سركون بولس عابرٌ بِلا عبور/ الاب يوسف جزراوي

في الذكرى العاشرة على رحيله

أعلمُ يا سركون
أنَّ الموتَ لا يليق بك،
عقد مرّ على رحيلك
لا صوت منك ولا صدى،
لكن مثلك لا يُنسى وأن اختفى عن الانظار.

أعلمُ يا كاهن الكلمة
أنّ الدنيا دارت بك وجار عليك الزمان،
سرت ولم تسترح خيول ترحالك
ربّما لأنك توهمت ستموت حيث ولدت.
يافانوسًا في ليل الذئاب،
هل خلعت حلم الوصول مثل حذاء قديم؟
أم أنك غسلته وجففته على حبال مدن تطوافك.

أعلمُ أنّك حفظت الطريق إلى كركوك
إلى بغداد،
ولكن ما أكثر المتاهات.

أعلمُ أنَّ الإغتراب
كبرق طويل في ليلٍ ممطر
كنت تكرُّ وتفرًّ ولا تستقرُ،
انهكتك المدن التي جبتها
أين استقر بك التطواف؟

أعلمُ أنَّ خمرةَ الغربة جعلتك ثملاً
تهرول دون أن تستدل الدروب،
تقرعُ جميع الأبواب
ولم تعثر على مدينتك،
لعلّك أخطأت الباب!.
أعلمُ أنّك رحلت
وفي قلبك المكلوم ألف حسرة
على حلم عاش مكفنًا.
أعلم أنّ مثلك لمثلي قدوةٌ
كلانا يشعرالغربة غولاً
يمضغنا ثمّ يبصقنا،
العيون نشفت فيها دموع الفرح
والحزن بلغ مبلغه،
لكن القلم شجرة عابرة القارات.

أعلمُ أنّك على شاكلتي
لم تكن بارعًا في التخلص من فقيدة القلب بغداد،
 حُبّها لا زال يعوم في نهر ارواحنا.

 أعلمُ، كم مرّة استنجدت بالسماء
تفتح الذراعين، تغمض العينين وتصرخ
يا رباه :متى ستوسّدني  كركوك صدرها؟
حقًا غريب أمرُ دنيانا،
تمنح وتمنع،
منحتكَ الغربة
ومنعت عنك لقاء كركوك وبغداد!
أعلمُ أنّك وردة قُلعت من حديقتها.
وأعلمُ في قلبك المكلوم حنين،
لكن لا تبالِ
سأكتب على أجنحة النوارس
شوقك لبلاد الرافدين،
وصدى ذلك الانين.

أعلمُ أيها الشّاعر الإنسان،
أنّ الرب القريب من وجدانك
وحده  كان يرى دموع فؤادك
على وطنٍ؛
أطفاله يملؤون مسدساتهم المائيّة
من عيون أمهاتهم الأرامل.
يا عابرًا بِلا عبورٍ،
ألا زلت تنازل الأمواج
 وتجوب الشطآن،
ألا زلت تسير على الرمال
تناجي إنكيدو
تسأل كلكامش ونبؤخذ نصر
عن حنين العراق؟
سركون يا شاعر الوجود،
لقد رحلت كالوميض
تاركًا اعماقنا مُتشحة بالسواد،
ها أنتَ تتوسد السماء،
أخبرني هل وصلت المكان،
هل عثرت على مبتغاك؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق