هدم الكنائس في العصور الاسلامية/ لطيف شاكر

عندما غزا العرب مصر وضع عمر بن الخطاب شروطا تعسفيا  بشأن التضيق علي الاقباط  والزم الحكام بتنفيذها فكانت بمثابة اصل من اصول الشريعة الاسلامية  ووفقا  لروح الدين الاسلامي لحث الاقباط علي اسلمتهم  فامعنت في ظلم الاقباط واضطهادهم في وطنهم ,قد ورد ضمن هذه الشروط موضوع الكنائس ويمكننا توضيح  اثر هذه المعاهدة في كل العصور  وما اتفق عليه مجمل الفقهاء المسلمين فيما يتعلق بهذه المسألة نقلا عن كتاب أحكام أهل الذمة لابن القيم , وقد نفذها  الحكام المسلمين فيما بعد  وعدم مخالفتها    ووضعوا شروطا قاسية لمنع  بناء الكنائس كالشروط العشرة التي وضعها وكيل وزارة الداخلية ورغم انه قرار اداري الا ان السادات حقق هذه الشروط  , علما بأن الخط الهمايوني كانت شروطه ايسر وصدرت  لكل دور العبادة ولكل الاديان في كل بلاد التابعة للخلافة العثمانية .

وتنص الشروط العمرية بالنسبة للكنائس كالاتي:

 أيما مصر فتحه المسلمون فليس لأهل الذمة أن يبنوا فيه كنيسة ولا يضربوا فيه ناقوسا. 

ولا يجدِدوا ما خرِب

ولا يُظهِروا صليباً ولا شيئاً من كتبهم في شيءٍ من طرق المسلمين

ولا يضربوا بالناقوس إلا ضرباً خفيفاً

ولا يرفعوا أصواتهم بالقراءة في كنائسهم في شيء من حضرة المسلمين

ويعني هذا أن كل كنيسة فى مصر والقاهرة والكوفة والبصرة وبغداد ونحوها من الأمصار التى مصرها المسلمون بأرض العنوة فإنه يجب إزالتها إما بالهدم أو غيره بحيث لا يبقى لهم معبد وفى مصر مصره المسلمون بأرض العنوة, وسواء كانت تلك المعابد قديمة قبل الفتح أو محدثة لأن القديم منها يجوز أخذه ويجب عنه المفسدة وقد نهى النبى أن تجتمع قبلتان بأرض, فلا يجوز للمسلمين أن يمكنوا أن يكون بمدائن الإسلام قبلتان .

وأما الكنائس التى بالصعيد وبر الشام ونحوها من أرض العنوة فما كان منها محدثا وجب هدمه وإذا اشتبه المحدث بالقديم وجب هدمهما .

وأما ما كان لهم بصلح قبل الفتح مثل ما فى داخل مدينة دمشق ونحوها فلا يجوز أخذه ما داموا موفين بالعهد إلا بمعاوضة أو طيب أنفسهم.

وحين تظلم النصارى من هدم كنائسهم أفتى ابن تيمية مستندا لمجمل “العلماء” كالآتى: ” الرد على دعوى أن المسلمين ظلموهم بإغلاق كنائسهم: الجواب: الحمد للـه رب العالمين، أما دعواهم أن المسلمين ظلموهم فى إغلاقها فهذا كذب مخالف لأهل العلم. فإن علماء المسلمين من أهل المذاهب الأربعة: مذهب أبى حنيفة، ومالك، والشافعى، وأحمد، وغيرهم من الأئمة، كسفيان الثورى، والأوزاعى، والليث ابن سعد، وغيرهم، ومن قبلهم من الصحابة والتابعين، متفقون على أن الإمام لو هدم كل كنيسة بأرض العنوة كأرض مصر والسواد بالعراق، وبر الشام ونحو ذلك، مجتهدا فى ذلك، ومتبعا فى ذلك لمن يرى ذلك، لم يكن ذلك ظلماً منه، بل تجب طاعته فى ذلك. وإن امتنعوا عن حكم المسلمين لهم، كانوا ناقضين العهد، وحلت بذلك دماؤهم وأموالهم . وخلاصة كلامه أن المسلمين لم يظلموهم لأن خاصتهم رأوا هذا الرأي

واكد ان هذا هو راى الشرع فى بناء الكنائس  وان كل بيت فى بلاد المسلمين يعد للعبادة على غير دين الاسلام فهو بيت كفر وضلال سواء كانت كنيسة او غيرها نافيا ان يكون السماح والرضا بانشاء الكنائس والمعابد الكفرية او تخصيص مكان لها فى اى بلد من بلاد الاسلام انما هو من اشد الاثام ومن اعظم الاعانة على الكفر ومن اعان على الكفر فهو كافر عائذين بالله من ذلك

وقال الامام الحسن البصرى انه  من السنة هدم الكنائس التى فى بلاد المسلمين الحديث منها والقديم ، بالاضافة الي قول الامام ممد بن الحسن صاحب وتلميذ ابى حنيفة قال لا ينبغى ان يترك فى بلاد المسلمين كنيسة او معبد قديم ولا يستحدث فيها جديد وايضا الامام مالك قال اكره ان يترك فى بلاد المسلمين كنيسة قديمة ويجب ان تهدم ولا يبنى جديد ، كاشفا عن الامام الشافعى قال لا يبنوا فى بلا المسلمين كنيسة ولا مجتمعا لصلواتهم ، بالاضافة الي ان الامام احمد بن حنبل قال ليس لليهود ةلا للنصارى ان يبنوا فى بلد من بلاد المسلمين بيعة ولا كنيسة ولا يضربؤا فيها بناقوس ، كما دعي الي قول الامام ابو الحسن الاشعرى قال ارادة الكفر كفر وبناء كنيسة فى بلاد المسلمين يكفر فيها بالله ويعبد فيها غيره كفر

وبقول القاضى تقى الدين السبكى قال بناء الكنائس حرام بالاجماع وكذا ترميمها.

ويقول ساويرس بن المقفع في تاريخه:

من بعد أن ملك عمرو بن العاص مصر بثلاث سنين، ملك المسلمون مدينة الاسكندرية وهدموا سورها وأحرقوا بيعا كثيرة بالنار وبيعة مار مرقص التي هي مبنية على البحر حيث كان جسده موضوعا، أحرقوا هذا الموضع بالنار وما حوله من الديارات.

لذلك فان كثيرا من الأمور التي جرت عليها العادة أصبحت في حكم القانون وصار الناس ينظرون اليها فيما بعد كأنها من أصل الدين ومن أحكام الاسلام. فقال الماوردي مثلا "أنه لا يحق لأهل الذمة أن يتخذوا لأنفسهم كنائس أو بيعا جديدة في دار الاسلام. فاذا بنوا لانفسهم ذلك هدم. ولكن لهم أن يعيدوا بناء ما تهدم من كنائسهم أو بيعهم"

أمر عبد العزيز بن مروان والي مصر (685-705م) بكسر جميع الصلبان التي في كورة مصر حتى صلبان الذهب والفضة ثم كتب عدة رقاع وجعلها على أبواب الكنائس بمصر والريف يقول فيها:

محمد الرسول الكبير الذي لله وعيسى أيضا رسول الله. وأن الله لم يلد ولم يولد" كما أبطل اقامة القداسات أيام البابا سيمون الأول البابا الثاني والأربعين (689-701م) وفي آخر حياة عبد العزيز بن مروان أعطى ابنه الأكبر ويدعى الأصمع (عصبة) نفوذا وسلطانا على كل اقليم مصر وكان الأصمع يبغض النصارى حيث أوفد اثنين من خاصته الى أديرة وادي النطرون وقاما بخصي جميع الرهبان هناك كما أمر الأديرة ألا ترهب أحد وكان الأصمع هو أول من فرض جزية على الرهبان.

وفي سنة 104هـ (714م) أمر الخليفة يزيد بن عبد الملك بكسر الصلبان في كل مكان وبمحو الصور والتماثيل التي في الكنائس وفي جميع بلاد الدولة الاسلامية وكان من نتائج هذه الحركة في مصر أن كسرت التماثيل والصلبان ومحيت الصور ولم تنج من هذه الحركة بعض الآثار الفرعونية من الهدم والتخريب.

وفي أيام الفتنة بين الأمين والمأمون، أعتدى على الأقباط في الاسكندرية وأحرقت مواضيع عديدة لهم كما أحرقت ديارات وادي النطرون. ونهبت فلم يبق من رهبانها الا نفر قليل.

كما شدد على الوالي بأن يحتم على كل من يقيم في البلاد أن يكون على دين محمد مثله ومن لا يريد فليخرج منها تاركا كل ما يملك فهرب كثير من الأقباط ومن لم يتمكن من الهرب وضعت عليه جزية باهظة وانتهز المتعصبون هذه الفرصة وهدموا كنائس كثيرة. ثم تولى حنظلة بن صفوان (في أول ولاية له) فشرع يتمم أمر الخليفة بكسر جميع الصلبان التي في سائر الأماكن ومحو الصور التي في الكنائس وتحويلها الى جوامع

وفي عهد قرة بن شريك (سنة 709)

كان يحتقر عبادة الأقباط ويدخل أحيانا الى كنائسهم ومعه رجال حاشيته ويوقفهم عن الصلاة والذي جاء بعد قرة لم يلبث سوى ثلاثة أشهر خربت فيها أكثر كنائس الاسكندرية وأخذت أعمدتها الرخام والمرمر وباقي أنواع الزينة والزخرفة ووضعت في الجوامع التي لم تكن تزيد الا بقلة الكنائس.

وفي ولاية اسامة بن يزيد (سنة 714م)  

كان كثير الهجوم على الأديرة وهدمها وقتل من بها من الرهبان غير الحاملين للخاتم الحديد الذي فرضه عليهم وأخرب الكثير من البيوت والكنائس.

وفي أيام الفتنة بين الأمين والمأمون، أعتدى على الأقباط في الاسكندرية وأحرقت مواضيع عديدة لهم كما أحرقت ديارات وادي النطرون. ونهبت فلم يبق من رهبانها الا نفر قليل.

كما شدد على الوالي بأن يحتم على كل من يقيم في البلاد أن يكون على دين محمد مثله ومن لا يريد فليخرج منها تاركا كل ما يملك فهرب كثير من الأقباط ومن لم يتمكن من الهرب وضعت عليه جزية باهظة وانتهز المتعصبون هذه الفرصة وهدموا كنائس كثيرة. ثم تولى حنظلة بن صفوان (في أول ولاية له) فشرع يتمم أمر الخليفة بكسر جميع الصلبان التي في سائر الأماكن ومحو الصور التي في الكنائس وتحويلها الى جوامع

وقد أمر المتوكّل أهل الذمّة بتخريب كنائسهم المحدثة.. وأمر بتسوية قبورهم بالأرض، وكتب بذلك إلى سائر الأقاليم والآفاق وكانت مأساة كبري  حيث هدمت الكنائس بعد نهبها .

وفي كتاب اقامة الحجة الباهرة علي هدم كنائس مصر والقاهرة لشيخ الاسلام احمد الدمنهوري في القرن 18 وطبعته جامعة كاليفورنيا عام 1975 الذي يورد اراء فقهاء المذاهب الاربعة بوجوب هدم الكنائس ليس المستحدث منها بل حتي ماكان قائما بها من بيوت العبادة لغير المسلمين وهذا الكتاب يدرس حاليا ضمن مناهج الازهر .

يتبع

الاختلاف بين النّاس.. نِعْمةٌ أمْ نَقْمة؟/ صبحي غندور

ليس النّاس بحاجةٍ إلى تأكيد فوائد الاختلاف في كلّ ما هو قائمٌ على هذه الأرض من بشرٍ وطبيعة ومخلوقات. ويكفي أن يسأل الإنسان نفسه: ماذا لو كان هناك صنفٌ واحدٌ فقط ممّا نأكل أو نشرب أو نرى من طبيعةٍ حولنا؟! ثمّ ماذا لو كان هناك نهارٌ بلا ليل رغم الحاجة القصوى للشمس في حياتنا؟! وكيف سيكون العيش لو كان المطر ينهمر بلا توقّف، أو لو كان الجفاف هو السائد في كلّ الأزمنة والأمكنة؟!.
رغم قناعة عامّة النّاس بما سبق ذكره، ورغم نصوص دينية واضحة عن أهمّية التنوّع والاختلاف فيما خلقه الله، كما قوله تعالى في القرآن الكريم: "وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ" سورة الروم، الآية 22. وكذلك ما ورد في سورة الحجرات، الآية 13: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".. رغم ذلك كلّه، نرى ما يحدث الآن في العالمين الإسلامي والعربي من انتشار لظاهرتيْ التمييز والتعصّب على أسٍ دينية وإثنية، ومن تحويل الاختلاف بالرؤى السياسية إلى خلافاتٍ شخصية بعضها داخل العائلة الواحدة.
لكن للأسف، فإنّ الهوّة سحيقةٌ بين من يقرأون القرآن الكريم وبين من يفقهون ما يقرأون فيه.. ثمّ بين من يسلكون في أعمالهم ما يفقهونه في فكرهم!.
طبعاً لا يخلو أيّ مجتمع، مهما كان حجمه، من مظاهر وعوامل انقسام، مثلما تكمن فيه أيضاً عناصر التوحّد والوئام. إنّهّا سنّة الحياة في الجماعات البشرية، منذ تكوّنها على أشكال تكتّلات عائلية وعشائرية وقبلية، وصولاً إلى ما هي عليه الآن من صورة أممٍ وأوطان. لكن المحطة المهمّة في مسيرة تطوّر الشعوب، هي كيفيّة التعامل مع التنوّع الموجود في هذه المجتمعات ومع تحوّل الاختلافات إلى انقسامات. أي، هل الاختلاف حاصلٌ على قضايا سياسية واجتماعية واقتصادية؟ أمْ هو تبعاً لتعصّب ثقافي/إثني، أو ديني/طائفي، أو قبلي/عشائري؟ فكلّ حالة من تلك الحالات لها سماتها التي تنعكس على الأفراد وعلى المجتمع برمّته.
وحتى لا يبقى الحديث في العموميات، فإنّ المشكلة ليست في مبدأ وجود خلافات وانقسامات داخل المجتمعات والأوطان، بل هي في كيفية انحراف الانقسامات السياسية والاجتماعية إلى مساراتٍ أخرى تُحوّل الاختلاف الصحي السليم في المجتمع إلى حالةٍ مرضية مميتة أحياناً، كما يحدث في الصراعات الإثنية والطائفية والقبلية. فكثيرٌ من المجتمعات الإفريقية شهدت وما تزال حروباً أهلية على أسس طاثفية وإثنية وقبلية. كذلك مرّت القارّة الأوروبية بهذه المرحلة في قرونٍ مختلفة، وكان ما شهده عقد التسعينات من حرب الصرب في يوغسلافيا ومن الأزمة الأيرلندية هو آخر هذه الصراعات، رغم التحوّل الكبير الذي حصل خلال القرن العشرين في أوروبا وفي أنظمتها السياسية.  
أيضاً، رغم الانقلاب الثقافي الذي حدث في أميركا بانتخاب باراك حسين أوباما كأوّل رئيس أميركي من أصول إفريقية، فإنّ الولايات المتّحدة الأميركية استعادت في الانتخابات الرئاسية الأخيرة الكثير من المشاعر العنصرية التي ساهمت بفوز دونالد ترامب. وتزداد مظاهر التفرقة العنصرية في أميركا حتّى الآن بأشكال وأماكن مختلفة رغم ما نصّ عليه الدستور الأميركي من مساواة بين كلّ المواطنين، ورغم وجود نظام سياسي ديمقراطي علماني يؤكّد على مفهوم "المواطنة" وينبذ المسألة العنصرية!.
عوامل الانقسام وحالات الاختلاف ستبقى قائمة في أيِّ مجتمع مهما بلغ هذا المجتمع من تقدّم اجتماعي وسياسي ومن تفوّق علمي وحضاري ومن تطوّر دستوري مدني، لكن المهم ألّا تكون عناصر الانقسام السائدة فيه هي متأزّمة إلى حدٍّ يدفع لحدوث حروبٍ أهلية. فالتعدّدية، والتنوّع بمختلف أشكاله، هي سنّة الخالق الحتمية على هذه الأرض، والطبيعة تؤكّد تلك الحقيقة في كلِّ زمانٍ ومكان. لكن ما هو خيار بشري ومشيئة إنسانية هو كيفيّة التعامل مع هذه "التعدّدية" و"التنوّع" على مستوى الجماعات، وضرورة اعتماد ضوابط للاختلاف على مستوى الأفراد بحيث لا يتحوّل الاختلاف في الرأي على قضايا عامّة، دينية أمْ ثقافية أمْ سياسية، إلى خلافٍ بين الأشخاص المختلفين .
إنّ المجتمعات الديمقراطية المعاصرة قد توصّلت إلى خلاصاتٍ مهمّة يمكن الأخذ بها في أيِّ مكان. وأبرز هذه الخلاصات هي التقنين الدستوري السليم لنظام الحكم ولتركيبة المجتمع ممّا يصون حقوق جميع المواطنين في البلاد بغضّ النّظر عن أصولهم العرقية أو عقائدهم الدينية. فعدم الالتزام بأساليب التغيير الديمقراطية يعني تحويراً للانقسامات السلمية (الناتجة عن التنوّع في المجتمع) نحو مساراتٍ صدامية عنيفة.
وهناك عوامل كثيرة تدفع بعض الناس إلى الانحباس في خنادق فكرية، فيعتقدون أنّهم بذلك يصونون أنفسهم من مخاطر جحافل "الفكر الآخر"، بينما هم  في الواقع يسجنون ما لديهم من فكرٍ ورؤى، فلا "الآخر" يصل إليها أو يتفاعل معها، ولا هم يتطوّرون أو يكسبون فكراً جديداً، بل يبقون على ما هم عليه جامدين متحجّرين.
ومن دون شك، يرى صاحب كل فكر الصوابَ في فكره والخطأ في فكر غيره، لكنْ قليلٌ من الناس والأشخاص المفكّرين من يرى احتمال الخطأ في فكره أو احتمال الإصابة في فكر الآخر. فهذا منطلقٌ مهمّ لإمكان نجاح أي حوار أو تفاعل أو نقاش بين أفكار وآراء مختلفة، ومن دونه، ستسير الأمور في طريقٍ مسدود قد ينتهي عند البعض بالمقاطعة أو بالتخوين أو بالإساءات الشخصية.
وقد لمستُ أهمّية هذه المسألة في ندوات "مركز الحوار العربي" التي تجاوز الآن عددها 1035 ندوة، على مدار 23 سنة، حيث كانت أرضية هذه اللقاءات والندوات (ولا تزال) هي القناعة بوجود تعدّدية فكرية وسط أي جماعة بشرية، حتّى لو كانت هذه الجماعة عائلة واحدة، فكيف إذا كانت شعباً أو أمَّة؟! 
أيضاً، فإنّ التوافق على فهمٍ مشترَك لمعنى أي مصطلح فكري هو المدخل الأهم لأي حوار فكري جاد. هذا الأمر ينطبق حتّى على ما يندرج تحت خصوصياتٍ قائمة داخل الأمَّة الواحدة. فالحلُّ لا يكون برفض المصطلح لمجرّد اختزان خلاصات عن تجارب محدّدة سلبية تحمل تسمية المصطلح نفسه، إذ المشكلة هنا أنّ المصطلحات كلّها تعرّضت إلى تجارب تطبيقية سلبية ومسيئة: في الفكر الإسلامي والفكر القومي والفكر العلماني، كما على صعيد شعارات الحرّية والديمقراطية والوطنية.
ومن غرابة الأمور، أنّ التشويه حدث ولا يزال يحدث في البلاد العربية لمصطلحات فكرية ولمفاهيم كانت هي الأساس في تغيير إيجابي في كثيرٍ من أرجاء الأمَّة العربية، وفي مراحل زمنية مختلفة، بينما تنتعش الآن مفاهيم ومصطلحات أخرى تحمل أبعاداً سلبية في الحاضر وبالمستقبل، إذا ما جرى الركون إليها أو التسليم بها.
إنّ الأمّة العربية تقوم جذورها الدينية والحضارية على التفاعل الذي جرى على أرضها وفي جوارها مع الأديان والحضارات الأخرى المختلفة، بينما لا يفعل ذلك معظم العرب. فالأمّة العربية هي مهبط كلّ الرّسُل والرّسالات، وفيها ظهرت قبل الإسلام حضاراتٌ كثيرة. كذلك في الدين الإسلامي دعوةٌ صريحة للتّعارف بين الشعوب ولعدم التفريق بين الرّسُل والأنبياء. فهي أمَّة عربية مجبولة على التعدّدية وعلى حقّ وجود الآخر، وتقوم روحياً على تعدّد الرّسُل والرّسالات، وتقوم ديموغرافياً على تعدّد الأجناس والأعراق والألوان، وحضارياً على تجارب وآثار أهم الحضارات الإنسانية، بينما يسود واقع الأمَّة العربية الآن حال التخلّف والتفرقة والفئوية والتعصّب وتحويل ما هو نِعمة للعرب إلى نقمة عليهم!. 

يُونُس/ يسرية سلامة


يا ذا النون عُذرًا.. 
استعجلتُ أمري فكان في التأخيرِ بعضُ الجزاء
ظللتُ أحسبُ الساعات بين حاضر ومستـقبل آت
فهمتُ رحلتك فانتابتني ضحكة ندم بطعم البـكاء
وضعـتُ آمالى على نار الغفلة  مع طول الرجـاء
قلبتُ مع عقارب الساعة في استعجال واسترخاء 
صاحبني جهلي عام بعد عامِ إلى أن أذن بما شاء 
 الأمسُ والغد الليل والنهار بأمـرهِ كل لديك سـواء
تأدبتَ بالمعجزاتِ إلى أن أسعدت الأرض باللقاء
يا ابن متى
 نُسبت إلى أمك وعيسى بن مريم البتول
عليكما السـلام من السـلامِ الحى القـــيوم
أُرسلت في نينوى إلى مائةِ ألفٍ أو يزيدون
استعـجلت علـيهم وأســأت باللهِ الظُـنون
فذهــــبتَ مُغاضـبًا إلى قــدرك الـمحـتوم
اسـتهم أهل السفينة ثلاث وأنت المقصود
أُلقيت في اليم وكنت من المُدحضين
فالتقـــمك الحـُــــــوت وأنت مُلــيم
سبحان من أمره بين الكاف والنون
أمر الحوت:
 ألا يخدش لك لحمًا ولا يُهشم لك عظمًا
أنت ليس له رزقًا لكن بطنه لك سجنًا
شق بك البحار حتى وصل إلى قاع القرار
سمعت تسبيح الدواب  حتى حصى البحار
ظننت موتًا ثم أدركت حياة:
حين بدأت رجلاك بالحراك سجدت في إنكسار
في ظلمات ثلاث قلت للمولى :
سجدتُ لك في موضع لم يبلغه أحد من العالمين
 لا إله الا أنت سبـحانك إني كـنتُ من الظالمـين
مكثتَ  تسبح في بطن الحـوت إلى اليوم الأربعـين 
نبذك بالعراء وأنت سقيم بأمر من أحكم الحاكمين
ولولا أن كُنتَ من المُسبحين
 للبثت في بطن الحوت إلى يوم الدين
أنبت الله على رأسك  شجرة من يقطين
استظللت بها وكنتَ لثمرها من الآكلين
نجاك الله من الغم كذلك يُنجي المؤمنين
وعُدت إلى قومك فوجدتُهم كلهم مؤمنين 
ثمرة المعرفة هي:
 إقبالك على الله طوعًا في زمرة المحبين
فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت 
أدخل بها حظيرة الحقيـقة حكمة لا تموت

كيف ننشئ إرهاباً ؟/ د. عادل محمد عايش الأسطل

(المخرّبون الفلسطينيون)، مصطلح سياسي، أُطلقه الإسرائيليون بعمومهم، ساسة وعسكريين وإعلاميين، على الفدائيين الفلسطينيين الذين يقومون بتنفيذ عمليات نضالية مسلحة، ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي ومصالحه، وسواء كانت في الداخل أو الخارج، باعتبارها أعمالاً تخريبية بحتة، ولا تمت للسلام بصلة، وتستوجب توقيع أقصى العقوبات بحقّهم، في الوقت الذي يشعر أولئك الفدائيين وقادتهم، بأنهم يشعرون بالفخر بقيامهم بتأديتها، باعتبارها نضالات مشروعة، وهي مستمرة حتى هزيمة الاحتلال وجلائه عن الأرض.

المصطلح السابق انتهى تماماً، ولم يعُد موجوداً داخل الأفواه الإسرائيلية الآن، بسبب استبداله وتغطيته بمصطلح أكبر حجماً وأوسع صدىً، وهو }الإرهابيون الفلسطينيون {، كونه مصطلحاً بات محط ألسنة العالم ككل، بسبب استمراره في تلقّي المُقاساة تلو المقاساة، من وجوده كفكر، فضلاً عن الأفعال الدموية والتدميرية الناتجة عنه.

على أي حال، ونحن لسنا بصدد الدفاع عن أي حديث أو فعل، تنتج عنه أعمال خارجة عن الدين والأخلاق وأدب المعاملة، بل نشعر بالخجل وبالأسى إزاءها، ولكن فقط للبحث عن ماهية ذلك الإرهاب (ككل)، وأسباب وجوده وتعاظمه، وللتذكير، فإن من يرغب في صنع علاقة جيّدة مع الآخرين، أو محو شائبة فيما بينه وبينهم، يتوجب عليه المزيد من العطاء والصبر معاً، بينما من كانت العداوة إحدى غرائزه، ويريد خلق الأعداء، فإن ذلك يتحقق في لحظة واحدة.

 لا شك، فإن الإرهاب، وتحت أي أعمال أو أنشطة، وسواء كانت تخريبّية أو دمويّة أو تحريضيّة ونحو ذلكم، هو ساد الدول والحضارات منذ الأزل، وهو لن ينتهي أيضاً، بسبب أن ممارسته مشروعة، لدى التابعين له والقائمين عليه، باعتباره لم يتكون لديهم هكذا، ولكن بسبب كبير، يستوجب التصدّي به، ومن خلاله، للوصول إلى الغاية المطلوبة، وسواء كان بدوافع الأمور الدينيّة أو القومية، أو العنصرية، أو التسلط وعدم التسامح وغيرها من الأمور.

على المستوى الخارجي، وفي ضوء غطرسة الدول الكبرى، واستخفافها بحريات الشعوب، وابتزازها لثرواتهم، وفرضها سياستها وثقافتها وتعاليمها عليهم، فهي كفيلة بخلق شعورٍ باهظٍ بالغضب، ومن ثمّ يتكون الإرهاب ضدها، حتى في حال رضيت أنظمة الدول المهدوفة التي يخرج منها.

فالولايات المتحدة -على سبيل المثال- هي على استعدادٍ تام لإنشاء إرهاب، حتى ولو لم يكن موجوداً، وهي لا تخجل من أن لا تدّخر جهداً، لأن تكون مصدراً لتسليحه ودعمه بالأموال، وذلك تنفيذاً لرغبتها المتعالية، وتبعاً لمصالحها المختلفة، والتي تضمن بقاءها على التلّة، والكل من تحتها، وبخاصةً الدول التي تناهض سياستها.
وإذا تفحّصنا الأمر على المستوى الداخلي، لوجدنا أن الأنظمة – ليس كلها- ضالعة في صناعة الإرهاب، والتي في النهاية تعلن الحرب عليه ومن غير هوادة، فخاصةً وأن من بينها من ترغب في إدارة الحكم، بطريق فرض القوة بالحديد والنار، والتسلط بغير قانون، أو تقوم بالإمعان في التمييز بين مواطنيها، وسواء كان بخصوص العرق أو اللون أو المذهب.

إذاً، فما الذي يمكن أن تتوقعه الولايات المتحدة، إزاء سياستها على النطاق الخارجي، التي يشهد عليها الكل، بأنها ليست عادلة ولا أخلاقية أيضاً. كذلك، وما الذي يمكن أن تتوقعه الأنظمة القمعية والتسلطية ضد مواطنيها، بعدما وجدوا أنفسهم لديها، على درجة أقل من البشر؟ ناهيكم عن مسألة المسّ بعقائدهم وشرائعهم الدينية، والتي يفوق الغضب لها، عن الذي يمسّ الحرية والعدالة والاقتصاد والسياسة وغيرها من الأمور.

إلى حد الآن، فإن الحرب الكونيّة ضد الإرهاب، وسواء الناتجة عن الدولة الواحدة، أو ضمن اتحاد عصبة من الدول، لم تكن ناجحة بصورة قاطعة في يوم ما، وذلك بسبب أن هذه الحرب، لا تركز على جذور المشكلة، فهناك حيل كثيرة يمكن تسويتها سياسياً، ومن ناحية أخرى فإن الحرب المُعلنة، هي لعبة غير موثوقٍ بها.

صفقتان مصيريتان/ موسى مرعي

 في الحقيقة هناك مؤشرات واضحة إلى وجود ثلاث صفقات: الصفقة السورية، والصفقة الفلسطينية، والصفقة الخليجية. وقد إرتأينا التركيز على الصفقتين الأوليين لأنهما تتقاطعان في مفاصل عدة، ولأنهما دخلتا حيز التنفيذ العملي أو على الأقل هما على وشك الإنخراط في خطوات التمهيد للتسوية. في حين أن الصفقة الثالثة ما تزال في مراحلها الأولى المعقدة ولم تنضج بعد، على رغم نيرانها المستعرة عسكرياً في اليمن، والمحتدمة سياسياً بين السعودية وإيران، والمتوترة ديبلوماسياً واقتصادياً بين قطر والدول الخليجية التي تقاطع الدوحة. يضاف إلى ذلك عدم بروز طرف دولي فاعل يأخذ زمام المبادرة في معالجة أزمات الخلي.

الصفقات الثلاث، في حال إقرارها والالتزام بترتيباتها، المقصود منها إعادة إنشاء نظام إقليمي جديد في الهلال السوري الخصيب والعالم العربي بعد سنوات على “ربيع عربي” قلب الأوضاع رأساً على عقب، ودمّر البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في عدد من الدول. وهذا يعني أن المجتمعات والمنظمات الأهلية في تلك الدول أنهكت واستنزفت بما يتيح لقوى خارجية تنال مشاريع المثيرة للجدل، وبحد أدنى من الاعتراضات المحلية.

نعود إلى الصفقتين السورية والفلسطينية اللتين وصفناهما بالمصيريتين لأن ما قد ينتج عنهما سيحدد بالفعل مستقبل الهلال السوري الخصيب على مدى عقود عدة. وهما تتقاطعان في ملفات لا يمكن فصل أي واحد منها عن الآخر، علماً بأن إدارة الصفقة الأولى بيد روسيا في حين تحتكر الولايات المتحدة الأميركية إدارة الصفقة الثانية. والطرفان مجبران على التنسيق لأن المجال السوري القومي لا يسمح بعزل الملفات أو بترها بطريقة عشوائية متسرعة. ونعتقد بأن التفاهم موجود بين موسكو وواشنطن، ولو على مستوى المبدئيات العامة.

في البداية، دعونا نكشح عن أعيننا دخان الأحداث المتسارعة من لقاءات وزيارات ومؤتمرات واستقالات ومناوشات ومعارك وفرض شروط… إلخ. فكل ما نراه اليوم هو من مستلزمات تجهيز الأرضية المناسبة لطرح بنود الصفقة أولاً، ومن ثم إقناع الأطراف المحلية بها أو إرغامها عليها. وكنا في مقال سابق قد تحدثنا عن دخول الأزمة السورية مرحلتي التفكيك والفرز تمهيداً للحسم. وقد أظهرت القيادة الروسية خلال الأيام القليلة الماضية ما ينبيء بأن اجتماعات الآستانة وجنيف وسوتشي ستحمل تباشير الحسم الذي هو شرط مسبق لإنجاز الصفقة السورية.

ومن غير المعقول أن تمضي روسيا قدماً في هذا المشروع الضخم من دون توافق إقليمي ودولي، خصوصاً من قِبل الولايات المتحدة الأميركية الموجودة ميدانياً في سوريا والعراق. ويجب أن نبقي في أذهاننا الوقائع المستجدة على الأرض خلال سنوات الأزمة، وأهمها سقوط حدود سايكس ـ بيكو التي صمدت مائة سنة تقريباً، وتورط العديد من دول الإقليم في الساحة السورية القومية. وهذا يعني أن واشنطن ستكون الغائب الحاضر في كل المؤتمرات المخصصة لصياغة الصفقة السورية العتيدة.

وهذا ما ينقلنا إلى الصفقة الفلسطينية التي تديرها واشنطن حتى هذه اللحظة، بل ويحتكرها أشخاص محددون من أقرباء الرئيس الأميركي دونالد ترامب. ومع أنه لم يصدر رسمياً أي توضيح لطبيعة هذه الصفقة التي وُصفت بـ”صفقة القرن”، فإن التسريبات الإعلامية الموثوقة إجمالاً تكشف لنا عن صيغة حل لا يرقى بأي شكل من الأشكال إلى الحد الأدنى من ثوابت العمل الوطني الفلسطيني. والمعضلة العويصة في هذه الصفقة الغامضة أنها تؤثر مباشرة على دول أخرى. ولا بأس هنا من إعادة التذكير بمؤتمر مدريد للسلام سنة 1991 الذي حاول إيجاد تسوية “عربية ـ إسرائيلية” شاملة في حين كانت قناة سرية في أوسلو تخطط لحل “فلسطيني ـ إسرائيلي” منفرد. وقد أثبتت السنوات أن الفصل بين المسارات لم يؤدِ إلى أية نتيجة نظراً إلى الترابط العضوي بين الملفات القومية. وأبرز مثال على ذلك خطة توطين “اللاجئين الفلسطينيين” في أماكن تواجدهم الحالية، مع كل ما يعنيه ذلك من تضعضع للتوازنات السكانية في  مجتمعات فيسفسائية متنافرة.

لسنا نعرف على وجه الدقة مدى اطلاع موسكو على بنود “صفقة القرن” الفلسطينية، وما إذا كانت القيادة الروسية تنسّق مع المفاوضين الأميركيين على غرار التنسيق القائم حالياً بين الطرفين، ولو بصورة جزئية، بشأن “الصفقة السورية”. غير أنه يحق لنا التحسب لهذه المسألة الخطرة جداً على المصير السوري القومي. إذ من غير المعقول فرض نوع من الفصل التعسفي بين الصفقتين اللتين تتناولان، بشكل أو بآخر، قضية واحدة هي قضية الوطن السوري بكل كياناته. وهذا ما يدفعنا إلى الاعتقاد بأن الصفقتين السورية والفلسطينية متناغمتان على المدى البعيد، وأن هناك تفاهماً غير معلن بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية على أن تطلق يد الأولى في الحل السوري مقابل حرية الثانية في الحل الفلسطيني. وفي مثل هذه الحالة، سيكون 
الثمن الذي يدفعه شعبنا السوري باهظاً للغاية
الحزب السوري القومي الاجتماعي 
مفوضية سيدني المستقلة موسى مرعي

رحلة الغربة في حروف إمرأة تشرينية الولادة/ كريم القاسم

 مَـلـحـوظـة /
ـــــــــــــــــــــ
( من يعشق الادب يتحمل الاطناب والإطالة ، فدراسة نقدية بعنوان ( رحلة ) لابد ان تستغرق زمناً ضمن فضاءات متنوعة لاشباع المتلقي بالفائدة .... ونشرها على شكل اجزاء او حلقات قد تجعل ذاكرة المتلقي يعتريها شيء من النسيان ، لذا فقراءة المقال بضخة واحدة يجعل الافكار مترابطة ويعمم الفائدة اكثر ... احترامي وتقديري )
ــــ الغربة تعني البعد والنوى ، ومَن منا لايعيش غربة في ذاته ، او غربة بين سطوره وبين اروقة حروفه وثنايا نصوصه ، او غربة زمان ومكان ، فمرة غربة تخفيها السطور ومرة غربة تصرخ تحاول التحليق او العبور.
الغربة والاغتراب اجنحة قد حلَّقتْ في فضاءات كثير من شعراء العرب القدماء ، فما ان يتغير منزله أو يسمو في فكرهِ ويكثر حاسدوه حتى تتباين رؤاه تجاه محيطه الخارجي ليبدأ رحلة اغتراب تثقل وتخف حسب مدركات وقوة شخصية المتعاطي معها .
وقد اهتم بهذه الظاهرة الكثير من الفلاسفة قديما وحديثاً وعلماء النفس والتربويين ، حتى تشعبتْ فروعها وتنوعت نتائجها بتنوع أسبابها وتنوع وسائل التعامل معها .
تتنوع طرق ترجمة الذات والبوح باسرارها بتنوع الذائقة والاداة ، وقد يترجم الفنان والمبدع هذا الشعور بما يجيده من فنٍّ ، فقد رسم البارعون اجمل اللوحات العالمية تحت هذا العنوان ، ومنهم الرسام (إدوارد هوبر ) الذي ترجمت لوحاته شعور الغربة والاغتراب ، والفنان الصيني (واي منغ) الذي جسد بلوحاته لحظات الاغتراب في مراحل الطفولة في بلده . وهكذا الموسيقيون وغيرهم من الفنانين .
الكثير من االافراد يود ان يطرح مايعتريه من شجون وما يحمله من ذكريات على شكل نتاج ادبي بعنوان جنس ادبي معين وحسب مايجيده صاحبه من ابداع . فالبعض يترجم حاله على شكل قصائد ان كان شاعراً أو رواية وخواطر ان كان يجيد النثر والقصة والرواية والذي لايملك الموهبة نجده يستعين بكاتب ومؤلف ليضع ذكرياته بين دفتي كتاب . 
واجمل مافي الشاعر هو تطويع هذا الشعور وابرازه بصور شعرية غاية في الروعة والابداع . وتتباين هذه الصور مع تباين الثقافات المتنوعة للشعراء ، حتى كتبَ في ذلك المتنبي وابن زريق وابو فراس الحمداني واحمد شوقي وشعراء المهجر وبدر شاكر السياب وغيرهم الكثير ، فنظموا بذلك اجمل القصائد واحلاها .
ومن خلال متابعتي لكتابات وقصائد الشاعرة اللبنانية الدكتورة (هدلا القصار) وجدت ان كتاباتها عبارة عن نزيف متدفق لذكريات لاتنفك عن ذاتها ، وابرز ملامحها هي الغربة ، وسابحر في هذا المحيط مستنداً بعلامات دلالية سأخضعها للوصف والتحليل في كثير من نصوصها ، وليس القصد هو سبر الغور الشخصي للشاعرة بقدر ما هو نتاج ومحطات نقدية لهذا اللون (الغربة) في الادب العربي المعاصر .
من هذه السطور المتقدمة ننطلق للمشاركة في محطات رحلة الاغتراب في نصوص الشاعرة الرائدة هدلا القصار .
ــ لعلي ساتحسس زاوية شخصية مؤلمة ، او ذاكرة كالبركان الذي لاتُخمَد ناره ، وهذا ليس من مبتكرات قلم ناقد ، إنما حقيقة أجدها متجسدة في كتابات الشاعرة رغم تغليفها بأغلفة رمزية زاهية اللفظ والتي تجيدها كاتبتنا أيَّما إجادة ، كونها قلم من ذوي المداد الرائع والرائق والمتميز، ولها نكهتها الخاصة والتي اجدها لاتكتب الا بوجود حافز ذاتي أوقَدْحٍ للمَلَكَة التأليفية.
ــ اجد هذه الرحلة تحتاج الى قراءة استكشافية لمراحل وعتبات تختفي تحت لسان صاحبة الشأن وهي من الصعوبة بمكان بحيث تجعل المحلل امام خيارات صعبة ، فالنتائج التي تأتي بفضاءات سلبية لايمكن ان تكون عنصر جذب للمتلقي ، لذا فالعناية والتأني والقراءة الخاضعة الى الضوابط والذوق والادب النقدي ستأتي بكل مايفيد لعكس عالم الغربة وما يحويه من جمال الصوره الادبية التي طرَّزَتها نصوص الشاعرة هدلا القصار .
ــ من خلال تفحصنا للنصوص وجدنا الشاعرة قد نثرت علامات دلالة لرحلة ( الغربة ) بين الكثير من قصائدها ، وهذه العلامات والدلائل لم تكن متواجدة في نصٍّ واحد بذاته ، انما هي إرهاصات شاعرة توزعت في نصوصها هنا وهناك ، فهي محطات ممتدة على طول طريق الرحلة ، وبأزمان واوقات مختلفة ، حاولنا الوصول اليها ، وفتح ابوابها ، لمشاركة القافلة في هذه الرحلة ، ولنثبت مفرداتها بما يفيد المتلقي كونها محطات جديرة بالدراسة والعرض ، لاكتنازها بخواطر صادقة ، وعنفوان ادبي ، ومفردات سلسلة رشيقة ، ورمزية دالة .
ــ الشاعرة تستعمل اسلوب الاستفهام في كثير من العتبات . ورغم تنوع المقاصد البلاغية في الاستفهام ، لكن القصد هنا تَمحوَرَ في بؤرة واحدة وهي البحث عن جواب يرضي ذاتها وليزيد قناعتها في التصديق ، وهي لاتخفي شعورها هذا ، فقد رافقتها الغربة في رحلة طويلة تبدأ من خطوات الطفولة وحتى خطوات الثبات الحالية المثقلة بالمسؤولية والكد والتعب ، والتي تتخللها ارهاصات متنوعة ومتشابكة بين عشق وطن ، وآهات ، وآلام قلب وجسد ، وغربة ذات ، والتي صوَرَتها بأنها رحلة مستمرة مازالت تستطلع الافق لرؤية علامات عالم جديد .
ــ استخدمت الشاعرة اسلوب الخطاب بضمير المتكلم في أكثر قصائدها ، وهذه ميزة معظم قصائدها في هذه الدراسة وهي دليل قوي على اثبات وجودها ساعة الخطاب .
ــ سنلازم هذه الرحلة الطويلة بطريقة السفر الموازي لنقل الحدث وصفاً وتحليلاً ، فالعالم الانثوي ميال الى الوصف والتوصيف والتحليل . وستكون توقفاتنا النقدية في محطات متنوعة (زمانية ومكانية ونفسية وعاطفية) .
(الـتـعـريـف الـشـخـصـي)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يبدو ان كاتبتنا تشرينية الولادة ، فلنسمع صرختها في احدى قصائدها الرائعة :
" تَخرجُ امرأَةُ تشرين عن نصوصِ الأسئلة
حين تجدُ الدِّفْءَ في كتاباتِها
كصهواتِ الغيمِ
تَصرخُ في عتمةِ البوحِ
تَحفرُ بين هسِيسِ أَصَابعِها
قبْرَ ميلادِها "
ــ كم جميل هذا المَجاز (تَحفرُ بين هسِيسِ أَصَابعِها قبْرَ ميلادِها ) و(الهسيس) هو الكلام الخفي الغير مفهوم ، حيث اجادت الشاعرة في وصف ما ستكتبه اناملها من قصيد ، فهي ستبدأ في البوح منذ يوم ولادتها التشريني والذي شَـبَّهته بالقبر ، ومن منا لايعيش في قبر ولادته الدنيوي ؟؟ .... وهنا اول محطة بوح ذاتية :
" إمرأةٌ
تَسْألُ
تُعاتِبُ
تُخاصِمُ أَحْزانَها "
ــ انها (تسأل وتعاتب وتخاصم) احزانها . هنا اسقطتْ الشاعرة هذه الالفاظ على مساحة البوح والتي تعكس حالة الصراع الذاتي الكبير فهي لاتكتفي بالسؤال فقط انما هناك عتاب وملامة وخصام وجدال ونزاع ، انها ثورة داخليه افرزتها غربة الجسد والروح ، وهذه المحطة التعريفية لمسيرة الغربة ، ستكون منارة كشف واستكشاف لما سيأتي من مشاعر اغتراب .
(بـدايـة الـحـكـايـة) 
ــــــــــــــــــــــــــــــ
امامنا كلمات قد رُصِفَتْ بعناية ودراية ، رصفتها الشاعرة (هدلا القصار) لتفتح لنا صناديق الذاكرة بعد ان صورَتْ غربتها بـ (الموت) حسب ماجاء على لسان القاضي الشاخص في بعض نصوصها . وقد استعملت لفظة (القاضي) للدلالة على القدر ، وهذا التصوير البليغ الاشارة لرحلة الاغتراب الطويلة وبكل تصنيفاتها وتفرعاتها جعلتْ منها دائرة حديث بينها وبين القاضي ، هذه الدائرة ستلقي بضلالها على كل ما سيأتي من تحليل واقتناص للشواهد والدلالات ، والمقطع التالي الماثل امامنا لهو خير معين ، كونه يحمل مفاتيح المغاليق الكثيرة المتناثرة على اشطر قصائدها ، فهي قد اعترفتْ وهي تسرد حكاية الرحلة فتقول : (كنتٌ تائهة) ، وورود الفعل الماضي الناقص (كنتُ) دليل على ثبوت الذكرى في الماضي ، ثم الاعتراف بالهزيمة نتيجة فقدان الحبل السري بينها وبين رحم الوطن ، حتى وصل بها الحال ان تصبح جثة هامدة وسط ارض لاتنتمي اليها ، وهل بعد هذا الاغتراب من حال ؟؟ 
فلنقرأ اعترافاتها التى اخرجتها من صندوق ذاكرتها : 
" كنتُ تائهةً !!
هَزمَني الشعورُ وانفرطَ حبلُ المكانِ الآمنِ "
القاضي يقول :
" لنرى بأي زاويةِ سندفنُ جثتَك ِالمغتربة! "
ــ الشعور بالغربة لابد ان يبدأ من لحظةٍ ما ، وراكبها ينتظر لحظة الرسو عند ميناء الوطن . الكاتبة تجد في نفسها قوة البوح منذ ولادتها ، وهذا الوصف فيه عمق كبير يهز وجدان القلم ، كونه يكتنز ألم مكتوم سينفجر ذات يوم على شكل قصائد رائعة ، وهذا مانجده شاخصاً في احدى قصائدها فتقول :
" امرأَةُ تشرينِ !
في التاسعةِ والعشرينِ من مِيلادِها 
تُسرجُ جيادَها في الصحارى
تسبحُ برغبةِ قولِ الحقيقة
و كلَّما نشدَ البنفسجُ نشوتَه "
(الـحـنـيـن)
ـــــــــــــــــــ
قرارات العودة وقطع صلة الهجرة لاتأتي جزافاً ، بل ان اول وشيجة تهز كيان الفرد هي (الحنين) والحنين هو صوت ونداء المشتاق ، وهذا الصوت لايصدر جهراً بل أنيناً مصدره الفؤاد ، فاذا ظهرتْ زفرته فكأنما خَلعَتْ معها كل الشراسيف . ولشدة هذا الحنين جعَلتهُ الشاعرة عنوانا لإحدى قصائدها ( حنين الى لبنان) وجاءت بلفظة الحنين نكرة للتكثير والتفخيم . فهي لاتلبث ان تُشبِّه نفسها مرة اخرى بـ (الطير المهاجر) حين تهزّها الذكريات ، والاهتزاز هو الحركة المصاحبة للقوة ، وهو من اجود اللفظ المناسب لهكذا شجون وإرهاصات :
" تهزّني خواطرُ الذكريات
يجتاحُني شعورٌ كحنينِ الطيورِ لأوطانِها "
ــ وفي قصيدة أخرى تخبرنا صراحة بالحنين الى الوطن : 
" أتاني الحنينُ والشوقُ لبيروتَ "
ــ ويبدو ان هنالك وطن شريك تصرّح به :
" وسااااعاتٍ لأقطعَ الشوقَ بينَ بيروتَ وغزةَ
يوماً.. لأصدّقَ أنني بين الأهلِ "
ــ في الاشطر التالية تبدأ الشاعرة بوصف هذا الحنين مستخدمة الفاظاً ومفردات تناسب هذا الفضاء الذكرياتي الكبير( غادرتُ ، اغترابي ، معاناة ، مخبأة ، شقاء ، أتلاشى ، هذياني ، جنون ، موحشة ) هذه المفردات كفيلة بانزياح كبير للوجدان ليفيض بالشجن الجارف قي اودية الحنين . فهي تتذكر لحظات مغادرتها سواحل لبنان ونجوم وكواكب سمائه المتلألئة وكيف تتفجر داخلها براكين المعاناة المخبأة داخل حدود إغترابها ، وقد وصفت اغترابها بـ (النهر) للدلالة على استمرارية جريان هذه اللآلام كما في قولها :
" منذ أنْ غادرْتُ ساحِلَكَ وكوكبَ أُمسياتِك
أَجلسُ كلَّ يومٍ أُذّرِرُ نهرَ اغترابي
داخلَ حدودِ ملعبي
لأُفجرَ معاناتي المخبأةَ 
أتهيأُ للشقاءِ المتدرجِ
تنهالُ أظافرُ هذياني
أتلاشى لِلَحظاتٍ الجنونْ 
وبريشةٍ موحشةٍ أُدَوِّنُ كلماتي "
(إعــتــراف)
ــــــــــــــــــــ
في قصيدة (النبتة البرية) تبدا الشاعرة بفتح مياسمها ، وتطلق اثيرها على شكل مقذوفات رمزية فتصف نفسها بـ (الطير المهاجر) وهذه العبارة دليل واف على ان كاتبة النص قد عاشت الغربة في دارين وعالمين مختلفين ، فالطير المهاجر لايحط رحاله الا في ربوع ديار اخرى بعد كَـدٍّ وتعبٍ ومشقة ، وهذه المشقة تأطرتْ بعبارة ( امتدتْ الأرضُ ) وكما نقرأ الاتي :
" كالطائرِ المهاجرِ لحِقتُ بأوراقِ الأشجارِ المتطايرِة
هربتْ مني كالرياحِ.... امتدتْ الأرضُ وهدأتْ "
(قــرار الــرحــلــة)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من خلال دراستي لمفردات نصوصها وجدتُ علامات قرار فيها نوع من الحيرة ، فالقرار ليس سهلاً وخاصة عندما يكون القرار وحيداً بلا معاون او ناصح او دليل ، فهل نتصور حال قافلة بلا دليل ؟؟؟ ، فهي تقول :
" أنا أفكرُ
أنا وحدي أفكرُ "
ــ نجد في المقطع التالي امامنا (لو) تصدرت بداية المقطع ، وهذا النسج لايمكن أن يأتي لمجرد اشباع رغبة تأليفية ، او رصف حروف وكلمات عابرة للتنزه في عالم القصيد ، فكل ماموجود يدل صريحاً بأن هذا الخاطر وهذا السبك هو خلجات وشجون رسمته (هدلا القصار) بصورة شعرية بديعة وهو دلالة وجدانية حقيقية وصراع ذات لايمكن التملص منه . وحرف (لو) يفيد ويستعمل في الامتناع أو في غير الإمكان .... لنقرأ الآتي :
" لو فكرتُ بالسفرِ ماذا أحتاجُ؟
أحتاجُ شهراً لتفتحَ بوابةُ غزةَ
أحتاج يوماً لأصدقَ نفسي
أحتاج يوماً لأحضِّرَ الشنطةَ
أحتاج يوماً لأشتريَ البهجةَ.
يوماً لأشحذَ البسمةَ
ويوماً لألملمَ الشوقَ
ويوماً لأصلَ المَعْبرَ "
ــ وبعد هذه الاحتياجات التي تصارعها ، نجد الشاعرة قد أدركت صعوبة هذه الرحلة واحتمالات الضياع ، فقالت :
" ويوماً لأقطعَ الصحراءَ
ويوماً لأتوهَ في أرضِ مصر "
(الـحـيـرةُ والـتـردد )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ 
هذه المحطة من اهم محطات الصراع الذاتي ، لانها محطة فارقة ، لايفيد الندم بعدها ، فالقرار هو القرار ، لذا نجد الشاعرة يصيبها نوع من التردد ، فهل تكتفي بالارتحال والسفر والخلاص من الغربة عن طريق رسم الكلمات على القراطيس والورق ؟؟؟ وهل تكتفي بأمتطاء صهوة القلم لتسقيه بمداد الذاكرة وتقطع فيافي العمر للوصول الى ربوع الوطن بزمن لايتعدى لحظات تحرك الانامل على الورق لاغير ودون اجتياز حدود السرير او المنضدة ؟؟؟ او لتجعل هذا الوجد والشوق عبارة عن رسالة بريدية لاتتجاوز رحلتها زمن رحلة حقيبة ساعي البريد لاغير؟؟؟ 
وهل يُشبِع ذلك ظمأ الروح وجوع الجوارح والجسد ؟؟؟ 
هذه الحيرة والظنون سكبتها الشاعرة بصراحة صارخة في التالي :
" تُرى؟!!
لو استبدلتُ السفرَ بالورقِ؟؟؟
ماذا أحتاجُ؟
أحتاج شهراً لتصلَ رسالتي إلى الوطنِ "
(الــــحــلـــم )
ــــــــــــــــــــــ
كانت لحظة احتضان جسد الوطن هي كالحلم لدى (هدلا القصار) فالفضاء سحيق والبحر عميق واليابسة في عالم العدم ، حتى كاد اليأس يقتلها وخافت ان يسبق الموت ذلك الحلم :
" بعد أن أضعُ أحزاني بينَ السطورِ
لتبتسمَ في اللحنِ شكوى
وتصبحَ ككلماتِ الطيرِ
يَخُطُّها برفرفةِ ريشهِ
أُسرعُ .. وأُسرعُ...
قبلَ أنْ يسبقنيَ الموتُ
لا أدري مَنْ مِنَّا سيصمدُ أكثرْ
نحــنُ أمْ الحُلُـــمُ ؟ "
(الـتـهـيـوء لـلـرحـلـة)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يبدو ان هذه الغربة قد صَقلتْ شخصية الكاتبة لتجعل منها انسانة تضع لنفسها منهاجا خاصا بها ، وقوانيناً تحكم ذاتها لتبدأ في شد الرحال لمثل هذه الرحلة القاسية ، فاختارت لنفسها قانون تعبيد الطرق الوعرة كي تستطيع قافلتها قطع الفلوات باليسر والسهولة ، ولتسرح جيادها في ارض الله الواسعة ، وقد استعارت آلة التعبيد بما يناسب الشاعر فاختارت (مناجاة القرنفل ) فياله من اختيار موفق ، لتحصد به متاعب السنين .
إذاً هي زراعة ضمنية ، وتذليل العقبات امام الذات ، وهذا من اروع علاجات الازمة ، واكثر اطواق النجاة متانة للعبور الى شواطيء القوة والامان : 
" تُسرجُ جيادَها في الصحارى
تسبحُ برغبةِ قولِ الحقيقة
و كلَّما نشدَ البنفسجُ نشوتَه
تمسِّدُ الطرقات بمناجاةِ القرنفلِ
كلما طوقُتها تعرجاتُ السنين "
(الـثـقـة بـالـنـفـس)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هذه الرحلة لابد لها من قيادة لزمام الدابة بثقة وثبات وسيطرة تامة على عِنان لجامها ، حتى وإن حفرت السنون معالمها على الجسد ، فالرحلة لاتتحمل الاخطاء ، ولاتسمح للاجساد والعقول المنهكة من المشاركة في القافلة ، فجاءت الكاتبة بأجمل سيلٍ من الكلمات ، وقد اعجبتي هذه الاستعارة الرائعة :
" سأسيطرُ على القصيدةِ 
حتى لو وضعتِ السنونُ على رأسي قبعةَ الشيبِ "
( الـــذكــريـــات)
ــــــــــــــــــــــــــــ
والهجرة ليستْ بالقرار الهيّن والسهل ، فآلام الهجرة لايتحسسها الا من يكابدها ، بل ويبقى في دوامة وتجاذبات وارهاصات ، وتتمثل هذه التجاذبات في (المكان والزمان وكل الذكريات ) وهذا ما صورته الشاعرة ( هدلا ) في هذه الاشطر :
" سمعتُ لحـناً قـديمـاً من خلفِ التاريخِ يناديني
سمعتُ لحـناً جـديـداً يذكرُني بطفولةٍ تاهتْ
سمعتُ لحـناً بعيـداً يصرخُ ... اِرجعْي هنا !!
سمعتُ لحـناً من خيوطِ الـذاكـرةِ يتأرجحُ "
ــ وفي موضع آخر تصرخ الشاعرة بقوة وبصهيل يشق الفضاء ، فتقول :
" ضــاقَ الهمسُ فـي صـدري
هربْتُ مِنْ كَتِفِ الجدرانِ "
ــ وهل بعد هذا الكلام كلام ؟؟؟ لاأعتقد هناك وضوح أكثر من ذلك .
(الاعــلان عـن مـوعـد الـرحـلـة) 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تتجسد الغربة في قصائد الشاعرة بعدة صور وثيمات غاية في الابداع . فهي شبَّهتْ انطلاق رحلتها بـ (الصراخ) الروحي ، والصراخ لايحدث الا طلباً للاستغاثة عند المرور في مراحل الخوف . واي خوف ؟؟؟ 
الخوف من المجهول عند انفصال الروح عن الوطن . والوطن كالجسد الاكبر الذي يحتظن بداخله ارواح الانسانية جمعاء . ولشدة امتزاج الغربة مع الذات نجدها تقول :
" إمرأة 
تنطلقُ كصراخ الأرواح بلا وطن "
ــ مما تقدَّم يجعلنا امام سؤال : هل نتصور روحاً بلا جسد أو وطن ؟؟
لاشك انها صرخة مدوية رهيبة تحمل بين اوتارها قصة لرحلة عنيفة عميقة واعية .
الشاعرة (هدلا) تؤمن بأن (الكلام أولاً والقصيدة فيما بعد) فهي ترفض قوانين الشعر التي تمتزج بالكذب التصويري ــ كما تقول ــ والذي يأتي مقامه بالدرجة الثانية في معتقدها الوجداني ، وللكلام الصدارة في مزاجها وصرخة ذاتها ، فالكلام هو المفردة والعبارة المسؤولة التي ينطق بها اللسان قبل القلم ، فلنقرأ رؤيتها :
" الكلام أولاً ... والقصيدةُ فيما بعد
ما معنى الشِّعرُ يُكتبُ 
وَهُو لا يقبلُ الكذبَ ولا يصدِّقُ الحقيقة ؟
كيف أطرقُ أبوابَ القصيدةِ 
وطبيبُ الشِّعرِ يَضَعُ قانوناً للكتابةِ !؟
ويقول بالكذبِ تتجمَّلُ الكلماتْ ؟!
العاقلُ منا يفكِّرُ ويكتبُ 
ليكسر صُورَ الحزنِ بالحقيقةِ 
نفسي لا ترضى بمكانِها 
ولا ترضى أن تكتبَ الشعرَ وحدَها
ماذا أفعل ؟ "
(بــوصــلــة الاتــجــاهــات)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرحلة تحتاج الى بوصلة وتحديد الاتجاه الصحيح ، وبدونها يكون الضياع والهلاك . بدأت الشاعرة رحلتها بسؤال ( ماذا افعل ؟ ) واي طريق سأسلك ؟؟ وامامها مفترقات كثيرة قد تنتهي بمحطات مجهولة ، فلابد من تحكيم العقل وهو ميزان العاقل ، لذلك نجدها قد اختارت سلوك طريق تريده هي ، وستطلق الكلمات التي تخدش الصمت بــ (أظافر الكلمات) لتحرك اسباب الاختيار ولتكون الحَكَم ، لان الغربة هي ذكريات متشرنقة بين الماضي والحاضر وبين ما سيأتي به المستقبل المجهول :
" ماذا أفعل؟
هنا رمتني العواصفُ والسنونُ
ولم تعنيني الصداقةُ وحدَها
ولم تتركْني للتفكيرِ وحدي
إذَن سأسلك الطريقَ الذي أريدُ
وأُطلقُ الكلماتِ تَحكُمُ بين الخيالِ والحقيقةِ
هنا كلماتٌ لها أظافرٌ تدخلُ صمتَ الأفكارِ 
وهناكَ كأن الحياةَ ليستْ سِوى حبلٍ يَشدُّنا لِلْوراءِ والأمام "
( احــتــمــالات الازمــة)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه المحطة الاحتمالية ، هي قمة الابتعاد عن معالم الحقيقة واليقين ، ومادامت قد وصلتْ الى هذه المحطة ، فلابد ان تتنوع الخيارات ، لذا فهي صورتْ هذه الخيارات والاحتمالات المتنوعة باجمل صورها وباسلوبٍ سلسٍ واقعيّ . وفلسفة الاحتمالية لاتقود الى اليقين بتاتاً .
إذاً شاعرتنا في محطةِ تخبّط في القرار، وتَـيّـهٍ جارف ، وتَشَّوِش في رؤية العلامات الدالة . فقد جاءت الالفاظ ( احتمال ، قلق ، أتوه ، لاافطَم ، أقاطع ) لتدل على سمك الغشاوة وزوغان البصر ، فثقل الغربة لابد ان يفرز هذه المعطيات ، وهذا الثقل النفسي قد انعكس في خطابها وخاصة في الشطر الثاني من النص التالي عندما استخدمت لفظة (القلق) ، وهي تعترف بأن القلق ، هو عنوان الغرباء ، ولنقرأ هذه الاحتمالات :
" احتمال
أغمزُ نفسي بشهواتِ الانتظارِ
أو ... أرتبُ وصْفاتِ القلقِ كالغرباءِ "
" واحتماال 
تنتهي صلاحياتُ جوازَ سفري 
و أ تـــوه
احتمالٌ 
أصلُ الحدودِ ... وأعودُ "
" واحتماااالٌ 
يملأُ فمي أربعونَ ضرساً 
ولا أُفطَمُ من حليبِ الوطن "
" واحتمالٌ 
أقاطعُ نشراتِ الأخبارِ كلِّها 
وألاحقُ تجذُّري في الأرضِ"
ــ في الاحتمالات الاتية أدركت الشاعرة إن ادراك الحقيقة وسط هذه الاحتمالات وعشوائية القرار والاضطراب المتفاقم لايمكن لقافلتها ان تحطّ الرحال بجنائن الحقيقة ، لان محطة الحقيقة واليقين هي عين الثبات والصواب ، وتناثر الالفاظ ( الخمسين ، استسلامي ، اغمض ، سنموت ونحيا ، عنكبوت ، نسرٍ عارٍ) بين متن النص ، هو خير دليل على هذا التشوش والاضطراب ، ولشدة ضغط الاحتمالات على الذات جَعلتْ حتى الحقيقة هي ضمن إحتمالاتها الاستسلامية ، وكما نقرأ في الاتي :
" واحتمااالٌ
أبقى كحقيقةٍ أزليةٍ غيرَ قابلةٍ للفناءِ"
" وفي الخمسين 
احتمالٌ أنْ أغْمضَ إرادتي 
وأُعلنَ استسلامي "
" ذات نـــــــومٍ!!
سنموتُ ونحيا كالعنكبوتِ فوقَ الذكرى
بإشاراتٍ تمضي من نافذةِ العين وتبكي
وذات ليـلــــةٍ !!
سألملم ريشَا لأصحو على نسرٍ عارٍ ."
ــ وكم اعجبني هذا المَجاز في هذا الشطر (سألملم ريشَا لأصحو على نسرٍ عارٍ) وهذا تصوير بالغ الروعة والابداع ، يصور حالة اليأس والخيبة والقنوط .
(الــهــذيــان وغـربــة وطــن) 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ان غربة الاوطان هي من أشد حالات الاغتراب التي تعصف بالكيان الانساني . فبعد النمو والالفة والتعايش والاندماج النفسي والحضاري والاجتماعي والفلسفي في بقعةٍ ما ، نجد من الصعوبة ان تقلع النبتة لتغرسها في ارض اخرى وبمناخات اجتماعية ومادية وفلسفية مختلفة ، بحيث تجعل الكيان مُجبراً على التعايش والاندماج الالزامي ، وهذا ما يجعل النفس يعتريها العزوف في بعض الفضاءات الزمنية والمكانية . 
ــ الشاعرة تصارعها افكار كثيرة جعلتها تعيش حالة تخاطب ذاتي اسمته (الهذيان) وهو الاختلاط والاضطراب المؤقت للوعي ، وما ان ينتهي هذا العصف حتى يرجع العقل البشري لجادته الاولى ، ولنقرأ شيء مقتطف من هذا الهذيان : 
" أيّتُها الروحَ 
أَطلِقِيني 
وأَطلِقِي هذياني "
" وأنقلُ خُطواتي
من عاصفةٍ إلى أُخرى
لأَلمعُ فوقَ رقعةِ الأرض
حين ينتابني ألماً 
أُسميهِ
الوطنَ في الجحود "
(مــخــاطــبــة الــوجــدان)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من غير الممكن ان يبقى الانسان بين كونين (أكون أو لاأكون) وهذا السؤال التعجبي تضعه هدلا القصار امام كيانها المغترب :
" فكيف أكونُ أو لا أكونْ ! ؟ "
ــ السؤال المتقدم لم يأتِ من فراغ ، بل من تداعيات كثيرة تجمعتْ في وجدانها ، فهي تبدأ بلفظة (هنا) وتقصد أرض الاغتراب ، فتقول :
" هنا لا السماءُ خيمتي
ولا الشوارعُ وطني
ولا الكواكبُ عائلتي
وليس الزمانُ مَأْمَنِي
ولا الشواطئُ مَرْفَأي
هذه الأرضُ ما زالتْ تجهلُ نيراني "
ــ وبعد فقدان الخيمة والعائلة والمأمن والمرفأ في عالم الغربة تأتي بالشطر الاخير (هذه الأرضُ ما زالتْ تجهلُ نيراني) والنيران لابد انها عاطفة جياشة تجيش بها ذاتها ، وسنرصد احداثياتها في الآتي من محطات الرحلة .
( الــعــاطــفــة)
ـــــــــــــــــــــــــــ
هنا محطة جديدة من محطات الغربة التي تعيشها الشاعرة ، فبعد المحطات السابقة ، نجد هنا محطة غربة نفسية عاطفية عاصفة نازفة ، وهذا ماوجدتُهُ في نزفها التالي عندما خاطَبتْ الرياح الاتية من شرق لبنان للبحث عنها ولترسل لها ابتسامة لعلها تريح حزنها كي لاتتجاوز (حدود سريرها) أو (تتجول كالمهاجرين في الوطن السري) . وهذا السبك فيه دلالة على إن موطن الاغتراب هو غرب لبنان مادامت تخاطب رياح الشرق : 
" بين حروفِكِ الفينيقيةِ 
اِبْحثي عن غيابي
ومع رياحِ الشرقِ أَرسلي لي ابتساماتِكِ
حتى لا أتجاوزَ حدودَ سريري
لا تتركيني أتجوَّلُ كالمهاجرينَ في الوطنِ السِّرِّي "
ــ والشاعرة تعيش حالة رعب وخوف من الاستسلام امام هذه العواصف ، فهي تناشد لبنان أن لا تتنصَلَ عنها : 
" لا تتركيني أستسلمُ لضَياعِي "
(دفــع الــضــريــبــة)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خلال هذه الرحلة وجراحات الغربة ، وهذه المحطة العُمْرية الزمنية لابد للسنين ان تمرُّ بها ، والعمر يبدأ بالرحيل رويداً رويداً الى عالم مجهول ، وأشد العوالم قسوة هو عالم تقدم العمر ، وخاصة اذا لم تتحقق كل الاحلام بعد ، والشاعرة صريحة الى الحد الذي لاتعتبره سراً لاتصرح به كعادات الاناث من البشر ، فهيَّ قد جَهَّـزَتْ لرحلتها كل عناصر النجاح والامان وحملت معها كل الملفات السرية والعلنية :
" قبل أنْ تبدأَ علاماتُ الشيخوخةِ
وأعزفُ على أوتارِ غُربتي
أَرْقصُ على طبولِ أَحْلامي "
(إعـــتـــذار)
ـــــــــــــــــــ
ضمن زحف الزمان على مائدة العمر لابد من مراجعة الذات ومراجعة كل الحسابات مع كل خرائط العاطفة ، والشاعرة في احدى قصائدها قَدمتْ اعتذاراً لشرائح اجتماعية معينة ضمن لغز زماني موزَع حسب تنوع الطقس فابتدأتْ اعتذارها لـ (المحب القديم والجديد) في شهر كانون الثاني وهو موسم البرد : 
" في كانونِ الثاني سنةٌ . . . .
قدمْتُ اعتذاري للمحبِّ القديمِ ... الجديدِ
كما قدمتُ اعتذاري للمنزلِ الذي تركتُهُ
وللجيرانِ الذين حَرَمْتُهُم مُراقَبتي "
ــ ثم تُقدم الشاعرة اعتذاراً آخر في شهرنيسان وهو شهر الربيع لـ (المجاملين ولمفردات ذاتية تخصها هي) :
" وفي شـهرِ نيسـانَ
قدمتُ اعتذاري للمعجبينِ... والمجاملين
وللشوارعَ التي فقدتْ بعضَ آثاري
لِحُوَّاراتِ البحرِ الخرساءِ،
ولن أنسى صخورَ إرادتي كالمدِّ والجَزْرِ
للمرأةِ المنسيةِ
وسخونةِ الطمأنينةِ
وقُصاصاتِ شعري
واللعبِ بِحَصَواتِ الأرضِ
ومن الدائنِ والسارقِ "
ــ ثم اعتذار آخر في موسم الحر في شهري حزيران وآب لـ ( لقلبها الذي يعاني من آلام عضوية ) مع شيء من علامات اليأس النفسي واغتراب الروح :
" في شهرِ حزيران
اعتذرتُ مِنْ دقاتِ قلبي السريعةِ
ومِنْ أوْردَتي المحقونةِ بالمهدئاتِ
والدموعِ الملونةِ بالغباءِ
ومِنْ زيارةِ قبري
ودعواتِ الأرواحِ
كما اعتذرتُ مِنَ الزهورِ التي اشتريتُها لنفسي
فـي شـهرِ آبٍ
اعتذرتُ مِنَ الأسئلةِ المُخَبَّأةِ
والخواطرِ المدفونةِ
ومِنَ الأمواجِ التي كَسَّرَتْها الصدماتُ
واليومَ أعتذرُ مِنْ كلماتي 
التي تَوَّهَتْ قصيدتي "
ــ هذه الاعتذارات المقتطفة من احدى قصائدها انما تأتي لتجعلنا امام محطة نفسية ، قد عاشتها الشاعرة لتنقلها الى مرحلة جديدة ستختلف مفرداتها عمَّا سَبَق . فهي أرادتْ بها تطهير الذات ولتجعلها اكثر نقاءً ولمعاناً ، فأمامها مشوار طويل يحتاج الى رعاية وصبر وشروع.
(الاســتــدراك )
ــــــــــــــــــــــــــ
لابد للعواصف ان تهب في الصحارى والقفار ، فرحلة طويلة على ارض إرتدَتْ لباس الرمال لابد ان تكون عواصفها شديدة الاغبرار، وستنعدم فيها الرؤيا لبعض الوقت ، وقد تختفي علامات الطريق .
في هذه المحطة لاتلبثْ الشاعرة ان تستدرك حالها لتصوِّر سبب البعد حيث رمزتْ لها بـ (الرياح) وهي دلالة على قوة الدفع ، فالرياح هي القوة التي تحمل معها كل شيء وتعصف بكل شيء ، وهي عنوان قوة غير مُسَيطر عليها ، وهذه المعطيات لابد ان تجعل الفرد امام خيارين ، اما الانقلاع والاجتثاث من الجذور، وأما الثبات والرسوخ ، وفي الاحتمال الثاني يكون عنده صقل شخصية الفرد فيجعل منه جذرا عميقا ينحني مع الريح ولاينكسر وهكذا هي (النبتة البرية) .... ولنقرأ هذه الاشطر الصارخة :
" لكنّ الرياحَ أبعدتني
وَلَمْ أَعُدْ أرى وجوداً لوطني
حتـى أصبحتُ بريةَ النبتةِ "
(الـتـحـدي ومـخـاطـبـة الـمـوت) 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يبدو ان الغربة قد بدأ دائها يتودد الى جوارح الشاعرة ليصيب منها مقتلا ، ومن خلال الحوار الاتي نجد هناك محطة عرضية قد تنهي الرحلة بغير المتوقع ، فقد وردت مفردات (الموت ، تحطيم ، إفساد ) وتكررت لفظة الموت في هذا المقطع أربع مرات ، وهذا التكرار وتلك المعاني هي علامات دالة على النزوع الى انعطافة غير صحية عنيفة ، مما حدا بها ان تبدأ بتحدي المرض والتخاطب الذاتي باستخدام علاجها السابق ، فهي قد تعودت على التعايش مع هكذا منعطفات ، حتى نجد استخدامها المتكرر لفعل الامر (كُف) وكأن الخطاب بدأ بقوة اللفظ لشدة وطئة المرض عليها ، واقتراب نبضات القلب من التوقف عن العزف ، ولعزوفها عن الامتثال لاعراضه المميته ، ترجمتْ حالها بما يأتي :
" كُف أيُّها الموتُ عن دوراتِ فلكي
كُف عن تحطيمِ زجاج ِرغباتي
ومداعبةِ خواطِري
أجّل الموتَ الذي يتبعُني "
" كُفَّ أيُّها الموتُ عن إفسادِ أسواري 
وملاحقةِ آثاري
اذهبْ واحتملْ الموتَ بعيداً "
(الــســــــراب)
ــــــــــــــــــــــــ
لابد ان تتأزم الذات بعض الشيء عند توارد الخواطر المخيفة أو تتشوش الرؤيا أحياناً لتجعل الفرد يحس بنوع من هجرة الذات ، لذا نجد الشاعرة في قصيدتها (سؤال اليوم) ازدحمت مخيلتها بالاسئلة ، وكأنها بدأت تنظر الى السراب الخادع ، فكثرة السؤال إنما يوحي الى الحيرة في اتخاذ القرار ، لذا فقد تغيرتْ معاني الفاظها بعض الشيء وبدأ نهر النزف يحفر اخاديداً جديدة وباتجاهات اخرى . فمثلا تقول :
" كالمهرةِ العرجاءِ، أمارسُ اليومَ أسئلتي
قبلَ أنْ أسهرَ على دمعةِ غُربتي "
ــ هنا رسمت الصورة باحداثيات لغوية جديدة ( عرجاء ، أسهر ، دمعة ، غربتي ) كلها تدل على تقاطعات وجدانية لتحدد منطقة المسارات الجديدة ولإتخاذ القرار المحدد الثابت.
ـــ ولنستكشف الآن هذه المنطقة الوجدانية كي نضع علامات دالة للمسير ، ومن هذه العلامات :
• كثرة الأسئلة عن خواطر محددة لديها /
*******************************
1- البحث عن الكذب خلال مرحلة زمنية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" أفتحُ بابَ مخيلتي
كان السؤالُ ؟ عن كذبةِ اليومِ
الأمسِ والغدِ "
2- النهج الايماني
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
" عن الملحدِ والمؤمنِ
ونهجِ الصلاةِ " 
3- ارهاصات العالم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وضعفِ العالمِ
وفصولِهِ المبرمجةِ
ومعجزاتِ الصمتِ "
4- اليأس والاحباط
ـــــــــــــــــــــــــــــ
" وعن هويتي المحتضِرَة
عن المنفى
والبقاءِ المرممْ ؟ "
5- الموت وفضاءات منتهية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" كـــان السؤالُ؟ عن تحولِ الأصدقاءِ
وعن ما وراءِ كوارثِ البشرِ
انهيارُ الأشياءِ .. واللعبُ بالسياسةِ
وغش الطفلِ في الامتحاناتِ
تبريرُ القتلِ
وفضحُ الخفايا
زجاجةُ السُمِّ المفتوحةِ
وانتشارُ الأقنعةُ المخبأةُ بالمودةِ
وفاتورةُ الموتِ ... التي تنتظرُ الجميع "
6- جمرة عشق مكنونة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" كان السؤالُ؟ عن أسرارِ الفراشِ المتعددةِ المواعيدِ
وطوفانِ الحبِّ فوقَ بضعةِ ليراتٍ
ومرونةِ المحبينَ "
7- أتون الغربة والاغتراب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" كما كــــان السؤالُ؟
لماذا أبكي على عالمٍ مسعورٍ؟
داخلَ مدينةٍ تكشفُ عَنْ ساقيها
وغدٍ سوفَ تكشفُ عن فخذيها
وربما ستكشفُ يوماً عن عورتِها
ولماذا أبحثُ عن وطني وأهربُ للبقاء!؟ "
8- الاحباط واليأس
ــــــــــــــــــــــــــــ
" فحينَ حاولتُ الإجابةَ على أسئلةِ اليومِ
توقفَ القلمُ عن طاعتي ... "
(الادراك)
ـــــــــــــــــــ
لاتلبث (هدلا القصار) في النهاية أن تنتبه لحالها ولمحاولة ترميم ماتهشم من جدار الذات نتيجة هذا النزف الجارف في اودية الاغتراب لتعترف بشطر جميل :
" ليصبحَ السؤالُ! كِذْبةً أرمِمُ فيها بقائي "
(الـــــصـــــــراع)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هنا تعترف شاعرتنا اعترافاً صريحاً بأنها تحاول البقاء على عناصر الذات القوية كي لا تُشَـل عن المسير ، فهي مازالت (مهرة عرجاء) ، وخاصة عندما أتت بلفظة (أرَمِمُ) وهي محطة ترضية خواطر ومحاولة اصلاح للخروج من هذا الاحباط المعنوي .
ــ وكعادة الشعراء ، فهم الاكثر توجساً وتحسساً عند اقتناص العقل لِـلَـقـطَةٍ مؤثرة من شريط الحياة المستمر في العرض ، فكيف اذا كانت الاقتناص هو فيلم كامل وباجزاء لاتنتهي ، عندها لابد ان تكون الشاعرة ذلك الطرف الذي تتفاعل معه رغم جراح الغربة ، لأن عدم معرفة نهاية الفيلم هو الاغتراب بعينه ، ويبدو ان شاعرتنا تراقب من نافذة كوخ غربتها مايجري في الوطن وماجاوره :
" مِنْ بحورِ الشِّعْرِ ...
أُطِلُّ على مفارقاتِ اليابسةِ
أتأملُ رموزَ السماءِ
وشرعيةَ القتلِ والفساد "
ــ ثم تستأذن الشاعرة ذاتها بعبارة واضحة جليَّة ، فهي تخاطبها :
" فهل يحقُّ لي أنْ أتكلمَ ؟ "
ــ هذا الاستئذان يوضح مقدار وحجم انشغال بالها وخاطرها بحيثيات الغربة وبواطن الاغتراب ، حتى لم يبقَ حَيَز غير مشغول او مسكون بخاطرةٍ او شجنٍ ، وقدَّمت تسائلها هذا لذاتها ، عَـلَّها تجد فسحة احتياط لوجدٍ جديد ؟
لذا فهي تطرح خيارات استفهاماتها المبطنة بالايحاء ، كي لاتجعل للذات فرصة للرفض :
" وهل يجبُ أنْ أدوِّنَ كلماتي بالحبرِ السِرِّي؟
هل أخافُ على قلمي أنْ تخدشَهُ العباراتُ؟
أمْ أصمتُ وأغشُّ داخلَ مُعجمٍ من العبواتِ؟
أأصمتُ وأتركُ حروفي مبللةً بالخوفِ؟ "
(الـــتــصــويــريــة)
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبعد الموافقة والاستعداد للخوض في هذه الارهاصات الجديدة المتزامنة مع غربتها بدأت ترسم صورها الشعرية لهذه الاحداث ، نقتطف منها الآتي :
" أأتكلمُ عن تضخُّم تضاريسُ الفكرِ؟
داخلَ مدينةٍ حاصَرَتها الظروفُ
وحجبتْ عنها نجومَ الأُفقِ "
" أأتكلمُ عَن سنةٍ فتلتْ عضلاتِها
داخلَ حروبِ لا تكفُّ نيرانُها "
" أأغمضُ عينايَ عن صيفٍ لا يشبهُ إخوانَهُ
وصهيلٌ لا يشبهُ صوتَ العربِ؟ "
" أأبكي على مدينةٍ لاحقتها أمراضُ ذنوبِها
وأصبحتْ كشبكةٍ دونَ حبالٍ؟
تُلاحقُ الصمتَ بالهزيمةِ "
(مــخــاطــبــة الــــذات)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن الملكة الشعرية للشاعرة تجبرها على تدوين هذا الشعور وهذا الالم الذي شَبَّهته لشدة الوجد والفراق بـ (الجنون) وقد استخدمت المَجاز الجميل لوصف عملية التذكر بـ ( أظافر هذياني) وهذه العبارة تدل على الذكريات التي لاتخلو من الجراح والخدوش ، ومع ذلك فهي ترسم ذكرياتها بـ (ريشة موحشة) وهذا وصف دقيق لما آلت اليها النفس في الغربة والعيش في عوالم الاغتراب :
" أتهيأُ للشقاءِ المتدرجِ
تنهالُ أظافرُ هذياني
أتلاشى لِلَحظاتٍ الجنونْ
وبريشةٍ موحشةٍ أُدَوِّنُ كلمات "
ــ يبدو ان هدلا القصار لم يهدأ لها بال او يسكن لها خاطر ، فما زالت لبنان عنوان قصائدها ، وبوابة عشقها ، وحتى حين تحاول الفرار من التفكير او الاختباء عنه في زاوية ما ، فمازال هو الباحث المستمر عنها ، ليحيلها الى نار من الذكريات ، وقد صَوَرَتْ هذه اللحظات باجمل وصف وحتى اعقبتها بعلامة تعجب لهذا البحث :
" يبحثُ عَنِّي تفكيري ! "
(الاعــــيــــــــــــاء)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم تصل الشاعرة الى مرحلة الاعياء ، والارهاق والتعب الشديد ، ففصول الفيلم غير واضحة المعالم كغربتها ، وقد بدأ الجسد يسير في طريق موحشة ، واصبحت كل السبل غير واضحة المعالم ، فختمتْ هذه المعاناة باعتراف آخر :
" وننامُ على طرحِ الســـؤالِ
ونصحو على اللاّ... جواب!
ونعيشُ بين أسلحةٍ تحملُ ألفَ حقدٍ... وعتاب "
ــ مَنْ لم يَعِش الغربة لايمكن له ان يتحسس مفرداتها او أن يتخيل لحظات الهجرة الذاتية التي تنتاب صاحبها بل ولايمكن ان يفهم مايجري مهما بلغت التوصيفات والشرح والاسهاب ، فالمفردات الزمنية للغربة لاتشابه مفردات الزمن الاعتيادي ، وحتى المكان تتغير زواياه واقطاره رغم ثبات حيزه ، فهي عالم يقود الى الثورة والجنون إن لم يستطع الفرد تدريب ذاته ، ويضع منهجاً مدروساً للتغلب عليها . 
ــ الشاعرة (هدلا) قد قررتْ فيما سبق ان تكون نبتة برية ، عميقة الجذور صعبة الاقتلاع تبحث عن الماء وأن شفَّ ، وترصد كل مايؤدي الى ينابيع الحياة لتغوص جذورها في تخوم الارض ولتصبح اكثر ثباتا ورسوخاً رغم حالات الاحباط التي جعلت منها مهرة عرجاء بعد ان كانت مهرة جَموح . لكن من نبتتْ وأورقَتْ وثَبتتْ في بداية الازمة لابد لها من إكمال مشوارها لتزهر وتثمر رغم قساوة الظروف والمعطيات ، ولابد للجرح أن يندمل ، ولابد للكسر أن ينجبر ، وهي المهرة الجموح ، فبدأت بخطوة شجاعة جديدة وهي :
• اشراك الذات بذات أخرى /
*************************
ان لحظات الاغتراب كالاعصار تضرب كل جوارح الجسد وذرات الروح ويبقى عنصر الثقة شبه معدوم مع الكائنات الاخرى ، لذا لابد من معايشة الذات لكائنٍ ما ولو كان مستتراً ، او شخصية من عالم الخيال يُجسِّدها الحرف بابهى حلّة ، كي يشغل الخاطر ويمنع الذات من الانهيار ، وهذا السلوك من اهم عناصر العيش في مثل هذه الظروف والتي يوصي بها علماء النفس ، وهو نوع من الاسلحة المناعية التي تُدرَّس للجيوش المتطورة عندما يمر المقاتل في ظروف والأسر والإغتراب المفروضة لسببٍ ما .
ــ بدأت شاعرتنا بمخاطبة شخص وقلدتّه وسام (الصديق) إن كان شخصه المرسوم في القصيدة من عالم الحقيقة او من عالم اللاحقيقة ، فهو عنصر يخاطب الذات للوصول الى نوع من التوطن والأنس والسكن ، لذا اخذتْ تخاطبه بحرية مطلقة وبلا خوف أو وَجَل ، فالمخاطَب في اية قصيدة يُعتبَر عنصر أمان وثقة مادام محكوماً بقوانين حروفها ، لذلك جعلتْ قصيدتها تحمل اسم (ثرثرة) فلنتابع هذه المفردات :
" اذهبْ يا صديقي .. اذهبْ
أو تمهلْ ... "
ــ إن وجود لفظة (اذهب ، تَمهَّل) يدل على الحيرة والتردد ، وهنا سَبَكتْ الشاعرة قصيدتها بذكاء حين استعملت حوار التخاطب بالاسئلة ، فمثل هكذا حوار مباشر مع شخص لابد ان يبدأ بسؤال او أسئلة ، لذلك نجد الحوار التالي مع الصديق يحمل بصمة الحوار الاستفهامي :
" مَنْ مِنَّا ولِدَ قَبْلاَ ؟ "
" ماذا بالنسبةِ للقلمِ؟
هل نحن أفرغنا حِبْرَهُ؟ "
ــ وهذا التصوير يذكرني بقصة الرجل (روبنسن كروزو) الذي قذفه البحر الى جزيرة مجهولة بعد تحطم السفينة ، وخوفاً على ذاته ونفسه من الاغتراب والوحشة ، اخذ يخاطب نفسه ، وأسكَنَ معه (ببغاء) ليعيش حالة تخاطبية معها ، وهو من العلاجات الناجحة لمثل هذه الظروف .
(الاصــــــــــــرار)
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
كل الادوات التي رافقت (هدلا القصار) في رحلتها الطويلة ، استطاعت الشاعرة ان تنجح في استعمالها وتوظيفها بما يلائم ذاتها والظرف الذي تعيشه ، حتى اصبحت قادرة على الاصرار والتصميم للوصول الى بغيتها المنشودة الا وهي الوطن الأم ، وخاصة عندما باتت اكثر ثقة وقدرة على الثبات ، وهذا ما نلاحظه عندما وصفتْ ذاتها بـ (سيدة الجذور) : 
" لا أريدُ أنْ أنتقمَ 
منْ كلِّ الأوطانِ 
ولن أتركَ وَطَني حراً دوني.. 
وأنا سيدةُ الجذورِ 
فالوطنُ وحدَهُ 
يستطيعُ أنْ يسرجَ خيولي
ويختارَ اللجامَ لمراكبي ؛
فلنْ أقبلَهُ
عاجزاً أو مخاناً 
يُلقينِي بخواءٍ يمنحُني نهايةَ العالم
كبذرةٍ خاويةٍ "
" لئلاّ أضيعُ 
في فوضى العالم
وأنا في سِباتٍ معَ الظلِّ 
الملقيّ على شوارعِ الذاكرةِ 
أو كعودِ قابلٍ للاشتعالِ ! "
ــ فهي تريده وطنا بعنوان الشباب ، تريده وطنا غير متهالك ، بل قادرعلى لملمة جراحها ، فهي عانت من اجله الكثير ، وإلا لافرق بينه وبين الاغتراب وبين بذرة خاوية ، وكي لايكون مصيرها مجرد حرف في عناوين الذاكرة او (عود قابل للاشتعال) ... فياله من مَجاز رائع ووصف دقيق يا (هدلا القصار) .
(الـــــــــنـــــهايـــــة) 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لابد للرحلة من محطة ختام ولابد للفرس من نزع اللجام للحرية والراحة . 
في النصوص التالية نجد الشاعرة هدلا القصار ، قد تهيأت فعلا لتخطي هذه العوالم الاغترابية وبجميع محطاتها ، فقد صقلتها مفردات الحياة في هذه الرحلة الطويلة ، وبات اتخاذ القرار من الاولويات المحتومة ، لاسيما وإن الذي بقى ماهو الا عبارة عن طرقات وعقبات قصيرة بسيطة متهالكة لاتقوى على الصمود امام إصرارها ، فقررت ان تتخطى كل مطارق العالم : 
" سأتخطَّى مطارقَ العالمِ 
كيْ أهيئُ نفسي لِمَا تبقىّ منَ الطُرقاتِ 
المنهكةِ الأوصال "
(الـحُـداء عـلـى مـشـارف الـوطـن)
ــــــــــــــتــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لقد بانت مشارف الوطن ، واستبشرّت القافلة ، وهاجت الشجون ، فكل الذي كان اصبح مجرد فضاءات محزونة في طي الذاكرة .استوقفتني هذه الاشطر القِصار الجميلة وكأن حادي القاقلة يحدي بها عند رؤية مشارف الوطن واشراقة ربوعه الخضراء ، للتعريف بأسم القافلة ونوعها والتعريف براكبيها ، فلنسمع حداء هدلا القصار :
" أنا منكُم
أنا مثلكُم
... إليكُم آآآتٍ "
" سمعتُ بكاءَ الطيورِ فجأةً!
نظرتُ إلى السماءَ ..
رأيتُ شرنقةَ النهارِ تلتفُّ حولَ الشمسِ
فصفقَّ الغروبُ بجناحيهِ حزناً "
ــ هذه الاشطر هي المحطة التي انتهت عندها خطوات القافلة وآثار الرحلة والغربة ، هذه الاشطر هي صرخة انتماء واصالة (انا منكم ، انا مثلكم ) ثم اتخاذ القرار الجريء (اليكم آآآت) واستخدمت لفظة (آتٍ) للمذكَّر بدل لفظة (آتية) للمؤنث استعارة لقوة الذات وثبات الجنان وتقمص شخصية القائد للقافلة ، فالذي مَـرَّ والذي جرى لايتحمله كيان أنثى ، وهذا من بديع السبك والاختيار، وكررت حرف ( آ ) عندما قالت (آآآتٍ) ثلاث مرات لقوة الدلالة وصدق النية الى العودة واحتضان ارض الوطن ، وهي محملة بخزانة اسرار ، ستفتحها ذات يوم وستفضّها ذات قصيدة ، وهذا ما دَلَّـتْ علية الاشطر التالية :
" علمتُ أنَّ رحلتي لليابسةِ قد انتـهتْ "
" رجعتُ للجدرانِ أتمرَّدُ
نظرتُ خلفَ النوافذِ أُودّعُ أسرارَ النهارِ
ووضعْتُ السرَّ في خزانةِ الأسرارِ المليئة.. "
ــ وعبارة (رحلتي لليابسةِ قد انتـهتْ) تدل على إن موطن الغربة كان محاطاً بعوالم البحار والمياه ، وهذه الاحاطة تجعل الغربة والاغتراب من بواكير الهواجس التي تلسع النفس وتخنق الروح وتشعل الخاطر وتذيب الوجد والوجدان .
(عــــــنـــــــــاق)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ــ من إجمل اللحظات التي يهتم الفنان في عكسها الى الواقع او تشخيص دقائقها هي لحظات (اللقاء) بعد الشوق والفراق ، لذلك يهتم الرسامون في تصويرها ويهتم المخرجون السينمائيون بأخراجها ويهتم الشعراء بسبكها ونسجها بأمتن نسج وامهر نَول ، وإلا لاتصوير ولا قصيدة ولاشاعر ، امامنا مقتطفات تصور هذه اللحظات ، فلنستمتع بقرائتها :
" أسرعـتْ خُطواتي
أسرعـتُ بعدَها
أسرعـتُ قبلها
توغلتُ عمقِ الغابةِ
راقصتْ قدماي العُشبَ
داعبَ لغزَ الجسدِ وتنحى
احتضنتُ الأرضَ كالزهرةِ
شعَّتْ السماءُ حولي كالنبتة. "
ــ نلاحظ عبارة (أسرعـتُ بعدَها) وعبارة (أسرعـتُ قبلها) هما من اجمل الصور الدقيقة ، فرسم الخطوات بهذا الشكل هو وصف رائع ودقيق يناسب مقام القول . ثم تُكمِل هذا الوصف :
" رميتُ آلامَ الحزنِ الآتي مِنَ الجدران!
انتفضَ جسدي كالرمالِ وانتصبْ
حاولتُ البحثَ عن أسمي كالزهرة
عانقتُ أشجارَ النخيلِ الواحدةَ تلوَ الأُخرى
وسألتُ؟
لَمْ أجدْ الرَّدَ
توجّهتُ للأخرى
قبلَ السؤالِ.... سألَتني مَنْ أنت؟
هَمسْتُ أشواكَ العشبِ أسألْ؟
خَشخَشَ العشبُ واستبقَ السؤالَ!!
مِنْ أين أتيتِ أيُّتُها النبتةُ؟! "
ــ جاءت الشاعرة بالالفاظ (رميتُ ، حاولتُ ، عانقتُ ،سألتُ ، توجهتُ ، همستُ ) كلها افعال قد فعلتها الشاعرة وهي تتضمن معاني تناسب (اللقاء) وتختمها بشطر اشبه بالواقع عندما سألها العشب بتعجب : مِنْ أين أتيتِ أيُّتُها النبتةُ؟! 
وهذه دلالة لطول الفترة الزمنية وماتركته من آثار على اشراقة المُحَيّا .
ــ ثم لاتلبث الشاعر ان تجمع شتاتها لتتحول الى قطعة ممتزجة مع الروح والوطن ، فتقول :
" أيَّتُها الروحَ 
إنّي جاهزةٌ الآن لعناقِكِ
لنْ أفْلتَ منْ أجنحتي المطرزةِ 
بأحمرِ الدمِ 
وأبيضِ الثلجِ
وأخضرِ الأرضِ 
على أوراقِ الميلادِ "
ـــ نعم هنا اوراق الميلاد ، وهنا موطن الذاكرة ، وهنا مستودع الاسرار .
(أصــــالــــة الإنــــتـــمـــاء)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الانتماء هو شعور وجداني ذاتي لايمكن التنصل عنه مهما ابتعدتْ ذرات الجسد ، والشعراء والادباء العرب يتغنون في انتمائهم الى الأرض وتربة الوطن برمز (النخلة) لشموخها وعمق تجذرها ، وكم جميل عندما تصف شاعرتنا النخلة وتقول (وهي لِنفسِها وطنٌ) إن هذه الصور الشعرية هي التي تحتاجها القصيدة في مثل هذه المواقع لترتفع بعناوينها ومعطياتها ، وهذا ماجاء على لسان الشاعرة :
" أنا كشجرةِ النخيلِ تراها في كلِّ الأوطـانِ
وهي لِنفسِها وطنٌ "
ــ مما تقدم .. 
نجد امامنا تأليفات تستحق العناية دراسة ونقداً ، وخاصة عندما تحيط بها مرايا صدق وعناوين دلالة حقيقية مرسومة ومسبوكة بدقة وعناية ، ومصهورة في بودقة الادب الرصين حاملة معها الفاظاً ومفرداتٍ ومعانٍ تعكس لمعاناً وبريقاً ذاتياً ، يجذب المتسوق في سوق العرض الادبي ، مما يجعلها اكثر تأثيراً في المتلقي ، وأكثر استجابة للذائقة الانسانية ، مادامت تحمل خاصية الجذب لا التنافر .
إن هذه السمات هي التي يجب ان يضعها المؤلف ــ ناظماً كان أم ناثراً ــ نصب عينيه ، كي يرتقي ويسمو في بناء جسد أدبي يخضع لمعايير النقد والتقويم والتقييم . 
الدكتورة الشاعرة هدلا القصار .... وافر الاحترام والتقدير .

كثيرة هي حماقاتي/ حسن العاصي


لا أحد ينجو في مسار الغفلة
كثيرة هي حماقاتي
تتواتر كما السيل المنفلت
موجة بكماء وأخرى أوصدت أهدابها
بدءًا من مخاض ضرير
في حقل النعناع
حين وهبتني الأقدار قلباً أخضر
يصبح ساقية إذ استيقظت الغابة
وقنديلاً إذا نامت عصافيرها
أنثر السوسن في وجه الربيع
تزحف على الفصول رائحة لا تصل
أعتلي جدران المدينة مثل قط الأسواق
تتعثّر بي عربات الباعة
أشتهي قضم الرحيل
 مثل درب أعيته الخطى 
في العيد نسيت يدي عند بائع البالونات
وأنا أبحث عن آخر خيط كان يلهو هناك
فكان نصيبي فرساً ورقياً هزيلاً ومبتسماً
عدتُ مرّة من أقدام الشاطئ دون رأس
حين أيقظتني أمي صباحاً
وجدت نورساً لا يطاوعه الرمل مكانه
قالت: ابني ابتلع البحر
ومرّة تسلّقت لوحة الأولياء
فسقط بي جسر المطر
لملم السور جسده المنهك
وتوارى في أعباء القلق
كبرتُ وكبرتْ الحماقات
صرت مرجاً من العشب
ينصبون فوقه ألعاب المواسم
ويرقص على أطرافه التائهون
صرت شيئاً من لهاث المسافة
تصرخ أصابعي ولا أعرف القراءة
وفي الشتاء السابع
أخرجتُ عيني من أنفي
حين ضمرَ الغيم الماء في هبوط الملح
تذكروا أنني حلّقت مع فراشات النار
لم يكن زهواً ولا بهجةً
ولا برعماً
كان أنيناً منسكباً وجناحاً وعراً
أكبر حماقاتي كانت في الحب
صدّقتُ ذات وهم
قالوا لي ما الحب إن لم تفيض به روحك نغماً
فرابطتُ في روضة العشق وتراً
أطعتُ مقاماته وأنهكني الهوى
حتى ذرفت قلبي
وشيّعت جنازته وحدي
أغلقتُ الانتظار وقلتُ
ما أعذب عثرات الصبا
لو أن قدري يغادرني
ويبعثني مرة أخرى غصناً من الماء
يجتث التراب المتوقّد
كنتُ خلعت قلبي ووجهي ويداي
وكتبت جنوني ونوبات اغترابي
واكتشفت سرّ الحماقة
إنما يتلاشى وقتي
 مثل ضوء خجول يفرّ بعيداً
و قوارير الرمل تتنهّد باسترخاء
يوشك الطفل أن يرتبك
فوق العشب الأبيض
حالك وجه هذا العالم أسحم
ما زال الكثير في احتدام القصيدة لم يقال
أفترش وردتي وأنام
وحماقاتي تمضي حيث عيد الله
 يهب نزق الصبيان أرجوحة

الارهاب في العريش وفلسطيني في سيناء ومصر تنزف وتتخبط/ رائف حسين

العمل الاجرامي الإرهابي الذي اصاب العريش اخيراً وراح ضحيته اكثر من ثلاثة مائة من الأطفال والمسنين والشباب الأبرياء  لم يكن العمل الإرهابي المتأسلم الاول الذي اصاب مصر ولن يكون الأخير دون أدنى شك. السؤال ليس هل سيضرب الارهاب المتأسلم مرة اخرى أم لا؟ السؤال متى وأين؟ 
حاضنة الارهاب في مصر وفِي العالم الاسلامي كبيرة جدا وما رأيناه حتى الان من اعمال ارهابيه وحشية هو الارهاب الظاهر فقط... الارهاب المبطن، هذا الارهاب الذي زُرِعَ على مدار قرون في عقول المسلمين، بدأ الان في الظهور بأشكال مختلفه وفِي مواقع مختلفه وباخراج مختلف من بلد الى اخر ومن موقع الى اخر، لكن جذور هذا الارهاب المتأسلم واحده؛ فقه شيوخ الفتنه ويدهم الطويلة في المجتمع الاسلامي والدول الاسلامية. 
قوة هذا الارهاب لا تكمن في الآلاف التي جندها هذا الارهاب للأعمال الاجراميه هنا وهناك...قوته تكمن بمئات الملايين من المسلمين الساكته على هذا الارهاب والملايين التي  تحتضنه وترعاه والحكومات في الدول الاسلامية التي استقوت بالتيارات الاسلامية ودعمتها لتقف امام التيارات الوطنيه والقوميه على مدار عقود... والآن تدفع هذه الأنظمة فاتورة أخطاءها الاستراتيجية. 
المصيبة الكبرى ان هذه الأنظمة، ومصر منها، ما زالت تتخبط بالتعامل مع هذه الظاهرة وتلقي اللوم على أطراف اخرى بدل ان تضع إصبعها على الجرح وتبدأ بجديه بالعلاج الصحيح لهذا الوباء الذي اصابها وأصبح ينخل في جسدها يوماً بعد يوم. 
في الوقت الذي ضرب الارهاب مصر العروبة تواجدت في سيناء ولفت نظري كلمات سائقي الذي نقلني من المطار في شرم الشيخ الى الجنوب. وقبل ان نصل الى الحاجز الأمني الاول نبهني ان اعرف نفسي كالماني أو ان أقول انني من "عرب اسرائيل" والحق هذه العبارة مباشرة بتأسف على هذا التعبير بقوله "فلسطين والفلسطينيون تاج رأسنا جميعاً لكن الامر اختلف للاسف بعد الثوره". وبدأ في توضيح الامر من وجهة نظره وقال: دعم حماس لنظام مرسي والاخوان بمصر غير موقف المصريين واليوم اصبح الفلسطيني في عيون الأجهزه الامنيه مشتبه به بدعم الارهاب في سيناء!
خلال اقامتي في مصر فكرت في كلام السائق الشاب البشوش طويلاً... وعندما نقلني للمطار ثانية كان قد ضرب الارهاب العريش … وكلمني اثناء عودتنا عن ألمه والدمع بعينيه... منذ عودتي من مصر والسؤال يدور في راسي: هل مصر محقة باتهام حماس في دعم الارهاب؟ وهل هذا تكتيك من النظام المصري أم انه تعبير صارخ عن التخبط في التعامل مع قضية الارهاب؟ أسئلة عديدة دفعتني ان اكتب هذا التحليل وان اسلط الضوء على هذه القضية التي سوف ترافقنا سنوات طويلة للاسف. 
دون أدنى شك ان حركة حماس بجذورها الاخوانية تعاطفت مع نظام الاخوان في مصر وفرحت بفوز الاخوان في الانتخابات ووصول الاخواني مرسي  للحكم في اكبر دولة عربية. حماس رأت في وصول مرسي للحكم دعماً لها وقارب إنقاذ لها بعد انقلابها العسكري على الرئيس الفلسطيني محمود عباس وتهوراتها بالسياسة الخارجية التي نقلتها لاحقاً من الحضن السوري الإيراني الى الحضن القطري. رغم ان حماس ومنذ تأسيسها عام 1988 أكدت وتؤكد مراراً على انها لا تتدخل بالشأن الداخلي لأي قطر عربي شقيق الا انها في حالة مصر خرجت عن هذه القاعدة كما خرجت لاحقاً عنها في سوريا وعضت اليد التي قدمت لها المأوى والحضن الدافيء. الاتهامات المصريه التي أتى به الرئيس السيسي عديدة...لكني استكفي هنا باثنين منهما لتدوالهم الدائم بالإعلام المصري وتم تداولهم بعد العمليه الارهابيه في العريش:
 الاتهام الاول ومفاده ان حماس هي التي خططت ونفذت هروب مرسي من سجنه وساعدت الاخوان على تفخيخ الكنائس ومقرات الشرطة لتفجيرها بحالة خسارة الاخوان للانتخابات في مصر، هذه الاتهامات لم تدعم حتى الان باي برهان قاطع وأدلة ثابته وواضحه على انخراط حماس بهذه "المؤامرة الاخوانية". لكن هذا الادعاء بقي راسخاً في عقول المصريين وأصبح امر مسلم به للاسف. 
الاتهام المصري الثاني يدعي ان الإنفاق التي بنيت بين قطاع غزة وسيناء استعملت ايضاً لتهريب الإرهابيين من غزه الى سيناء وتزويدهم بالسلاح والذخيرة عبر هذه الإنفاق.  
قبل التعاطي مع هذين الاتهامين لا بد من التنويه على ان المتهم بريء حتى إثبات التهمه علية... وان حركة حماس حركة ايدلوجية تتخذ الاسلام هدفاً ومساراً لها وجذورها راسخة في حركة الاخوان المسلمين لكنها ايضاً حركة براغماتيه تعاملت منذ أيامها الاولى بكل ما واجهها من تحديات بمبدأ الربح والخسارة... نعم هي اخطأت أحياناً في حساباتها لكنها بعيده جداً على ان تكون حركة متهوره تصبوا نحو الربح السريع والنجاحات الانيه!  
شخصيا لا اعتقد ان حركة الاخوان المصرية بكبرها وتمددها وتشعبها وانتشارها بين جميع طبقات الشعب المصري وصولاً الى الجيش المصري واجهزته الأمنية والمخابراتية كانت بحاجة الى مساعدة حماس وعناصرها لتهريب قادة الحركة من السجون المصريه... من المحتمل ان عناصر من حماس التي تواجدت في هذه الفترة بمصر، وبطبيعة الحال تربطها علاقات حميمة مع الاخوان،  قد انزلقت وانخرطت مع عناصر اخوانية في عمليات مداهمة السجون وتهريب المساجين... الأدلة بالتحليل العلمي لحركة حماس وتعاطيها مع الأمور يوصلنا الى قناعة على ان إمكانيات تورط الحركة رسمياً وتورط صفها القيادي العسكري بمثل هذه الاعمال، هو احتمال ضئيل جداً! 
اما الاتهام بان الإنفاق استعملت لتسلل ارهابيون سلفيون الى سيناء بعد ان تدربوا بغزه فهو محتمل جداً وذلك لعدة أسباب: 
اولا بعد الانقلاب في غزة تمت محاصرة حماس سياسياً في كل المجالات وضاقت الدنيا بقادة الحركة ورأى البعض المخرج من هذا المأزق بمحاولة تسويق حماس على انها حركة اسلاميه معتدلة... وحاولت حماس ان تقدم نفسها للعالم على انها حركة تنبذ التطرّف الاسلامي وتحاربه ايضاً... لهذا الهدف غضت الحركة النظر لفترة قصيرة عن الحركة السلفية في غزة والتي بدأت تنتشر قبل الانقلاب وزاد نفوذها بعده لتعود في سنة 2009 لتضرب قاعدة الحركة السلفية بنارها دون هواده. قسم من هذه الحركات الراديكالية هرب من سخط حماس الى سيناء وقسم اخر بقي بغزة ومن هؤلاء من خرج لاحقاً عبر الإنفاق والتحق بالحركات الإرهابية بسوريا... اذا الاحتمال بان عناصر من الحركات السلفية الإرهابية الفلسطينيه قد تسللت من غزة الى سيناء وانخرطت مع امثالها من عناصر ارهابية مصريه واجنبية وعربيه أتت من سوريا ومن ليبيا الى سيناء امر يجب اخذه بالحسبان ووقائع الأحداث تثبت صحة هذا الاتهام...
السبب الاخر هو ان اصحاب الإنفاق في غزة كانوا يتطلعون للربح السريع دون الاهتمام بما يمر بالنفق ولمن... المهم كان عند هؤلاء هو الثمن! لهذا كان تقديم خدماتهم يحتكم لقاعدة السعر فقط، ومن المحتمل ان عناصر سلفيه، والتي اثبتت ان مواردها الماديه لا تجف،  قد دفعت مبالغ لتهريب عناصرها وسلاحها لسيناء للالتحاق بأمثالها من الإرهابيين هناك خصوصاً بعد ما سمي زوراً "بالربيع العربي". ومن المحتمل ايضاً ان حماس التي كانت تعيش ضائقة ماليه خانقة لم تعير ما يحصل داخل الإنفاق اهتمام ملائم وهمها الوحيد كان جباية الضرائب على واردات الإنفاق فقط.      
اما الاتهام المصري بان حماس تزود الإرهابيين بسيناء بالاسلحة والذخيرة والعداد فهو اتهام باطل... حتى ولو ناورت القيادة السياسية لحماس احيانا بولاءاتها وتحالفاتها فان هذا لم يلقي بظله يوماً على نقاوة ونزاهة القيادة العسكريه لحماس وتاريخ نضال هذا الجهاز يشهد على هذا…بغض النظر عن موافقتنا لمسارها النضالي وآلياته أم لا…وحماس تدرك ايضاً ان ثباتها بالسلطة وحماية حكمها مرتبط برضاء أهل قطاع غزه عن ايداءها السياسي والعسكري والاقتصادي وتدرك ايضاً ان هذا الرضاء مرتبط بمعبر رفح مباشراً… حماس ليست بالحركة المتهوره التي تجازف بسخط الناس عليها باغلاق المعبر وتحميلها مسؤولية هذا الاغلاق!  
 الاتهامات لم تعد تنحصر بحماس وأبناءها بل أصبحت موجهه الى كل أبناء الشعب الفلسطيني وتكوي بنارها الكل دون تفرقه!  

اذا ما الهدف من ترويج هذه الإشاعات والاتهامات التي نشرتها الحكومة المصريه وتتداولها وسائل الاعلام وأصبحت الحديث اليومي بعد كل عملية ارهابيه على صفحات التواصل الإجماعي ويتم تداولها فِي واقع الحال، كما عايشته بنفسي قبل ايّام في سيناء؟،
اولا الارهاب المتأسلم لم يبدأ بظهور القاعدة في أفغانستان وأعمالها الارهابيه بالولايات المتحدة الامريكية وايضاً لم ينتشر فقط بظهور داعش وجبهة النصره وأمثالهما من حركات التكفير الإرهابي… الارهاب من جذور اسلاميه بدأ في مصر ووصل اوجه باغتيال الرئيس أنور السادات. آنذاك كانت بمصر اثنى عشر حركة سلفية مصرية متطرفة تدعوا علناً للجهاد…
ثانياً الارض الخصبة التي نبت منها الارهاب المتأسلم تم تحضيرها والعناية بها بمصر  … حركة الاخوان المسلمون هي الإطار الذي خرجت منه معظم الحركات التكفيرية بالعالم من القاعدة وداعش بالشرق الى بوكو حرام وحركة الشباب بافريقيا الى ابو سياف في شرق اسيا والبؤر الإرهابية بأوروبا وأمريكا… الكل تربى وترعرع على فكر الاخوان وفقه الأزهر وشيوخه التي فُتِحَت لها أبواب التواصل ونشر فكرها الجهادي التكفيري على مصراعيها من تلفزيون وأذاعه وانترنت وجوامع وجمعيات ومؤسسات، بمساعدة كل هذا وتحت عيون الأجهزه الأمنية المصريه تم نشر فكرهم السام في صفوف الامه الاسلامية 
ثالثا الأزهر الذي دعمته وتدعمه الحكومات المصريه منذ عشرات السنين بمبالغ كبيره يدرس بمناهجه القتل ويدعوا لملاحقة تارك الصلاة وقتل الكفار من أبناء الديانات الاخرى وحرق كنائسهم ومعابدهم وسبي فتياتهم ويدعوا علنا للعنف الجسدي والاغتصاب وينشر فكر ابو تيمية الارهابي التكفيري واحاديث البخاري ومسلم الباطله والمسيئة للرسول الأعظم والدين الحنيف، دون قيد أو شرط…  شيوخ الأزهر من اطلق اسم مجاهدين على الطالبان في أفغانستان  واسم الدوله الاسلاميه على إمارة الارهاب الداعشية والمتابع لمنشورات المستشار احمد عبده ماهر حول مناهج الأزهر يكتشف مدى انخراط هذه المؤسسة، التي تحظى برعاية ودعم الحكومة المصريه، في مجال الارهاب والترويج للفكر الارهابي 
رابعاً الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمصريين القاطنين بسيناء مزري جداً ويدفعهم بقوه الى احضان الارهاب المتأسلم، اما كمنخرطين به أو كداعمين وحاضنين له باحتواء الإرهابيين وتقديم خدمات لوجيستية لهم في تضاريس سيناء المعقده…. هذه الحقيقة تدركها الحكومة المصرية وتعرف ان ضبط الأمن بسيناء يتطلب قبل كل شيء تطوير الوضع الاقتصادي للسكان هناك وتوفير أماكن عمل لهم وتدرك ايضاً ان ضبط الأمن لن يتم بنشر قوات من الجيش المصري والاجهزة الامنية في مواقع محدده فقط.
خامساً الحكومة المصرية ما زالت تتكتم عن عدد المصريين المنخرطين بالجماعات الإرهابية بالداخل والخارج رغم ان المعلومات الصادره عن الأجهزه الامنيه السورية تتكلم عن الآلاف الذين إتوا الى سوريا وانخرطوا في صفوف داعش وجبهة النصرة… ومن الطبيعي جدا، بعد الانهزامات التي ألحقها الجيش العربي السوري وحلفاءه بالجماعات الإرهابية،  ان تهرب عناصر هذه المجموعات وتحاول ان تختبىء في بيئة تحتضنها ولا تثير داخلها الشبه… وسيناء بتضاريسها ومساحاتها الشاسعة وقلة عدد سكانها تلبي كل الشروط والمستلزمات للهاربين من الارهابيين…

مما  كرهناه أعلاه نستقرئ ان الاتهامات التي قامت حكومة الرئيس السيسي بنشرها وتبنتها وسائل الاعلام هي بأغلبها اتهامات باطلة هدفها الأساسي التغطية على التقاعس في مواجهة الحركات الإرهابية بمصر وعدم الرغبة لأسباب تكتيكية ضيقة من محاربة جذور هذا الارهاب ومنابعه الفكرية… وضع الفلسطيني في قفص الاتهام هو خدمة مجانية للاحتلال وإرهابه اليومي في فلسطين المحتلة … والتفرقه العشوائية التي تقوم بها الأجهزه الامنيه المصريه بين فلسطيني من الداخل وبين فلسطيني من الضفة الغربيه وبين أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزه هي بحد ذاتها افتراء وتصب في ذات الهدف الذي تعمل عليه حكومات الاحتلال منذ قيام دولة الاحتلال… الحكومة المصريه واجهزتها الامنيه تعرف تماماً ان شعب مصر وشعب فلسطين اخوة في الدم والمصير وأمن مصر من أمن غزه وفلسطين والعكس صحيح. 
مواجهة الارهاب المتأسلم في شمال سيناء مهمه الأجهزة الأمنية المصريه والفلسطينية وفقط بالتعاون بين الإخوة على قاعدة احترام خصوصية كل طرف وأمنه القومي تتم هذه الخطوة بنجاح