يمكن خدمة الناصرة بغض النظر إذا كان رئيس البلدية علي سلام او غيره
شعب الناصرة شعب اصيل وطيب، شريف وشهم، ويعاقب من يستحق العقاب
نحن اليوم امام انتخابات غير عادية لبلدية الناصرة، الموضوع يهمني ليس من زاويته العامة فقط، بل من كوني ناشط ومساهم في تشكيل جبهة الناصرة الديموقراطية، وفي مجمل الحملات الانتخابية التي خاضتها منذ تأسيس الجبهة قبل الانتصار الهام عام 1975.
سأتحدث عن صحة الطريق التي قادتنا لتأسيس جبهة الناصرة، ومراجعة النفس، وعدم تزييف التاريخ إذا أردنا حقا مواصلة خدمة الشعب !!
بين اوراقي تسجيلات عن احتفال بالذكرى 31 لانتصار جبهة الناصرة الدمقراطية، وانا كأحد الرواد الاوائل، نشاطا وتنظيما واعلاما، من حقي البديهي مراجعة النفس وان أقول كلمة حق (حسب التسجيلات والمقالات التي نشرتها آنذاك)، ولا انتظر دعوة أحد لأقول رأيي الصريح في هذا الحدث التاريخي العظيم في حياة مواطني الناصرة، الذين أسهموا في بناء الجبهة وانتصارها وجعلوا من هذه التجربة السياسية بوصلة لتغيير الواقع الاجتماعي والسياسي في المجتمع العربي داخل اسرائيل.
في اجتماع عقدته جبهة الناصرة عشية الاحتفال بالذكري 31 لانتصار الجبهة، ساهم فيها بالأساس المهندس رامز جرايسي، رئيس بلدية الناصرة آنذاك، الذي قال انه "علينا التأكيد على صحة الطريق ومراجعة النفس وكشف القناع عن كل مزوري تاريخ جبهتنا وشعبنا".
كلام سليم. هل نفذ منه شيء؟
التأكيد على صحة الطريق وعدم تزوير التاريخ كان مجرد جملة عابرة!!
كما ذكرت في مقالاتي السابقة، ساهمت بدوري المتواضع او غير المتواضع في جعل هذا البرنامج السياسي، بناء تحالف جماهيري واسع يوحد كل الفصائل السياسية والاجتماعية في الناصرة من اجل انقاذها من الواقع المأساوي الذي وصلته، اذ كانت مدينة مهملة، متخلفة عن تطوير مرافقها العامة وبناها التحتية، تعاني من نقص رهيب في تطوير المدارس والمراكز الصناعية، المدينة العربية الاولى وعاصمة الجماهير العربية، لكنها مدينة مهملة متسخة الشوارع، مرافقها التجارية يهددها الخراب .. وهي اشبه بالقرية البدائية .. تسودها الفوضى ويسيطر عليها التسيب وضرائب الأرنونة الباهظة رغم غياب الخدمات الأساسية.
من الطبيعي وقتها، ان يقود الحزب الشيوعي، التنظيم السياسي الأقوى والمؤثر الوحيد في الوسط العربي، وفي الناصرة خاصة، هذه المعركة لإخراج الناصرة من المصير الأسود الذي كانت تواجهه.
في تلك الايام العاصفة، كنت سكرتيرا للشبيبة الشيوعية في الناصرة وعضو قيادة الحزب الشيوعي في الناصرة، وتحت قيادة وتوجيه قائد الحزب الشيوعي في الناصرة الرفيق طيب الذكر غسان حبيب .. خضنا شيوعيي الناصرة واصدقاءهم وكل صاحب رؤية سياسية ثاقبة وكل القلقين على واقع الناصرة، معركة صدامية ضد "اللجنة المعينة" في البلدية ومن اجل ان تقر وزارة الداخلية موعدا لانتخاب مجلس بلدي جديد يخرج المدينة من الاهمال المترسب عبر سنوات طويلة ..
صحيح ان الاحتفال المذكور يتحدث عن الانتصار ال 31 للجبهة، ولكن ليسمح لي المهندس، رئيس البلدية الجبهوي آنذاك رامز جرايسي، الذي اعزه وأقدر مساهمته الهامة في وضع خطط التطوير للناصرة وتنفيذها، منذ كان نائبا للرئيس، وقدرته الممتازة في تجاوز الكثير من الأزمات البلدية، ليسمح لي ان اختلف معه حول مسألة هامة غابت عن الانظار.
الموضوع الاهم في مسيرة جبهة الناصرة، ليس انتصارها فقط، انما النجاح بتأسيسها وبنائها ورص صفوف الجماهير في هذا التنظيم السياسي، الاجتماعي والبلدي الرائع. هذا ما حقق النصر .. وبألم أقول ان تفكك هذا التنظيم على كل المستويات، المحلية في الناصرة والقطرية في اوساط الجماهير العربية، هو المأساة السياسية والاجتماعية التي تجعلنا ننظر الى المستقبل بقلق وحزن شديدين بضياع هذا الانجاز التاريخي وتحويله الى وقف على شخص فرد، واحتلال الشخصانية للدور المقرر في التنظيم السياسي، والتصفيق لمن يتربع على القيادة حتى لو قال كلاما مهينا وفظا ضد رفاق وحلفاء الامس. هل واقع الجبهة اليوم، محليا في الناصرة، وقطريا في اسرائيل، يبشر بالتفاؤل السياسي؟ كان الانتصار من اجل تطوير الخدمات في الناصرة. واليوم من الخطأ إقرار المواقف بناء على من هو الرئيس. الناصرة هي الأهم بغض النظر إذا كان رئيس البلدية هو علي سلام او غيره، ان تحويل موضوع الرئاسة الى خلافات وصراعات شخصية لا يخدم الناصرة ولا أهلها.
ان مراجعة النفس والنهج هي ضرورة إذا كانت الجبهة تحترم نفسها ومسؤوليتها حقا، لكني لا ارى هذه المراجعة تتحقق. بل عنجهية واستمرار في المبالغة والانتفاخ الفارغ رغم "قصر ديلك يا أزعر"!!
ان ما حدث لم يكن خطأ عابرا، بل كان نهجا ديكتاتوريا تسلطيا مدمرا .. حوّل النهر الشعبي الجارف الذي عشناه في بداية الطريق والانتصار الكبير عام 1975، الى حلقة بائسة تتآكل باستمرار، وضعها اليوم هو وضع العزلة والتيبس واجترار الشعارات وكسب الأعداء والعداوات.
تعالوا يا رفاقي، أمس وكل يوم، نتصارح.
ماذا بقي من جبهة الناصرة؟
قامت الجبهة بعد نضال جماهيري وميداني لا يعرف التردد او الكلل .. الحزب الشيوعي، الذي قاده غسان حبيب في تلك الايام، خاض نضالا على مدار الساعة .. بدون مبالغة .. هناك ليال لم نعرف فيها النوم ونحن ننتقل من عمل الى آخر، من اجتماع مع مجموعة الى اجتماع مع مجموعة اخرى .. من نقاش حول خطط واساليب عمل يمتد الى اعماق الليالي، الى دراسة متأنية مسؤولة عن ملاءمة برنامج التحالف لكل الاطراف النصراوية وأخذ مصالحها بالاعتبار، الى دراسة جادة حول تشكيل القائمة التي تستطيع اولا كسب الشارع لتحقيق الانتصار .. لم نفكر بمكانتنا ومكاسبنا الشخصية، طرحنا مصلحة الناصرة واهلها وفي سبيل ذلك الغينا حتى انفسنا .. واستعراض الاسماء التي شكلت القائمة الجبهوية الاولى هي أفضل شهادة لما اسجله في شهادتي التاريخية والسياسية هذه.
ساهم الحزب الشيوعي بعقلانية وتصميم عبر نشطائه واصدقائه المجندين، في بناء الاجسام الجبهوية التي شكلت فيما بعد الجسم الجبهوي الموحد الذي عرف باسم "جبهة الناصرة الديمقراطية"، اقيمت رابطة الجامعيين ابناء الناصرة، واقيمت لجنة التجار والحرفيين في الناصرة، واقيمت لجنة الطلاب الجامعيين ابناء الناصرة، عمليا شكلوا سوية مع الحزب الشيوعي تحالفا نصراويا شاملا. عملية اقامة وبناء المؤسسات المشاركة في تأسيس الجبهة في الناصرة، شهدت نهوضا سياسيا وثقافيا جبارا امتد عبر كل الوسط العربي، وحول الناصرة الى ميدان تجربة لما هو جديد وطليعي ... بل والكثيرين من الجامعيين والطلاب من خارج الناصرة تجندوا تلقائيا في التيار السياسي الجارف في الناصرة وبدأوا يقيمون التنظيمات الموازية في بلداتهم استعدادا للسير على طريق الناصرة الجبهوي .. الى جانب قضية البلدية جرى تنشيط الحياة الثقافية في الناصرة، عقدت عشرات الندوات الثقافية، محاكم شعبية طرحت فيها قضايا متنوعة تخص مجتمعنا العربي. أين نحن اليوم من ذلك؟ حتى المسرح الذي كان ناشطا في المركز البلدي (مركز محمود درويش اليوم) بإنتاج مسرحي واسع، ويحضر عروضه الاف المواطنين، جرى شله وحرقت كل ديكوراته .. واضطر مديره المخرج المسرحي القدير صبحي داموني الى مغادرة الناصرة الى فرنسا حزنا ويأسا (ولي عودة لهذا الموضوع)!!
الأكثرية الساحقة جدا من شعب الناصرة التفت حول هذا الإطار الوحدوي الجبار، وكان الانتصار التاريخي الباهر عام 1975علامة فارقة على بداية عصر جديد. وصلت الجبهة الى قيادة بلدية الناصرة، أكبر مدينة عربية في اسرائيل، والعاصمة السياسية للعرب في إسرائيل، ولأول مرة يقام جهاز بلدي لا يتبع أحزاب السلطة.
السؤال المؤلم والاساسي في محاسبة النفس التي دعى اليها المهندس رامز جرايسي في الاحتفال ال 31 لانتصار الجبهة، تتعلق بما حدث بعد عام 1975.
بعد استلام ادارة البلدية بستة اشهر، بدأ التصدع .. وفيما بعد خرجت رابطة الجامعيين من الجبهة .. لا اريد ان اذكر اسماء الحلفاء نواب الرئيس واعضاء البلدية واعضاء قيادة الجبهة الذين ابتعدوا عن الجبهة .. او اسماء الشخصيات الجبهوية من الأكاديميين ورجال الدين الذين هوجموا واهينوا بغير وجه حق. واستمر التفكك .. تفككت، او حلت، لجنة التجار والحرفيين، وتبعثرت رابطة الطلاب الجامعيين، وطرد المرحوم غسان حبيب، الدينامو الذي ساهم بالدور الاساسي في اقامة الجبهة وتنظيم مخيمات العمل التطوعي (الأعراس الوطنية لكل أبناء الشعب الفلسطيني من الجماهير العربية في إسرائيل والمناطق الفلسطينية المحتلة) طرد غسان حبيب بشكل مهين وغير ديموقراطي كان بسبب خلافه على الطريق الذي ساد نهج تفكيك التحالفات التي تشكلت الجبهة على أساسها .. لا اقول ان غسان بلا اخطاء، ولكنها اخطاء شق طريق جديدة عبر التجربة والتصحيح ..
بعد التخلص من غسان حبيب انسحب المئات من الشيوعيين والجبهويين ومن كل فئات السكان .. وتحولت الجبهة الى مجموعة مغلقة .. بلا آفاق سياسية .. وكنت على ثقة ان بقاء ادارتها في البلدية مسألة وقت!!
انا شخصيا لا استطيع ان ابقى على الحياد لأني مرتبط بمصير مدينتي وشعبي .. تنازلت عن الكثير من انتقاداتي، وتجندت، اعلاميا في عدة معارك بلدية مصيرية الى جانب الجبهة .. ومراجعة لأرشيف صحيفة "الاتحاد" (صحيفة الحزب الشيوعي) وصحيفة "الاهالي " (التي عملت فيها كنائب لرئيس التحرير) هي الشهادة الحية للدور الاعلامي الذي لعبته أنا شخصيا في الانتخابات البلدية، قبل ان تبدأ مقاطعتي الغبية. قمت بدور التسويق والدفاع عن الجبهة رغم عدم قبولي للتصرفات التي قادت الى تفكيك هذا الإطار السياسي الجبار.
لماذا انفض الحلفاء الجبهويين بالعشرات والمئات وشكلوا قائمة بديلة (التقدمية) أنجزت نجاحا هاما؟ والأهم ان الخلافات عمقت التباعد والتفكك والخلاف بين أبناء الناصرة.
الا يستحق هذا الامر فحصا دقيقا ومصارحة بالأسباب، نقدها وإعادة رص الصفوف على القاعدة الفكرية والسياسية والتنظيمية التي بنيت الجبهة في الناصرة على أساسها؟
ربما انا شخصيا لا اعرف كل التفاصيل او لا اذكرها بدقتها اليوم .. ولكنها كانت الحد القاطع بين تاريخين. تاريخ الإطار الوحدوي وتاريخ التخلي عن الحلفاء الذين معهم صنعنا اهم صفحات في التاريخ السياسي الحديث لشعبنا ولمدينتنا -مدينة الناصرة بكل ما تحمله من مكانة مركزية للعرب في اسرائيل.
لا بد لي من القول ما هو مؤلم لنا جميعا، ان الانحسار الحاد والمذهل للجبهة كان عقابا طبيعيا من الشعب للجبهة .. التي تحولت اليوم الى جسم غير اساسي ولا يتجاوز الاجسام الاخرى بتأثيره السياسي او الاجتماعي او الثقافي .. ان تحويل الجبهة الى تنظيم لا هم له الا التصفيق للزعيم قتل الجبهة .. ان ما جرى خلال السنوات الثلاثين الماضية، ليس تراجعا، ليس انحرافا، بل للأسف الشديد، هو اغتيال للتجربة الوطنية الدمقراطية الشعبية، الشعب كان هو البطل الحقيقي، وليس القادة، وهنا من الضروري الفهم الكامل والواضح للأدوار التي لعبها جيل المؤسسين وقادة البلدية .. اذا اردنا حقا ان لا نزور التاريخ، لأن تزويره يعني اعداد النعش لهذه التجربة التاريخية الفريدة والعظيمة. هل حقا وصلنا الى هذه النقطة المفصلية؟
هناك ضرورة اليوم، بعد سقوط الجبهة من إدارة بلدية الناصرة، لتلخيص التجربة على أمل ان نرى نهضة جديدة لهذه التجربة .. والاسباب ليست سرا على أحد .. رغم إني اعتقد ان ما اتوقعه هو من باب الاحلام.
ان شعب الناصرة شعب اصيل وطيب، شريف وشهم، ويعاقب من يستحق العقاب ..
ان الشجاعة السياسية تعني اجراء المراجعة للمسيرة باستقامة، إذا كنا حقا نريد مواصلة النضال لخدمة الشعب، وخدمة هذه المدينة التي تستحق كل تضحية وكل عطاء ... وليس فقط الوصول لكرسي رئاسة البلدية.
رئاسة البلدية هي وسيلة وليست هدفا فقط. خسرتم رئاسة البلدية؟ هل جرى بحث جاد للتجربة الجبهوية، سابقا وحاليا؟
يمكن خدمة الناصرة بغض النظر إذا كان رئيس البلدية هو علي سلام او غيره. رئيس جبهوي ليس هو الهدف بل ناصرة يعمل الجميع على تطويرها وخدمة مواطنيها. وهذا للأسف ما نفتقده!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق