها الدعم اللوجستي والإستخباري والطبابة في مشافيها...في حين الأسد في خطاباته حتى بعد فك الحصار عن دير الزور وغيرها من المدن السورية،لم يستعجل النصر وإعلانه.
المعارك في سوريا لم تنتهي،فنحن أمام معارك كبرى يقف في مقدمتها تحقيق المصالحات الوطنية وتوسيع دوائرها،وكذلك العمل على بناء مشروع حداثي نهضوي،قائم على الديمقراطية والتعددية الفكرية والسياسية والمواطنة الكاملة لكل مكونات شعب سوريا الأثنية والدينية...وكذلك سوريا يجب أن تعد العدة لورشة الإعمار الكبيرة والضخمة،والتي يجب ان يكون نصيب حلفاء سوريا ومن صنعوا انتصارها مع جيشها وقيادتها وشعبها لهم نصيب كبير منها....
الحروب في هذه المنطقة لن تنتهي ولن تسمح القوى المعادية بان تستقر الأوضاع فيها،هي حروب تتوالد وها هي أزمة الإنفصال الكردي عن العراق،فصل جديد من فصول الحرب والمؤامرة على المنطقة وعلى الأمة العربية،سوريا نزفت ودفعت ثمناً باهظاً بشرياً ومادياً،ولكنها ربحت وحدتها وكرامتها وسيادتها وهويتها...أما ليبرمان وكل المستنمرين على سوريا والأمة العربية،فهم يعرفون جيداً بأن لحظة وساعة حسابهم تقترب،وان حلف المقاومة في المنطقة العربية يتعزز ويتوسع ويتمدد في المنطقة العربية والإسلامية،وبأن مسألة المواجهة بينه وبين إسرائيل التي تخشى على وجودها ودورها في المنطقة،هي مسألة وقت،فحزب الله يعزز من قدراته العسكرية ويقلل من الفارق النوعي بينه وبين جيش الاحتلال ،بشكل كبير في مجال نوعية السلاح وكذلك أصبح يمتلك من الخبرة والتجربة والمهارات بما يجعله الهاجس الأول لدولة الإحتلال الذي ترى فيه خطراً مباشراً على امنها واستقرارها ووجودها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق