أنا لا أخشى السياسيين في لبنان. أخشى أتباعهم. فعندما تعارض أحدهم، ربما لن يعرف بمعارضتك. وإذا عرف لن يهتم. وإذا اهتمّ يضع على وجهه صورة الزعيم المتسامح، الديمقراطي، صاحب الصدر الرحب الذي يقبل الآخر. ويأمر أتباعه بالتصرّف. والاتباع يتصرَّفون. مرات كثيرة بدون أوامر لأنهم حفظوا دورهم. ومرّات بأوامر. يثورون. يهددون. يتوعدون. يحرِّضون. ينشرون الاشاعات والسموم. يكذبون. يضربون. يخطفون. يعذبون. ويقتلون. كل زعيم له ألف تابع وتابع يعضّ. أتباع الزعيم يرعبوني.
أعرف حكايات كثيرة عن زعيم ينضح بالشرف والأخلاق والوطنية، وشغوف بالمصلحة العامّة. ومعظمهم كذلك. إذا استشعر خطراً من أحدهم وأراد أن "يربّيه"، لا يذهب بنفسه، بل يرسل له عدة أتباع، متسترين بالظلام، ليعيدوه الى الطريق القويم. لا يكتفي الأتباع بارشاده وتحديد معالم الطريق بل ينتقلون الى كسر الذراع والاضلع وفجّ الرأس وزرع الوجه والجسم بالرضوض والبقع الزرقاء. مما يستدعي نقله الى المستشفى. وسرعان ما ترى الزعيم نفسه أول الزائرين ليطمئن عن صحة المضروب بأوامره. يستنكر أمامه ما فعله الاوغاد، وهم كذلك وهو على رأسهم، ويعد بمعاقبتهم ليكونوا عبرة لغيرهم، ويتبرّأ منهم ومن أفعالهم التي تضع رأسه في الوحل. ويضع خدماته بتصرف الضحية. ولا ينسى أن يعتذر عدة مرّات مما يُخجِل الضحية ويندم على معارضة هذا الزعيم الانساني النبيل. ويضع نفسه في خدمته من جديد. وفي المساء يوزع الزعيم الجوائز على أتباعه، ويضحك ملء شدقَيه لمخططه الذكي الذي أعاد هذا الضّال الى الحظيرة.
أعرف زعمياً آخر مرصّعاً بالشفّافية، مشهوراً بديمقراطيته، محاوراً لبقاً. يحترم الرأي الآخر، لا يؤمن إلا بالمؤسسات. ينبذ العنف. يلاحق الموضة ويؤمن بعمليات التجميل. انتقده أحدهم، وهو قريبه، فابتسم وسامح. في ليلة صافية طبَّ عليه بعض أتباعه. لم يضربوه. لم يعضّوه. بل نقلوه تحت الحراسة المشددة الى مدافن العائلة. وضعوه حياً طوال الليل في مقبرة مظلمة تنبعث منها الروائح النتنة كروائح أفعالهم. أغلقوا عليه الباب. ثم عادوا في الصباح وأطلقوا سراحه معززاً مكرماً مرتجفاً لبقيّة عمره.
وأعرف زعيماً آخر، معظمهم، كالوردة المحاطة بالاشواك. لا يتكلم الا عن العدل والقانون. يهاجم المليشيات والمرتزقة. يندد بأي اعتداء يقع على أي مواطن. يدافع عن الحريّات العامة والخاصة... يضع على جانبه قريباً له أو أحد الأتباع الاوفياء، شرط أن يتمتع بكل الصفات النتنة. لا يهمّه الا قانون زعيمه. لا يعرف الضمير أوالاخلاق. مستعد لتلبية الاوامر وتنفيذها بدقة متناهية، ويزيد عليها من عندياته في مواقف كثيرة. يكره الحريّة والمتحررين والويل ثم الويل لمن يتجرَّأ وينتقد الزعيم المفدّى. مهمته الرفس والعضّ والضرب والكسر والخلع والاشراف على عصابة تتمتع بالصفات نفسها والولاء نفسه للزعيم المفدّى.
أعرف زعيماً، معظمهم، لا يأكل إلا من المال الحرام، ولا يتكلّم إلا عن الحلال. يدافع في النهار عن المال العام، ويسكر مساءً بفوائد ما جناه من توظيف المنصب العام لحسابه وحساب الزوجة والعشيقة والاتباع.
أيها الزعيم! كل زعيم من النوع أعلاه، أتباعك لا يرعبوني! أشفق عليهم. انحطاطهم يرعبني. لا انسانيتهم ترعبني. وصولهم الى هذا المستوى دون الحيواني يرعبني. وصول لبنان الى هذا الافلاس يرعبني. وما يرعبني أكثر، أنكم تحكمون لبنان منذ وقت طويل بهذا الاسلوب، وستستمرون طالما أن الاكف ستستمر بالتصفيق لكم بدل من صفعكم أمام الجميع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق