شاكر فريد حسن يكتب عن استهداف المساجد والجبهة الثقافية

استهداف المساجد 
تسود حالة من الغضب والاستنكار الشعبي الفلسطيني العام على حادثة الاعتداء، أمس، على مسجد"حسن بك"في يافا، عروس البحر وعاصمة فلسطين التاريخية ابان الانتداب، واطلاق نار على مسجد"عمر بن الخطاب"في كفر كنا، قانا الجليل.

والحقيقة أن هذه الاعتداءات العنصرية ليست الاولى من نوعها في الاعتداء على حرمة المساجد وانتهاك أماكن العبادة، ولن تكون الأخيرة من نوعها في اطار سلسلة الاعتداءات الطويلة والمتكررة على المساجد والكنس في قرانا ومدننا.

وهي اعتداءات آثمة مرفوضة ومستنكرة، تستهدف المقدسات، وبغض الدوافع والأسباب النفسية الني ينطلق منها المعتدون، الا أن الأجواء العنصرية التي تغذيها المؤسسة الحاكمة  في البلاد وتحريضها اليومي على العرب وملاحقاتها السياسية للقيادات العربية وشرعنة القوانين العنصرية، كلها تعطي الذرائع والدوافع لمثل هذه الاعتداءات بل الى أكثر. 

ان الانتهاكات المتكررة للمقدسات والمعالم الاسلامية والمسيحية تتحمل مسؤوليتها الحكومة عمومًا، والشرطة خصوصًا، التي تتقاعس في هذا الشأن، مما يعطي للمجرمين والمتطرفين الضوء الأخضر لمواصلة اعتداءهم على مسجد مثل"حسن بك"لما يمثله من رمز تاريخي وديني ومعلم فلسطيني.

اننا اذ ندين بشدة ونستنكر هذه الأعمال والاعتداءات العمصرية الجبانة على حرمة مساجدنا ومقدساتنا، نحمل الشرطة وزر هذه الانتهاكات، حيث تقف متفرجة دون أن تلاحق الفاعلين، ودون لجم هذه الظاهرة الخطيرة، وتوفير الحماية والغطاء لممارسات عصابات المتطرفين، وندعو جماهيرنا العربية وكل القوى والفعاليات الوطنية والسياسية في مجتمعنا العربي الى حماية المقدسات وأماكن العبادة والمعالم الفلسطينية الباقية الصامدة الشامخة في يافا وحيفا واللد والرملة والقدس وجميع مدننا الفلسطينية، الشاهد الحاضر على جرحنا ونكبتنا ودليل على هوية المكان الفلسطيني التاريخية.
أهدي الأهل في يافا هذه القصيدة:
يافا يا مدينتي
جف دمعي
وانتحبت دماً
وأصبحت ذكراك
محمولة في القلب
والوجدان
كلما هتفت وغنيت لك
تذكرت العجمي
ومسجد البحر
ومئدنة حسن بك
وتساءلت بملء فمي
عن مرابعك
يوم رحلنا عنك
وهجرناك
وماذا تبقى من بيارات
برتقالك
كيف يبدو اليوم
حالك
فمتى سنعود
ونراك ؟
فصبراً يا أهلي
في يافا
مهما طال الغياب
وأرهقنا الفقر والجوع
وأتعبنا الانتظار
فنحن اليك يا يافا
عائدون
وراجعون
يا قبلة العشاق
وقصيدة الشعراء
ولحن الخلود
والبقاء
**
عن الجبهة الثقافية ودور الشعر في المعركة 
ما من شك أن الجبهة الثقافية هي جبهة مهمة ومركزية في المقاومة النضالية لأجل التحرر والاستقلال، ويلعب الشعر دورًا هامًا في مسيرة الشعوب ومعاركها الكفاحية الوطنية في مقاومة الغاصبين والمحتلين.
والاتجاه السياسي الوطني يقوم على معالجة ومحاكاة قضايا الوطن والشعب ويلتزم بها، ويلهب روح الحماس والوطنية في نفوس الشعب، وبث روح الأمل، وتوجيه الشعب الوجهة السليمة لمواجهة واقعه بصبر وبسالة.
وفي الأدب العربي والفلسطيني الكثير من الومضات والقصائد الشعرية التي تصف الواقع المعاش في ظل الاحتلال وتصور ممارساته القهرية اليومية ضد شعبنا في مخيمات البؤس والشقاء، وتدمغ الاحتلال بشتى النعوت والأوصاف.
وهذه القصائد تشتعل بكل معالم الانطلاق والشموخ  والاصرارية على التفاؤل، والقدرة على تجاوز الجراح ودون الوقوع في شرك البكاء واليأس.
والحقيقة أن الذي ساقني الى الحديث عن الجبهة الثقافية ودور الشعر في معارك السياسة والحضارة والتحرر الوطني، هو خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس في المجلس المركزي، حيث افتتحه بقصيدة الشاعر العراقي المغترب الثائر المتمرد مظفر النواب من ديوانه"وتريات ليلية"عن القدس، التي كان قد كتبها قبل حوالي اربعة عقود من الزمن، ويصف فيها الاحتلال بزناة الليل والسيالانات، حيث يقول:
القدس عروس عروبتكم
فلماذا أدخلتم كل زناة الليل الى حجرتها
ووقفتم تسترقون السمع وراء الأبواب
لصرخات بكارتها
بينما الشاعر المصري القومي أمل دنقل(١٩٤٠-١٩٨٣)، زوج الصحفية عبلة الرويني، صاحب قصيدة"لا تصالح"، التي تعتبر من أقوى القصائد التي كتبت ضد جهود السلام ومعاهدة كامب ديفيد، التي وقعها الرئيس المصري أنور السادات، ويصف فيها الاحتلال باللصوص:
لا تصالح
في الصلح الا معاهدة بين ندين
في شرف القلب لا تنتفض
والذي اغتالني محض لص
سرق الارض من بين عيني
أما الشاعر الفلسطيني الخالد، أمير قصيدة الثورة والمقاومة محمود درويش، فقد نعت المحتلين في رائعته الشهيرة"عابرون في كلام عابر"بالحشرات، فقال موجهاً كلامه لحكومة الاحتلال:
أخرجوا من أرضنا
من برنا من بحرنا
من قمحنا
من ملحنا
من جرحنا
هذا قليل من فيض وكم هائل مما كتبه أبرز وأهم الشعراء، في حين ان الكثير من شعراء الضفة الغربية وقطاع غزة وصفوا الاحتلال بالغول والوحش وغير ذلك.
وغني عن القول، ان الشعر الذي كتبه شعراء الثورة والرفض والمقاومة العرب والفلسطينيين، هو الشعر الذي سيعيد كتابة الزمن القادم، وعدًا ونشيدًا وأغنية، ومهما كانت الانكسارات شديدة وجارحة في هذا الزمن الصعب والقاسي، سيكون كما يريد الانسان الفلسطيني الأتي من عمق التاريخ الكنعاني، وكما يحب أن يكون، ولن يمل الانتظار.
**

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق