غيب الموت الكاتب والمفكر والمناضل اليساري المصري الكبير صلاح عيسى ، متأثراً بمرض السدة الرئوية ، وبعد أن دخل في غيبوبة وبقي على أجهزة التنفس الصناعي الى أن لفظ أنفاسه الأخيرة ، تاركاً وراءه ثروة فكرية كبيرة ، وسيرة حياة حافلة وزاخرة بالنشاط والعطاء والنضال .
يعتبر عيسى من أبرز أعلام الفكر والثقافة المصرية ، وقد شارك في انشاء وتأسيس وادارة عدد من الصحف والمجلات المصرية ، أبرزها : " الكتاب ، الثقافة الوطنية ، الأهالي ، واليسار " ، كما ترأس تحرير صحيفة " القاهرة " ، وتولى منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للصحافة في مصر .
تعرض عيسى للمحاكمات والاعتقالات مرات كثيرة ، بسبب آرائه السياسية والفكرية العقائدية ، واعتقل لأول مرة العام ١٩٦٦.
صدر له في مجال الفكر السياسي : " الثورة العرابية ، حكايات من دفتر الوطن ، رجال ريا وسكينة ، دستور في صندوق القمامة ، تباريح جريح ، مثقفون وعسكر ، محاكمة فؤاد سراج الدين ، البرجوازية المصرية وأسلوب المفاوضة " .
وفي مجال القصة والرواية صدر له : " جنرالات بلا جنود ، ومجموعة شهادات ووثائق في تاريخنا وزماننا " ، وله ايضاً كتاب " شخصيات لها العجب " .
لقد شاءت الأقدار وتعرفت الى الكاتب الكبير الراحل صلاح عيسى عن طريق المصادفة ، وكما يقال "رب صدفة خير من ألف ميعاد " ، وذلك عندما كنت في زيارة للقاهرة في ثمانينيات القرن الماضي ، دخلت مكتبة المرحوم العم مدبولي ، واذا بالراحل صلاح عيسى يتجول بين اروقة ورفوف المكتبة ، فالقيت عليه التحية والسلام ، وسالته : هل أنت الكاتب صلاح عيسى ؟ فابتسم وقال : نعم ، وعرفته على نفسي ، وكم سره انني من فلسطين ، وبعد ان تحدثنا وتجولنا معاً بين اجنحة الكتب ، افترقنا وذهب كل منا في طريقه ، وتواعدنا على أمل اللقاء ، ولكن للاسف لم يجمعني به القدر مرة أخرى .
كان صلاح عيسى شخصية معروفة ، وهو مثقف ومفكر وكاتب صاحب مواقف وطنية ويسارية ، وناشط سياسي في صفوف حزب التجمع الوطني الوحدوي المصري ، وعرف بسخصيته الهادئة والمتمردة في آن ، وظل طوال حياته متمسكاً بمواقفه النصالية والتقدمية ، يذود عنها ، وينافح من أجل انتصارها .
وقد حذر من الكارثة التي تهددنا ، وهي ظاهرة التطرف الديني الاصولي ، وتنامي فكر التكفير الظلامي . وفي كتابه الموسوم " الكارثة التي تهددنا " الذي لم يكن يطمح الا أن يكون ورقة حوار ، يشتبك الصراع ويشتد حول الماضي والحاضر والمستقبل ، وتتزاحم علامات السؤال والاستفهام : لماذا بقي الوطن العربي قرية في تركيبه السكاني وقيمه الاجتماعية ، وكيف تصارعت أجنحة البرجوازية وحلفائها على طريق القبلية التي تفتقد لابسط أسس الديمقراطية ، وكيف بدأت حركة التنوير الاصلاحية برحابة جمال الدين الأفغاني ، وانتهت بالفكر المتشدد المتعصب ممثلاً بسيد قطب وشكري مصطفى ..؟!
صلاح عيسى من رموز ومنظري التيار اليساري المصري المدافعين عن حرية الرأي ، والنقابيين المخلصين لرسالة وتقاليد المهنة ، وقد تناول في كتبه ومقالاته قضايا سياسية واجتماعية عديدة ، وتميز باسلوب ممتع ورشيق وجذاب ، ويبقى كتابه " شخصيات لها العجب " سمفونية عزفها مثل المايسترو عن شخصيات أدت دوراً بارزاً في الحياة السياسية والصحفية في القرنين العشرين والواحد والعشرين ، بينهم الصحفي والكاتب المصري الالمعي محمد حسنين هيكل .
رحم الله صلاح عيسى ، وستبقى أفكاره المتنورة ومواقفه الوطنية والسياسية النوعية الجذرية ، نوراً ساطعاً للأجيال المصرية والعربية القادمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق