واضح بأن العرب ما زالوا يعانون من عقدة "الإرتعاش" السياسي في التعاطي مع أمريكا،وغير قادرين على التحلل والخروج من وعلى التبعية لها،حتى لو كان ذلك يتعلق بمصائرهم واوطانهم وحقوقهم وقضاياهم،والمس بهيبتهم وكرامتهم وقدسهم ومقدساتهم،فالإدارة الأمريكية اليمينية المتصهينة،والتي لا تخفي عدائها وكرها للعرب والمسلمين،ولكل شعوب العالم من غير الأصول الأمريكية،فقد وصلت الوقاحة برئيسها المتطرف ترامب وصف شعوب قارة بأكملها،القارة الأفريقية ب" الحثالة"،عندما اتخذت إدارتها ورئيسها قراراً ب "إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق" بإعتبار القدس عاصمة لدولة الاحتلال،والعمل على نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب الى القدس،كنا نتوقع ان ترتقي الردود العربية والإسلامية على هذا القرار الخطير الى مستوى حجم الجريمة المرتكبة،بخطوات عملية على الأرض،وليس عبر سلسلة مؤتمرات تعقد في هذه العاصمة او تلك،ليخرج عنها انشاء مكرر ولغو فارغ وخطابات حماسية تردد على منصاتها حول ان القدس خط احمر،ومسرى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وفيها قيامة سيدنا عيسى المسيح عليه السلام،وبأن قرار ترامب لاغي وغير شرعي،ولتنتهي ببيانات شجب واستنكار يجف حبرها مع إنفضاض تلك المؤتمرات،ويبدو اننا عندما كنا نتوقع ان تغادر الأنظمة العربية خانة بيانات الشجب والإستنكار كان هنالك في رؤوسنا كما يقول المأثور الشعبي "مية عتيقة"،فالنظام الرسمي العربي وصل مرحلة التعفن ولا يمكن ان يخرج منه سوى بيانات شجب واستنكار خجولة.
نائب الرئيس الأمريكي بينس الأشد تطرفاً في الإدارة الأمريكية،يأتي لزيارة مصر والأردن ودولة الإحتلال،لكي يروج لصفقة القرن الأمريكية،ويطلب منهما دعم المشروع الأمريكي،مشروع صفقة القرن،صفعة القرن،والتي عنوانها الأساس،اعتبار القدس عاصمة لدولة الاحتلال ونقل السفارة الأمريكية من تل ابيب الى القدس،ولتصل وقاحته حد اعتبار القدس عاصمة لدولة الاحتلال ،بأنها ستساعد على تحقيق السلام.
وكذلك ركز على تخويف وترهيب العرب من "البعبع" الإيراني عدوهم وعدو العالم الرئيسي،وهو الذي يشكل خطر على وجودهم وامنهم القومي،وليس اسرائيل،والتي يجب ان يتعاملوا معها بانها مكون طبيعي من جغرافيا المنطقة،ويقيموا معها علاقات طبيعية علانية،بل عليهم التنسيق والتعاون والتحالف معها،في قلب للحقائق وتبديل وتحوير وتزييف لأسس الصراع وقواعده من صراع عربي- اسرائيلي جوهره القضية الفلسطينية الى صراع مذهبي إسلامي- إسلامي ( سني- شيعي).
نحن ندرك تماماً بأن أمريكا تمارس ضغوطها على مصر والأردن والسلطة الفلسطينية من خلال ما تقدمه لها من مساعدات مالية،وكذلك ممارسة الضغوط الكبيرة والإملاءات على أدواتها المشيخات الخليجية برفض تقديم أية مساعدات مالية لها،ما لم توافق على صفقة القرن الأمريكية.
ما كنا نتوقعه عندما تصل المسائل حد الحقوق والمقدسات والهوية والكرامة والهيبة،ان يتم تغليب هذه القضايا على المصالح والإهانات والإملاءات والإشتراطات،فمصر هي الأولى برفض الخطة الأمريكية لأنها مستهدفة قطعة من أرضها لإقامة ما يسمى بالدولة الفلسطينية عليها،وقد عبر عن ذلك الرئيس الأمريكي بشكل واضح،وكذلك الأردن،المهدد دوماً بالوطن البديل،والذي عقد له اكثر من مؤتمر برعاية إسرائيلية- امريكية وكذلك حضور أمريكي- إسرائيلي،كان عليه رفض الخطة الأمريكية ورفض استقبال بينس،فالأردن الذي أدخلته مشيخات النفط الخليجية وفي المقدمة منها السعودية ضمن حلف ما يسمى بأصدقاء "أعداء" سوريا،لم تقدم له أي دعم مالي،بل مارست ضغوطاً كبيرة على ملكة عبدالله الثاني من اجل عدم الذهاب الى قمة التعاون الإسلامي في إسطنبول والقبول بصفقة القرن،ولنجد بأن السيسي الذي كنا نعتقد بأنه سيشكل حجر رحى في رفض الخطة الأمريكية،والإنطلاق منها لإستعادة مصر لدورها ومكانتها في قيادة الأمة العربية،لنجد بدلاً من ذلك رئيساً ًيتحدث عن ان الخلاف مع أمريكا هو خلاف بين أصدقاء،والأردن الذي يشهد حالة من الغليان الشعبي،والتي تنذر بالإنفجار على خلفية غلاء الأسعار بشكل جنوني،وجدنا ان ليس فقط يستقبل بينس،بل يعيد فتح سفارة دولة الاحتلال بعد اعتذار إسرائيلي منقوص عن قتلها لثلاثة مواطنين أردنيين دون وعد باعتقال القتلة ومحاكمتهم.
النظام الرسمي العربي وصل حد التعفن ولا امل بشفائه،ولذلك خطواته وقراراته لن ترتقي الى مستوى حجم الجريمة بحق القدس،ولن يلامس هموم ونبض الشارع ولا الجماهير العربية،التي يخشها اكثر ما يخشا اسرائيل،فلا سفارات أمريكية ستغلق ولا طرد للسفراء الأمريكان ولا عقوبات اقتصادية وتجارية بحق أمريكا ولا سحب للودائع العربية من بنوكها ومؤسساتها الإستثمارية،بل مزيداً من الضغوط والتطويع للسلطة الفلسطينية للقبول بالخطة الأمريكية لتصفية القضية الفلسطينية،والتي لا مناص امام قيادتها ليس فقط انهاء الإنقسام واستعادة الوحدة الوطنية،بل فتح الخيار الفلسطيني على أوسع وأرحب فضاء عربي- إسلامي دولي،يشكل حاضنة لحماية القرار والموقف الفلسطيني،ودعم حقوقه المشروعة،والأفضل للقيادة الفلسطينية ان تسشهد سياساً وتكون "كيم جونغ اون" عربي على ان تقبل بالمشروع والمخطط الأمريكي الذي يرقص له نتنياهو طرباً بالقول لأعضاء حكومته استعدوا فأمريكا ستطرح مشروعها للتسوية،صفقة القرن وسنفرضه على الفلسطينيون بالقوة وبموافقة أمريكية وعربية رسمية.
هذا المتطرف بينس الذي قال بأن حق اليهود في القدس قديم وطبيعي وموروث وأنه ليس لهم عاصمة غير القدس،يحظى بإستقبال غير مسبوق في دولة الإحتلال،فهو يشكل الداعم الرئيسي لحكومة الإحتلال،فيما تقوم به من عمليات تهويد وتطهير عرقي في القدس،وسن القوانين والتشريعات التي تهود الضفة الغربية و"تقبر" حل الدولتين بشكل يصفي القضية الفلسطينية بشكل نهائي.
سيمر وقت ليس بالقليل حتى يصحوا العرب ويمتلكوا ناصية قرارهم وإرادتهم السياسية،ولكن ربما يكون الوقت قد فات،بعد ضياع القدس وفلسطين وتقسيم اوطانهم وإعادة إحتلالها وتنصيب " نواطير" عليها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق