مساء الثلاثاء الماضي لٓبّٓيتُ دعوة وزارة الخارجية الألمانية لحضور احتفال، ينظمه المعهد الألماني لتبادل الثقافات التابع للوزارة، لتسليم ملكة السويد، الملكة سيلفيا، جائزة المعهد السنوية التي تقدم لشخصيات أو مؤسسات تعمل لمساعدة المحتاجين في العالم وربط الثقافات المختلفة ببعضها البعض وتطوير التبادل الثقافي الكوني بين كل الشعوب.
ألملكة سلفيا التي تشارك وتدعم اكثر من ستين مؤسسة ومشروع في أنحاء المعموره والتي أسست عدة مؤسسات خيريه لدعم المحتاجين من أهمها مؤسسة مينتور لدعم الشباب والتي تعمل في اكثر من ثمانين دوله وتتواجد في كل الدول ألعربيه ومؤسسة اخرى تدعم رعاية المسنين المصابين بمرض الزهايمر، هي الشخصية الثامنة التي تحصل على هذه الجائزة.
قبل دخولي الى قاعة الاحتفال التي تواجدت بجانب بوابة برلين الشهيرة بالقرب من البرلمان الألماني كان الأخوه الأكراد يحتفلون بنتائج الاستفتاء الشعبي الذي نظمه البرازاني في شمال العراق. راقبت الوضع لفترة بهدوء... ودخلت.
لأول وهله ممكن ان يسأل القارئ، وبحق، ما علاقة هذا بهذاك؟ وما هو الرابط بين ملكة السويد واحتفال الاكراد ووزارة الخارجية الالمانيه؟
العلاقه سهلة وعميقة، والرابط بعيد وقريب ... الدياليكتك هنا يدور حول نحن وهم! حول نحن والآخر.
في بداية الاحتفال، دخلت الملكة سيلفيا بتواضع وببسمة ودون حرس شخصي مبالغ به ودون بساط احمر ودون بوس أيادي وانحناء من الحاضرين! ابتسمت وتذكرت احتفالاتنا بالشرق وحفاوة الاستقبال المبالغ به للمسؤليين والدجل الذي يخيم على الحالة عندما ترى رئيساً أو ملك أو حتى مديرا شرقياً يدخل حفل رسمي... وقلت لنفسي هذا هو الفرق بيننا وبينهم ... ملوكهم ورؤسائهم يتمتعون بالبساطة والتواضع ويتقربون في كل فرصة من الشعب ورؤساننا وملوكنا يتمتعون بالعنجهية والتكبر ويُتقِنون البعد عن الجماهير بمهارة نادرة...هم ونحن لم نخلق من طينة واحدة...
ألقى وزير الخارجية الألماني، سيغمار غبرئيل، كلمة ترحيب وتقدير بالملكة سلفيا ونوه الى العقل المنفتح للشعب السويدي بشكل عام ولجلالة الملكة بشكل خاص. وأشار الى ان الملكة سلفيا التي ولدت في البرازيل لأب ألماني وأم برازيليه تحمل النظرة الكونيه بدمها وبتاريخها ... فهي برازيلية القلب وألمانية الجسد وسويدية الروح... هي تنظر الى العالم ليس من من منظار نحن وهم! بل من منظار انساني منفتح بحت... النحن تعني البشرية وكلنا بها سواسيه...وهذا ما جعلها محبوبه وصاحبة مصداقية عاليه في كل المعموره وبين كل الشعوب. وهي التي تدعم اندماج القادمين الجدد من لاجئين واخرين الى أوروبا منذ سنوات طويلة، والذي اصبح منهم من يتقلد وزارات ومراكز مرموقة في المؤسسات الرسمية.
تذكرت الإخوة الأكراد بالخارج وسألت نفسي لماذا يفرحون بالانفصال مع انهم منذ مئات السنين جزء من مجتمعنا ودولنا؟ وهم يرقصون فرحاً للانفصال في بلد يحاول منذ أكثر من ستين عام ان يوحد الصف الاوروبي في خيمة واحده! واستنتجت سريعاً انهم حقاً يعيشون بيننا ومعنا في بعض الدول ألعربيه لكن فرصتهم ليصبحوا منا لم تعطى لهم بالكامل كما هو لازم ومطلوب، وبقية النظرة العامة السائدة في شرقنا تجاههم: هم ونحن...نحن الأصل وهم الفصل... نحن الأساس وهم الدساس... نحن اصحاب الارض وهم الدخلاء عليها. هم ونحن في شرقنا دياليكتك انفصالي إقصائي بينما نرى محاولات ناجحة في الغرب لجعل هم ونحن مجموعه واحده، مجتمع واحد تربطه الإنسانيه والمصالح المشتركه والنحن هي لغة المخاطبة والتوجه.
جواب الأخوه الأكراد على التوجه العربي العنجهي الإقصائي لابناء الأقليات أتى أيضاً رد شرقي إقصائي بلغة هم ونحن... بلغة أنتم هناك ونحن هنا... وكما تكلم وزير الخارجية الألماني بكلمة الترحيب للملكه السويدية: وقال نحن نعيش في عصر يتطلب وضع اليد باليد لمصلحة الجميع بعيدا عن الانانيه والشوفونيه القتاله التي تنتهجها بعض القيادات السياسية في العالم.
نعم الحياة في جزيره مقطوعه عن الآخرين لم تعد ممكنه في القرن الواحد والعشرين، ولكن هذا هو بالضبط الذي زرعه البرازاني في عقول الاخوه الأكراد في العراق والراقصين منهم في برلين. البرازاني لم يكن صريح مع أبناء شعبه عندما وضع راسه بالحائط واستجاب للضغط الاسرائيلي لإجراء الاستئناف رغم معارضة كل دول العالم، الا اسرائيل، هذه الخطوة الهدامه. أبنت القائد الكردي الاخر الطلباني، المنازع للبرزاني، علقت على اصرار البرازاني على اجراء هذا الاستفتاء رغم موقف العالم منه، بانه قفزه الى المجهول... نعم هي قفزه الى الوراء الى عصر اخر بعيداً عن الواقعيه وبعيداً عن مصلحة الشعب الكردي في هذه المرحلة.
الملكة السويدية شددت في كلمة شكرها على ان القيادات السياسية في العالم عليها ان تصغي لشعوبها وتعمل كل ما في وسعها لمصلحة الشعب دون ان يضطهد شعب اخر...
السؤال المحق هو ما هي مصلحة الشعب الكردي في العراق الان من الانزلاق الى مثل هذه الخطوة؟؟ البعض اجاب بصدق ان للأكراد الحق في تقرير مصيرهم وبناء دولتهم أسوة بكل شعوب المعموره... نعم هذا توجه انساني وتقدمي دون أدنى شك... لكن قبل هذا يبقى ان نسأل ماذا تعني مصطلحات تقرير المصير والدولة المستقله؟ اليست هي الحدود، والجيش، والشرطة والسلطة، والحكومه، واللغة والتعليم وحرية التحرك والتنقل والتجارة والاستثمار؟؟ شمال العراق الكردي يحضى بكل هذا منذ سنة 2005 وأكثر من ذلك ايضاً... وهذا ما لا تدركه الاكثريه العظمى من الاخوة الأكراد الراقصين في برلين ولا الأكثريه العظمى من العرب الذين تشدقوا في حق الشعوب بتقرير مصيرها لتعليل دعمهم لخطوة البرازاني...
الاكراد في شمال العراق ينتخبون حكومتهم لوحدهم ولهم برلمانهم الخاص ولهم جيشهم وقواتهم الامنيه التي تحميهم وتهتم بأمرهم وبحدود مقاطعتهم ولهم اقتصادهم الوطني ولهم مدارسهم ولغتهم وسلموا من الحكومة المركزيه العراقية الجامعات والمعاهد العليا دون مقابل وسلموا أيضاً المطارين الدوليين في أربيل والسليمانية دون مقابل، ولا يحق للجيش العراقي ولا الأجهزه الامنيه العراقية ان تتدخل بالشأن الكردي دون إذن من حكومة المقاطعة... هذه لم يطرحه البرازاني على الإخوة الاكراد قبل الاستفتاء ولَم يصارحهم بان الانفصال عن العراق سوف يؤدي الى خسارة معظم هذه الإنجازات التي تصب في مصلحة الشعب الكردي. كم ولَم يصارحهم بان القسط الأكبر من اجور موظفي المقاطعة الكردية يأتي من الحكومة العراقية المركزيه وانه هو شخصياً يتصرف في أموال النفط العراقي التي تجنيها حكومة البرازاني من بيع نفط كركوك والتي هي جغرافيا وتاريخيا خارج حدود كردسدان... عوائد هذا البيع لم يصرح بها البرازاني لحكومته حتى الْيَوْمَ ولم يسلم الحكومة المركزيه القسط المتفق عليه في اتفاق الفدرالية ... البرازاني اجرى الاستفتاء ليس لمصلحة شعبه بل لمصلحته الاقتصاديه الضيقة دافعاً شعبه الى قفزه الهلاك...
مصير هذه القيادات السياسية سيكون، كما قالت ملكة السويد في كلمتها، بين أيدي شعبها الذي لا يرحم ان صودرت مصالحه وقوت ابناءه... البرازاني أراد بهذه الخطوة نقل الاكراد من الحرية الكامله الى الانعزالية الكامله ... هم هناك ونحن هنا... فهم من عصر اخر!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق