الحضور اللبناني في العالم: العظمة.. والمأساة/ الدكتور فيليب سالم

دولتان صغيرتان في هذا الشرق لهما حضور مهيب في العالم: دولة اسرائيل، ودولة لبنان. فإسرائيل بناها يهود جاؤوا من كل بقاع الارض ليؤسسوا لهم وطناً في ارض فلسطين. أرض غير ارضهم. فقامت الدولة واصبحت الدولة دولة عظمى في الشرق، ودولة كبرى في العالم. عمر هذه الدولة سبعون سنة. سبعون سنة فقط وها هي اسرائيل اليوم تمتلك اكبر قوة في الشرق العربي الذي تغوص بلدانه في آلاف السنين من التاريخ. فما سر ذلك؟ السر يكمن في التنظيم الدقيق والتخطيط البعيد المدى الذي ترعاه الصهيونية العالمية والتي تجعل من الانتشار اليهودي في العالم قوة واحدة متماسكة لدعم اسرائيل. ان اسرائيل هي دولة عدوة لنا وتعتبر النموذج اللبناني المتعدد الحضارات خطراً وجودياً عليها. ولكن اليس من الغباء ان نرفض ان نتعلم من اعدائنا؟ فلماذا نحن اللبنانيين لم نتمكن من جعل هذا الانتشار اللبناني العظيم قوة داعمة للبنان؟ وهل نحن بحاجة الى تنظيم مثل الصهيونية العالمية، تعالوا نسميه اللبنانية العالمية؟ نعم. نحن بأمس الحاجة الى اللبنانية العالمية، مظلة ترعى لبنان المنتشر كما ترعى لبنان المقيم.

وتعالوا نفتش عن الاسباب التي حالت دون اللحمة بين الانتشار والوطن. وأولها ان الألم قد نجح في توحيد اليهود وتحريرهم من قشورهم، اما نحن، اربعون سنة من الحروب ولم يوحدنا الألم ولم يحررنا من قشورنا. وثانيها ان العوامل التي ادت الى مغادرة المنتشرين بلادهم والعوامل التي تهجّر اولادنا اليوم ما زالت هي هي. عدم الثقة بالدولة ؛ والشعور بان الفساد هو الحاكم الفعلي للأرض.

وثالث الاسباب ان اللبنانيين المنتشرين مثلهم مثل المقيمين مشرذمين بسلاسل النظام الطائفي الذي يقبض على العمل السياسي في لبنان. هذا النظام الذي يحدد هويتك بانتمائك الى دين او طائفة وليس بقوة الفكر والعطاء والابداع التي تحدد من انت. والسبب الرابع هو ان اليهود اكتشفوا أهمية الحفاظ على التراث. لقد تفاعلوا مع العالم الا انهم لم يذوبوا فيه. ونحن ! ماذا فعلنا بالتراث؟ لقد دفناه. لقد تعلمت انه لا يمكنك التواصل مع الارض والوطن دون الحفاظ على التراث. وللحفاظ على التراث يجب الحفاظ على اللغة. فمن دون اللغة يندثر التراث. من هنا أهمية تأسيس مدارس ومؤسسات لتعليم اللغة العربية وتعليم التراث، في الانتشار.

هم اسسوا الصهيونية العالمية. فتعالوا نؤسس اللبنانية العالمية. هذا الهيكل التنظيمي العالمي الذي يلملم الانتشار ويصقله، ويؤسس لوبيات في دول القرار لدعم لبنان. ولكن يجب ان نرسخ ثقة المواطن والمنتشر بدولته. هذا هو التحدي الكبير لهذا العهد وصاحب العهد.

ان الانتشار اللبناني في العالم هو عظمة كما هو طاقة لا حدود لها، ولكن المأساة ان هذه الطاقة تذهب هدراً. ان الجهود التي يقوم بها وزير خارجية لبنان في هذا المضمار هي جهود جبارة وهي مباركة. انها الخطوة الاولى في رحلة الألف ميل. ولكن هذا التحدي يتخطى الرجل الواحد، كائناً من كان هذا الرجل. لذا نطالب بإنشاء وزارة خاصة مستقلة للانتشار اللبناني. ولربما تكون هذه الوزارة من أهم وزارات الدولة. فهي على أهمية وزارة النفط في السعودية، كما هي على أهمية وزارة الفنون في ايطاليا.

ان الامبراطورية اللبنانية التي لا تغيب عنها الشمس، هي قوتنا وثروتنا. انها ملك لنا. تعالوا "نحافظ عليها كالرجال" كي لا نخسرها ثم نبكي عليها كالضعفاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق