لنفترض ان الشيخ سعد هو صديقي. ولنفترض انه اتصل بي من الرياض ليأخذ رأيي قبل اعلان استقالته. لكانت تغيَّرت امور كثيرة.
- أبو جريج! كيفك؟ اشتقنا يا رجل. لماذا لا نسمع صوتك؟
- أهلا سعد. ممكن تتصل بي بعد عشر دقائق؟ أنا مشغول بالجنينة. "عم بزرع كم شتلة بندورة".
- طبعاً. طبعاً. لا تؤاخذني عطَّلتك عن شغلك. سأتصل بعد قليل. وأقفل الخط. (بعد عشر دقائق تماماً رن التلفون).
- من؟ الاستاذ جورج الهاشم؟
- نعم. من المتكلم؟
- أنا الشيخ السبهان. معي الشيخ سعد يصر على التكلم معك. ( وأعطى الخط للحريري).
- شو يا سعد؟ الظاهر أنك بالاقامة الجبرية؟
- دعك من هذا الان. اريد رأيك بأمر خطير. انا افكر بالاستقالة من رئاسة الحكومة.
- هذه ليست عادتك. عادةً هم يفكرون عنك في مثل هذه الامور.
- مش مهم الان من يفكر أولاً. أنا سأستقيل من رئاسة الحكومة.
- وما هي اسبابك يا سعد؟
- ايران وحزب الله واليمن وسوريا والنأي بالنفس...
- تعني تأجيج الصراع السني الشيعي؟
- لا لا أبداً. ولكن الكيل طفح ولا أستطيع أن أتحمل املاءات حزب الله.
- وما الجديد بالموضوع؟
- تعرف أني أعلنت في البيان الوزاري النأي بالنفس عن الصراع في سوريا. ولم أستطع اقناع الحزب بالخروج من سوريا.
- أنا من الاساس ضد مشاركة حزب الله في الحرب الدائرة في سوريا. ولكن أفهم أن يدعم حزب شمولي كحزب الله نظاماً شموليا كالنظام السوري والايراني. وماذا تريده أن يفعل وكل أنظمة المنطقة أنظمة شمولية؟
- وشو يعني نظام شمولي؟
- يعني نظام مستبد لا يؤمن بالرأي الآخر ويقمع الجميع.
- اي والله. "قامعني مليح وما بيخلليني اتنفس". والحجة دائماً المقاومة في وجه اسرائيل.
- يا سعد! لا يمكننا مجابهة اسرائيل الا بالمقاومة. والمقاومة هي سلاح الردع الشامل بوجه اسرائيل. والمقاومة أثبتت فعاليتها قبل ولادة حزب الله وبعده. الفرق انها كانت وطنية لبنانية شاملة قبله فحوّلها الى مقاومة شيعية حصراً. وهذا سلاح ذو حدَّين.
- هل هذا يعني أنك مع حزب الله؟
- أنا مع المقاومة. تبنوا المقاومة فعلياً واسحبوا البساط من تحت رجلَي الحزب.
- وكيف ذلك؟
- بالدعوة الى مؤتمر حوار وطني من بند واحد: السياسة الدفاعية للبنان. جيشنا لا يستطيع الوقوف في وجه اسرائيل مع كل الاحترام لتضحياته ولمواقفه. وتبني سياسة دفاعية واضحة عمادها الجيش البعيد عن الحدود، والمقاومة الوطنية في الجنوب تحت اشراف الجيش، والتفاف جميع اللبنانيين حولهما.
- وهل نلزِّم الجنوب لحزب الله؟ مشكلتنا في المعادلة: جيش وشعب ومقاومة.
- يجب ألا تكون المشكلة في هذا الشعار. المشكلة ان حزب الله احتكر المقاومة التي كانت وطنية قبله. أعيدوا للمقاومة وجهها الوطني. انزعوا عنها الصفة الشيعية. تستقيم الامور. فاذا كان حزب الله جاداً في مقاومة اسرائيل فيجب ان يقبل بمشاركة جميع اللبنانيين بالمقاومة. أو على الاقل، وفي البداية، أن يقبل بمشاركة الاحزاب التي أسست المقاومة وكان لها تاريخ مشرِّف بالتصدي للمحتل الاسرائيلي. وعندما تصبح المقاومة وطنية لبنانية شاملة تعمل بالتنسيق مع الجيش وتحت مظلته، وضمن سياسة دفاعية متكاملة، فأين المشكلة؟
- هذه مشكلة أكبر من الاولى. هكذا مكتوب أمامي على الورقة الموقعة من قبل السبهان.
- وهل السبهان يستمع الى حديثنا؟
- لن اجيب على هذا السؤال. ما رأيك باستقالة حكومتي؟
- سعد كن رجلاً وعد الى بيروت واعلنها من هناك إذا كنت مصراً.
- هل هذا يعني أنك تؤيد استقالة حكومتي؟
- في الاحوال العادية يجب على حكومتك ان تذهب. أتيتم لمكافحة الفساد وللتغيير والاصلاح ولم تغيّروا ولم تصلحوا شيئا. ولا زلتم تلزّمون بالتراضي.
- لا تظلم حكومتي يا صديقي. لقد أنجزنا الكثير.
- سأعطيك مثلاً واحداً: الفساد. عيَّنت يا سعد وزيراً لمكافحة الفساد. فماذا كافح هذا الوزير؟ والفساد زاد واستشرى. لماذا لا تتمثل بأميرك محمد بن سلمان. فخلال 24 ساعة أوقف عشرات الامراء والوزراء ورجال أعمال بتهمة الفساد. اوقفوا عدداً مماثلاً في لبنان تستقيم الامور.
- لو أوقفنا هذا العدد سيكون بينهم أكبر زعماء لبنان ومن كل الطوائف؟ وربما أكون أنا نفسي من بينهم؟
- ولو يا سعد! أنسيت شعارك لبنان أولاً؟ (وانقطع الخط. حاولت الاتصال به عدة مرّات دون جدوى. وأعلن الحريري استقالة حكومته من الرياض مما أجبرني على قطع صداقتي معه).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق