لعله من دواعي سروري وعظيم امتناني أن يهتم الدكتور أحمد ماضي بما أنشره على صفحات الجرائد الأردنية وخاصة جريدة الرأي، وأشكر للدكتور ماضي وهو من هو قامة أدبية وفكرية فلسفية على (التنويه) بمقالتي "ظاهرة التثاقف وآثارها المدمرة على السرد" المنشورة في الرأي الأردنية مؤخرا (السبت 4-11-2017)، ليكتب منشورا على صفحته في الفيس بوك قائلا: "استوقفني هذا الكاتب الناقد للنقاد، والأعمال الإبداعية أيضا، إلى درجة السؤال عن مدى صدقه وموضوعيته، وقبل كل شيء، إلمامه ولا أقول إحاطته، بالأعمال النقدية، والإبداعية. إن إصدار حكم كهذا، ينبغي أن يصدر عن ناقد مطلع جدا، وذي باع طويل. ولئن صدق هذا الحكم، فإني سأكفر بنقادنا وأدبائنا. أظن، ختاما، أنه بالغ وتطرف في ما ذهب إليه".
وأستخدم لفظ (التنويه) وليس التشهير، على ما في رأي الدكتور ماضي من نقد ساخر وتهكمي، معجون بعصبية ظاهرة، وذلك لاعتبارات عديدة أهمها على ما ذكر الشاعر القديم (عبد الصمد بن المعذل):
لئن ساءني أن نلتني بمساءة
لقد سرني أني خطرت ببالك
فنحن ما زلنا، وإن قطع بنا العمر حدود الأربعين ببضعة أعوام، تلاميذ في حضرة رجل علم مشهود له بالعلم والمعرفة والخبرة، ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي ينوه فيها الدكتور ماضي بما ينشر لي في الرأي الأردنية، فقد سبق أن أشاد بمقال تناولت فيه كتاب الأستاذ هاني أبو انعيم "أرواح شاحبة"، قبل حوالي سنتين، وعلى صفحته في الفيسبوك أيضا.
إن ما ذهبت إليه في مقدمة المقال وأثار حفيظة الدكتور، لم يكن رأيا عابرا، أو حدسا جائرا على الحياة الثقافية، ولست الوحيد ممن يلاحظ هذه الملاحظة، وربما هنا كما قال علماؤنا الأفاضل "من يعلم حجة على من لا يعلم"، فهناك أزمة حقيقية في الأدب عموما وفي النقد على وجه الخصوص، وغربة النقد وأزمته مضاعفة، فإما يتولاه الهواة أو المجاملون، ولو دقق الدكتور لعرف حجم الكارثة التي يعاني منها الأدب والنقد مما ينشر هنا أو هناك، وعلى أي حال فإن النقاد بالمعنى الدقيق للكلمة قلائل بل نادرون، حتى تاريخيا، فلو قابل الدكتور بين عدد من كتب الشعر والنثر العربي في العصر العباسي مثلا وبين من كتب نقدا، سيرى بعض الموضوعية على الأقل فما (ادعيت) وبالغت فيه، وهذا ينسحب على كل العصور اللاحقة، فلو أراد الدكتور أن يعدد نقادا معاصرين ومؤلفات نقدية لتوقف عند أسماء محددة وقليلة، ولكنه بالمقابل سيتعب من إحصاء الشعراء والأدباء والروائيين فسينهالون على ذاكرته كسح المطر. فكم معجما متضخما للشعراء مثلا، وبالمقابل لم يكن هناك معجم شبيه بالنقاد، بالمفهوم المنضبط، وليس كتاب المقالات الصحفية الانطباعية.
هذا جانب، وأما الجانب الآخر المهم، ويدل على الاطلاع أو الإلمام كما كتب الدكتور ماضي، فإنها ملاحظة مدخولة ومردودة، لأن الواقع الثقافي يشهد على صدق هذه الملاحظة، فلو استعان الدكتور ماضي مثلا بأحد الناشرين، واتصل به مستفسرا عن عدد الكتب النقدية التي أصدرها منذ تأسيس دار النشر، لعلم أن المسألة علمية وحقيقية ولا مبالغة فيها، فمثلا كم كتابا نقديا أصدرت دار فضاءات أو الأهلية على سبيل المثال، منذ تأسيسهما بالمقارنة بكتب الشعر والروايات؟ أظن أنه سيقول ما قلت، ولتراجع عن سخريته اللاذعة بوصفي ناقدا للنقاد. عدا أن عدد الكتب النقدية المقدمة للجوائز يعطي مؤشرا على ما ذهبت إليه، بالموازنة أيضا بعدد الروايات أو دواوين الشعر، لتحل الكتب النقدية في ذيل القائمة في ذلك العد الإحصائي التنازلي.
تلك محاور لو دقق فيها الدكتور ماضي لعلم أنني مطلع وجدا، وليس ملما فقط بما ينشر، على الأقل منذ عقد من الزمن إن لم يكن عقدين، وأنا الملاحظ لما ينشر أيضا من مراجعات للكتب في الصحف والمجلات، فسيرى أيضا أنها مراجعات متواضعة ونادرة.
وأود أن ألفت نظر الدكتور أحمد ماضي وهو الفيلسوف والمفكر والأديب إلى حفلات التوقيع التي تتم للكتب النقدية، وهنا سأقدم دليلا من الحياة الثقافية الفلسطينية، فعلى مدى سنتين مثلا، لم تشكل الكتب النقدية الموقعة في متحف محمود درويش نسبة تستحق الذكر بالمقارنة بحفلات توقيع الكتب الأدبية، شعرا ونثرا، وها هي التقارير الصحفية تغص بها صفحات الإنترنت توفر دليلا للباحثين عن الحقيقة. ولو أراد الدكتور أن يلاحظ هذا لتوصل إلى النتيجة ذاتها فيما يتم من حفلات التوقيع في المملكة الأردنية الهاشمية.
وأخيرا، هل يا ترى سيكذب الدكتور ملاحظتي أم يصدقها لو طلب من إحدى مكتبات الجامعات الأردنية قائمة بالكتب النقدية الحديثة التي تشتمل عليها المكتبة؟ علما أنه ينبغي التفريق بين الكتب النقدية المنهجية النظرية والتطبيقية من جهة وبين الدراسات الأدبية وخاصة الأكاديمية (أبحاث الدراسات العليا) من جهة أخرى، التي لها حضورها الأكبر من الكتب النقدية وأقل بطبيعة الحال من الكتب الإبداعية. فمن هو المسؤول يا ترى عن هذا التردي المحزن والمخجل في آن أم أن هذا هو الوضع الطبيعي المنطقي؟ لعل الدكتور أحمد ماضي ومن معه من المتهمين الآخرين سيرون الحقيقة لو أرادوا، فالمسألة لا تتعلق بأنني ناقد أو لا، وماذا قدمت للنقد، فالمسألة خاضعة للبحث العلمي المنضبط بالحقائق والأرقام، وها هو البحر يكذب الغطاس أو يصدقه، فهل تأملنا ذلك قبل أن نظهر بمظاهر لا ثقافية ونلقي الكلام على عواهنه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق