أوراق حياتي/ محفوض جروج

 نظرتُ إلى التقويم المعلّق أمامي على الحائط يرنو إليَّ بوجهه الكئيب ، وقد تساقطت أوراقه ، وتناثرت كما تتساقط أوراق الأشجار في فصل الخريف ، وعصفت هذه الأوراق في حدقات عينيَّ لأن كل ورقة من هذه الأوراق كانت تخبئ في طياتها يوما ً كاملا ً من أيام حياتي السائرة في بحر الزمان الواسع ، وقد استودع في المدونات الإلهية ليكون حجة دامغة عليَّ يوم أقف أمام الديان في اليوم العظيم لأعطي حسابا ً عن نفسي الخاطئة ، فعجلة الزمن اللا نهائي لا تتوقف عن الدوران بل هي تتحرك ببطء واستمرار ، ولن تتوقف عن الدوران ، ولن تتراجع إلى الوراء ، ولا أحد يستطيع أن يوقفها ولو للحظة واحدة مهما كان عظيما ً ، وبدورانها هذا تسقط أوراق شجرة حياتي ورقة تلو الأخرى ، وتطوي أيامها يوما ً بعد يوم ، وليس من عودة لإحداها ، أكان هذا اليوم يوما ً رقص فيه قلبي فرحا ً أم كنت أتمرمر فيه بحرقة ومذلة ؟!، أكان فيه ضحكات وبسمات أم كان مقرونا ً بالآلام والدموع والتنهدات ؟!، فهو في عرف الزمن يوم ٌ ليس إلا .
استعرضت ما انقضى من حقبة عمري القصير والمحدود ، فكان بعض أيامها ممتعا  ً لدرجة كنت أتمنى أن تستمر الحياة كلها كهذا اليوم السعيد ، كما كان هناك أيام أحداثها تؤلم الروح وتحطم الفؤاد وتدميه ، وتجعل النفس تطلب العزاء والسلوى . 
فالحياة في عرفي ورود وأشواك ، فيها ورود النجاح الزاهرة الجميلة ، وهي ما أنشدها وينشدها كل مخلوق على هذه البسيطة ، كما فيها أشواك الفشل والإخفاق المؤلم البغيض الذي تتأفف منه النفس وتعافه ، فيها الطرقات السهلة المنبسطة التي يرتاح المرء في السير عليها بكل سهولة ، ويوجد المناطق الوعرة ذات الصخور الصلدة بأسنانها الحادة التي تدمي القدمين . 
وسط هذه المتناقضات وهذه التيارات المتضادة كنت أتلمس ورود النجاح وسط وخزات الأشواك والشجيرات البرية المؤلمة ، وأجابهُ صعوبات الحياة كما هي بخيرها وشرها ، بحلوها ومرها ، لا أهاب الردى ولا أخشى شرا ً ، فديدني فقط أن أفعل خيرا ً متى عز الخير ، وأشعل شمعة حيث يسود الظلام ، وأحفر بإمكانياتي المتواضعة موردا ً وسط السهول التي اعتراها الجفاف ، لأتمَّ مقاصد الله باستمرار في عمل الخير ، وليس لي من مطلب سوى ملكوت الله وبره ، وأتمسك بقول رسول الجهاد بولس (( انس ما هو وراء ، وامتد إلى ما هو قدَّام ))
لتكتمل مقاصد الله في هذه الدنيا التي لا ديمومة فيها ولا بقاء .                                                           

هناك تعليق واحد:

  1. كل عام وأنتم إخوتي بألف خير ، وكل الشكر والمحبة والتقدير للأخ الغالي الشاعر الكبير والإعلامي القدير الأخ شربل بعيني المحترم ، وتحياتي للأخ الأديب الكبير محفوض جروج الذي يتحفنا بدرره الثمينة وأدبه الرصين ، وأفكاره المثمرة بالخير والمحبة والسلام . مفيد .

    ردحذف