مرت ذكرى اغتيال الدكتور الدكتور حسين مروة ال٣١، وكأن شيئًا لم يكن، فالشهيد مروة لمن لا يعرفه أو يتجاهله باحث موسوعي عميق، ومفكر نقدي بارز، ولد في قرية حداثا جنوب لبنان، وسافر الى العراق لدراسة العلوم الاسلامية في جامعة النجف، وهناك بدأ اهتمامه بالكتابة الأدبية في العشرينات من القرن الماضي، حيث كتب المقالة والقصة والنقد والبحث، وبعض الأشعار.
شارك مروة في الحركة الوطنية عام ١٩٤٨كأديب واعلامي وناشط سياسي، واهتم بالفكر الماركسي منذ ذلك الحين، ثم عاد الى لبنان وواصل الكتابة الأدبية في زاويته"مع القافلة"بصحيفة الحياة حتى العام١٩٥٦، وبعد عودته الى بيروت تعرف الى فرج الله الحلو وانطون ثابت ومحمد دكروب، وانشأ معهم مجلة" الثقافة الوطنية"، وانضم الى صفوف الحزب الشيوعي اللبناني، وكان أحد قادته. وترأس كذلك تحرير مجلة"الطريق"الثقافية.
وفي شباط العام١٩٨٧اغتيل امام بيته وعلى مرأى من زوجته العجوز، برصاصات غادرة، واستهدفت عملية الاغتيال تصفية الفكر التنويري العلماني التقدمي الذي يؤمن به، قبل السياسة، ولم تشفع له شيخوخته ومرضه، لا لشيء، فقط لأنه يغرد خارج السرب الطائفي والمذهبي، وينتمي الى قوى خارج الاصطفافات الطائفية المتقاتلة والمتنازعة في لبنان.
أنجز حسين مروة كتبًا منوعة ترتكز على ثقافته الدينية والمادية، وخلق مزيجًا متينًا ليخرج للعالم الثقافي العربي احدى الدرر العقلية والتحف النقدية في الفكر الاسلامي، ونعني كتابه الموسوعي"النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية"، الذي أثار منذ صدوره جدلًا واسعًا بين الأوساط الفكرية والثقافية العربية، وشكل أحد العناصر الثقافية المهمة والمراجع الأساسية في العصر الحديث.
وهذا الكتاب الشمولي كتبه في الاساس كاسهام في معركة ايديولوجية وكسلاح معرفي في معركة فكرية سياسية طبقية راهنة، وبهدف انارة الوعي بالقضايا المطروحة وطنيًا وسياسيًا وثقافيًا.
وقد استطاع حسين مروة في هذا المؤلف أن يسحب البساط تحت أرجل اعتى قوة هيمنت على التراث العربي الاسلامي منهجًا وتطبيقًا، تلك التي تتمثل بالسلفويين الدينيين، وأسهم كذلك بشكل عميق في حل الوضعية الزائفة نظريًا معرفيًا والمشروعة تاريخيًا تراثيًا، وضعية القطيعة والغربة بين التراث الفلسفي العربي الاسلامي والمنهج الماركسي.
ويصح القول ان ما قدمه حسين مروة في انتاجه الفلسفي التأريخي كان الاعلان عن بداية جديدة في تاريخ موقف اليسار العربي من التراث العربي الاسلامي منهجًا وتطبيقًا.
فسلامًا لروح الشهيد د. حسين مروة، مفكرًا مبدعاً ، وكلنا امل ان يواصل مشروعه العلمي الثوري أحد التنويريين ، من الأجيال الجديدة المؤمنة بضرورة الوعي النقدي.
واذا كانت القوى الظلامية نجحت باغتياله جسدًا، فانها لم تنجح اغتيال فكره، وهو يتجدد بعد موته ويزداد توهجًا وسطوعًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق