السياسة ملعب للمصالح وليس حلبة للمشاعر! قراءة في الوضع الفلسطيني ايام قليلة بعد ساعات الفرج/ رائف حسين

هذه المعادلة، السياسة ملعب للمصالح وليس حلبة للمشاعر،  رغم قلة الانسانية فيها، الا انها من صلب الواقع السياسي اليومي ومن صميم التعاطي بالسياسه أينما تواجدت وفِي كل مجالاتها. 
السؤال الذي يبقى في هذا السياق هو:  هل المصالح وحدها دون المشاعر كافيه لجعل السياسة ناجحه؟ وهل المشاعر والعاطفه وحدهما ممكن ان يرسما الخطوط العريضه لسياسة واقعيه مثمرة؟
الجواب الواضح والصريح على السؤالين هو لا..  
اولا المصالح في حقل السياسه ليست مجرده وليست عفوية...في عالم السياسه تأخذ المصالح دورها ليس على انفراد بل كحزمة مرتطبه ومتشعبة مع بعضها البعض وهي لا تأتي عفويا من فراغ بل لها سياق تاريخي وحتميه وجود...هذه الديناميكيه بين الواقعية والحتمية تزداد وتتماسك يوماً بعد يوم ولا يمكن تجاوزها أو غض النظر عنها وإهمالها... انها جزء من السياسه ذاتها. 
والمصالح انواع، هنالك مصالح شخصية واخرى حزبيه ومصالح وطنيه... وبين هذا الثلاثي؛  وطني، حزبي، شخصي،  هنالك مصالح متعددة متشعبه من نوع مصالح فئات معينه مقربه من السياسي او الحزب وتهمهم لوجودهم وحاجتهم لها  ومصالح اقتصاذيه متنوعة ... وفِي شرقنا هنالك مصالح عائلية واخرى عشائرية الخ... تحديد وتمحيص شبكة المصالح في قراءة خطوة سياسية معينه يسهل على المراقب الحكم على الخطوة السياسية ، ان كانت ناجحه ام لا وما هو الهدف أصلا من مثل هذه الخطوة او هذا التصريح أو هذا البرنامج السياسي.
وثانياً مشاعر الجماهير بوصله وسيسموغراف .. على السياسي الحدق ان يقرأها بتمعن ويحكمه لكي لا تكون خطواتها بعيده عن الجماهير وموازينه لمشاعره ولكي لا يصبح السياسي شعبوي وراقص على مشاعر الجماهير بعيدا عن المصداقيه ،  
وعوده بِنَا من الفلسفة السياسية الى الواقع السياسي؛ 
في الْيَوْمَ التالي لزيارة دولة رئيس الوزراء الفلسطيني لقطاع غزه قام الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالتصريح ببعض الاقوال التي أثارت حفيظة البعض وجعلتهم يبدأوا بالتشكيك في نية الرئيس وحزبه وجديتهما في المصالحه. ردات الفعل السريعه، من طرف على ردات الفعل من الطرف الاخر التي غزت مواقع التواصل الاجتماعي  تظهر لنا جلياً ان  تعقيدات وتشعبات مشروع إنهاء الانقسام للوصول الى المصالحة الوطنية الكاملة لم يتم استيعابها، ليس فقط من الجماهير بل أيضاً من بعض القيادات.
في مقال سابق كتبت ان إنهاء الانقسام ليس خطوة يتيمه وحيده بل هو مشروع من خطوات ممكن ان تطول جدا وبالنهاية ممكن ان نصل سويا في فلسطين الى المصالحه الوطنية الكامله ولكن هذه ليست حتميه. 
في اي مشروع هنالك مراحل تدعوك للتريث قليلا او حتى للتوقف أحياناً  لتصحيح المسار... وفِي كل مشروع وخصوصاً في العمل السياسي هنالك طرف رابح وآخر خسران. الطرف الخسران سوف يحاول جاهداً لافشال المشروع وهذا الدياليكتك يجب ان يفهمه كل من له رغبه لانجاح المشروع بصدق. 
في مشروع إنهاء الانقسام هنالك أطراف عديده تُعّد، ان تمت المصالحه،  على لائحة الخسرانين وهؤلاء ليس ضعفاء او عديمي التأثير، بل بالعكس لكل هؤلاء مصالح كبيره بالقضيه الفلسطينيه... مصالح متشعبه ومعقده ومن الطبيعي ان نتوقع ان هؤلاء لن يتخلّوا عن مصالحهم بسهوله لارضاء مشاعر ورغبات الأكثريه العظمى من الشعب الفلسطيني. الرئيس الفلسطيني يدرك هذا الامر وهو يتواجد الان بين المطرق والسندان : بين لعبة المصالح، الداخلية والخارجيه،  وبين حلبة المشاعر والعاطفة والرغبات الصادقه والمحقه لدى أبناء شعبه بعد هذه الخطوه المباركه ... وهو في هذه الحاله كربان سفينه في بحر مليء بالجزر الصخريه ... كل حركة او توجه خطأ يقوم به هو شخصيا او من حوله ممكن ان يعطل السفينه ويسبب باغراقها... 
تصريحات الرئيس محمود عباس حول العمل المسلح وحول رفع العقوبات عن قطاع غزه لم تكن موفقه، لا في التوقيت ولا في طريقة طرح المضمون ، رغم ان الأمران مهمان جدا،  وأتفهم تخوفاته وتحفظاته على النقطتين، الا ان مستشاريه تركوه في هذه المرحلة العصيبه كورقة في مهب الريح.  
همومً الجماهير في كل مجتمع هي مكونه أساسيه من مكونات المصلحه الوطنية، ان لم تكن أهمها ... عدم الأخذ بهذه الهموم على محمل الجد وجعلها الشغل الشاغل للسياسي  او تغاضي النظر عنها، ولو لوهله، هو تفريط في المصلحه الوطنبه.  
كل مطلع على القضية الفلسطينيه وتشعباتها عليه ان يدرك هذه الأمور :
اولا عودة الراحل الرمز الرئيس ياسر عرفات وقيادات اخرى للوطن وبناء السلطه الفلسطينيه لم يكن مشروع سياسي فلسطيني بل كان نتيجه حتميه عن التقاء مصالح دوليه واقليمية وايضاً فلسطينيه محدده في مرحلة تاريخيه وسياق سياسي معين. هذا الواقع الجديد فُرِض على الشعب الفلسطيني بالترغيب والترهيب وأصبح جزء من القضيه... المصالح، امريكيه وغربيه، عربيه وفلسطينية، دوليه واقليمية واسرائيليه لم تترك الشأن للداخل الفلسطيني بل استمرت باستعمال نفوذها لفرض مصالحها على الواقع الفلسطيني والتحكم بمستقبله وتداخلاته.
ثانيا منذ اللحظه الاولى لتكريس نتائج أوسلو على الارض بدأ ضخ المال للسلطه الفلسطينيه لتكريس مصالح الممولين من عرب واجانب، منذ هذه اللحظه اصبح المال السياسي مورفيوم الشعب الفلسطيني... وبعد ربع قرن اصبح الشعب مدمن على هذا السم! بداية أعطى الممولون المورفيوم للقياده الفلسطينيه وهذه قامت بتوزيعه على القيادات الموقعيه على شكل مراكز وامتيازات والقيادات الموقعيه والوسطى استعملت هذا السم على شكل وظائف وامتيازات لجماهيرها وأبناء عشيرتها وهكذا أصبحت قطاعات واسعه من الشعب مدمنه على المال السياسي والباقي اصبح يتطلع ويعمل كل ما بوسعه للحصول على قطعة صغيره من هذه السعاده! 
حماس بعد انقلابها في غزه لم تتعلم من اخطاء فتح واستعملت السم ذاته بنفس ألطريقه ونفس الأسلوب كما فعلت فتح... الفارق الوحيد كان فقط المزود بالسم ! 
ثالثا الكفاح المسلح تحول منذ سنوات طويله، من وسيلة نضال ضد الاحتلال لتحرير الوطن، الى هدف بحد ذاته. وليس هذا فحسب، بل اصبح جزء من الهويه الفصائلية لبعض الحركات، وحماس ليس وحدها التي تحمل هذه الهويه. 
جميع القيادات الفلسطينيه من اقصى اليمين الى أقصى اليسار فشلت في التعلم واستنتاج العبرة الأساسيه من السنه الاولى للانتفاضه الاولى وهي ان النضال مراحل وحلقات وان وسائل النضال وطرقه تتغير بتغير المراحل... ولا شيء مقدس سوى الهدف الاسمى... في الحاله الفلسطينيه المقدس هو حق تقرير المصير وعودة اللاجئين وما سواهما قابل للتعديل والنقاش والتغيير والحذف! 
الرئيس محمود عباس يدرك هذه الأمور التي سردتها وانا على يقين ان بدرك التداخل بين الأمور الثلاثه وكان بامكانه ان يوصل رسالته السياسية للجماهير الفلسطينيه وللمراقبين  بطريقه سلسة ومقبولة اكثر ... خصوصا وان القضيهً تمر بهذا الوضع الحرج. 
الرئيس عباس لم يجرء ان يصارح جماهيره بالواقع الذي يعيشه شعبنا الفلسطيني بالاراضي المحتله عام 67... هو لم يصارحهم بان القرار الفلسطيني مرهون باصحاب المصالح وهم الممولون،  من عرب واجانب وان هنالك أمور أساسيه لا تستطيع السلطه ان تقرر بها دون ضوء اخضر من هؤلاء.. كرفع العقوبات عن غزه وصرف الرواتب وان هؤلاء الممولين تربطهم علاقات مصالح من نوع اخر مع الاحتلال وقياداته وان الاخير يرى في الكفاح المسلح خط احمر ويعمل جاهدا لوضعه على لائحة الاٍرهاب العالمية...بدل ان يصارح الرئيس شعبه ويطلب منه إسناده ودعمه بهذه المرحلة ويقدم له الحجج لعدم رفع العقوبات مباشرة ويعوضهم ببرنامج مرحلي لرفع هذه العقوبات عن غزه،  قرر استعمال سياسة الحزم القاطع متناسيا مشاعر الجماهير الصادقه... وهذه ليست المرة الاولى التي يحاول الرئيس عباس ارضاء اصحاب المصالح بتنوعهم على حساب الاصغاء لمشاعر وعواطف وأمنيات أبناء شعبه الصادقه.  هذا الواقع وتداخلاته يدركها أيضاً قادة حماس وقيادات الفصائل الاخرى... ولكنهم لم يكشفوها للجماهير الفلسطينيه  وفضلوا التلاعب بمشاعر الجماهير ودغدغدتها بدل ان يقدموها للجماهير بوضوح وشفافية  على بساط احمدي.... هذا نابع كله من حقيقة مرة لم يعد بالمكان اخفاءها عن الجماهير .. الا وهي ان القاسم المشترك ببن هذه القيادات والرئيس... ان كلهم لا يُؤْمِنُونَ  بقوة الشعب الفلسطيني وقدراته وارادته على تحمل الشقاء من اجل الهدف المقدس. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق