احد السعف (عيد الشعانين)/ لطيف شاكر

  استخدم الفراعنة «جريد النخيل» ليكون ديكورات أسقف المعابد، وكان للنخيل أهمية خاصة عند قدماء المصريين، فكانوا يستخدمون البلح فى التحلية، أما من حيث الصناعة فكان يزين غالبية أعمدة المعابد، وفى بعض الأدوات أيضا. وقد وجدت بعضها ضمن مقتنيات توت عنخ آمون الموجودة بالمتحف المصرى مزينة بأشكال السعف، كما استخدموه فى الاحتفالات والأعياد كدليل للفرح والابتهاج. ففى الاحتفالات كان الأطفال والرجال والسيدات يمسكون بجريد النخل، وهو السعف وبالزهور تعبيرًا عن سعادتهم، وكان النخيل حاضرًا بقوة فى مدينة هابو فى عيد الوادى، فهو كان مخصصا ليتبارى فيه المزارعون فى عرض أنواع الزهور ومنتجاتهم.

وكان سعف النخيل الأخضر يرمز لبداية العام لأنه يعبر عن الحياة المتجددة، كما أنه يخرج من قلب الشجرة وكانوا يتبركون به ويصنعون منه ضفائر الزينة التى يعلقونها على أبواب المنازل، ويحملونها كذلك لتوضع فى المقابر ويوزعون ثماره الجافة صدقة على أرواح موتاهم، وما زالت هذه العادة حتى الآن خاصة فى صعيد مصر، كما كانوا يصنعون من السعف أنواعا مختلفة من التمائم والمعلقات التى يحملها الناس لتجديد الحياة فى العام الجديد  

قال البابا شنودة الثالث فى كتابه «أحد الشعانين»، إن كلمة شعانين عبرانية من «هو شيعه نان»، ومعناها «يا رب خلص»، ومنها الكلمة اليونانية «أوصنا» التى استخدمها البشيرون فى الأناجيل، وهى الكلمة التى كانت تصرخ بها الجموع فى خروجهم لاستقبال موكب المسيح وهو فى الطريق إلى أورشليم.  وأضاف: ويسمى أيضًا بأحد السعف وعيد الزيتونة؛ لأن الجموع التى لاقته كانت تحمل سعف النخل وغصون الزيتون المزينة، فلذلك تعيد الكنيسة وهى تحمل سعف النخل وغصون الزيتون المزينة وهى تستقبل موكب الملك المسيح.  ومن طقس هذا اليوم أن تقرأ فصول الأناجيل الأربعة فى زوايا الكنيسة الأربعة وأرجائها فى رفع بخور باكر وهى بهذا العمل تعلن انتشار الأناجيل، ومن طقس الصلاة فى هذا العيد أن تسوده نغمة الفرح فتردد الألحان بطريقة الشعانين المعروفة وهى التى تستخدم فى هذا اليوم وعيد الصليب. وفى كتاب «اللآلئ النفيسة فى شرح طقوس ومعتقدات الكنيسة» يقول: إن الكاهن يبارك أغصان الشجر من الزيتون وسعف النخل ويجرى الطواف الرمزى لتذكار دخول المسيح الاحتفالى إلى أورشليم، وسعف النخل يشير إلى الظفر وإلى الإكليل الذى يهبه الله للمجاهدين المنتصرين، أما أغصان الزيتون فتشير إلى السلام وعصيره يشير إلى القداسة، لهذا لما أرسل نوح الحمامة عادت وفى فمها غصن زيتون أخضر البوابة نيوز

يبدأ الاحتفال بأحد السعف مساء السبت الذى تطلق عليه الكنيسة «سبت لعازر» بشراء سعف النخل وأغصان من الزيتون، ويزينوها على شكل صليب، وإن كان الأب البطريرك أو المطران أو الأُسقف حاضرًا، يتقدّمه الشمامسة والكهنة وهم يحملون الشموع فى أيديهم مع سعف النخل وأغصان الزيتون.

 ورتبت الكنيسة عدة صلوات لها طابع خاص بأحد الشعانين؛ حيث نظمت تسبحة نصف الليل لعيد أحد الشعانين، ورفع بخور باكر عيد أحد الشعانين، والطواف داخل الهيكل وبعد انتهاء الدورة يقول الكاهن أوشية الإنجيل ويطرح المزمور قبطيًا ثم يقرأ الإنجيل قبطيًا وعربيًا. وتختتم الكنيسة بصلاة التجنيز العام، والغرض من عمل التجنيز العام فى هذا اليوم هو خشية أن يموت أحد من الشعب فى أسبوع الآلام فلا يجب رفع بخور إلا فى يومى الخميس والسبت، فهذا التجنيز فى الأربعة أيام التى لا يجب رفع بخور فيها، بل إذا انتقل أحد من الشعب يحضرون به إلى البيعة وتقرأ عليه الفصول التى تناسب التجنيز دون رفع بخور. وأمرت الكنيسة أن تصلى صلاة التجنيز على إناء عادى به ماء ويرش منه على المصلين،

تهتم الكنيسة بوضع أيقونة الشعانين امام المذبح و تتميّز أيقونة الشعانين بطابع الاحتفال والانتصار، فمنظر أورشليم البهيّ غالبًا ما يكون باللون الأحمر أو الأبيض، وألوان الثياب المنثورة على الطريق يضفى على الأيقونة طابع البهجة. وفى الأيقونة يبدو المسيح جالسًا على جحش يحنى رأسه إلى الأرض، ورجليه فى اتجاه واحد، وتهدف إلى توضيح تواضع المسيح ووداعته وهو يُبارك شعبه، ورأسه ملتفت إلى خلف باتّجاه تلاميذه الذين يتبعونه. وأيضًا يرمز الحيوان إلى بهيمية الأمم التى رفعها السيد وجعلها تسمو، بينما فى أكثر الأيقونات الغربية يركب مثل الفارس على حصانه، وهذا يبدو واضحًا فى الكثير من الأيقونات الروسيّة؛ حيث يُستعاض عن الجحش بالحصان، لأنّ الجحش لم يكن حيوانًا معروفًا فى تلك البلاد.

 أمَّا الأطفال فتبدو عليهم علامات الفرح، وعيونهم مع حضور الرب تدعو للتمثّلْ بطُهرهم البريء وفى أيديهم يحملون سعف النخل وأغصان الزيتون، فقديمًا كانوا يستقبلون الملوك عند عودتهم من الحرب ظافرين، ولذلك استقبل الشعبُ المسيحَ الراكب على جحش على أبواب أورشليم كغالب للموت، وساحق للخطية ومُحطم للشيطان.

والاطفال مع والديهم   يهتمون بعمل اشكال متعددة باغصان السعف بجدلها  مثل الحيوانات والورود والاكاليل والصلبان وشكل الحلي والملابس ويستغرق هذا طول ليلة احد السعف , وكان الاباء يقدمون السعف بعد جدله الي الاطفال الذين فقدوا احد والديهم ليجليبوا لهم الفرح

القبض علي من يحمل سعفا

يقول المقريزى (1365-1442)فى كتابه «المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار» عن احد الشعانين ويسميه عيد الزيتونة ربما يرجع الاسم لاستقبال السيد المسيح بالزعف واغصان الزيتون

"عيد الزيتونة:ويعرف عندهم بعيد الشعانين، ومعناه التسبيح. ويكون في سابع أحد، من صومهم. وسنتهم في عيد الشعانين أن يخرجوا سعف النخل من الكنيسة. ويرون أنه يوم ركوب المسيح العنو،(وهو الحمار) في القدس، ودخوله إلى صهيون وهو راكب،

والناس بين يديه يسبحون، وهو يأمر بالمعروف، ويحث على عمل الخير، وينهي عن المنكر، ويباعد عنه. وكان عيد الشعانين من مواسم النصارى بمصر، في كنائسهم. فلما كان لعشر خلوان من شهر رجب، سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة، كان عيد الشعانين، فمنع الحاكم بأمر الله أبو عليّ منصور بن العزيز بالله النصارى من تزيين كنائسهم، وحملهم الخوص على ما كانت عادتهم، وقبض على عدة ممن وُجد معه شيئًا من ذلك، وأمر ما هو محبَّسٌ على الكنائس من الأملاك، وأدخلها في الديوان، وكتب لسائر الأعمال بذلك، وأُحرقت عدة من صلبانهم على باب الجامع العتيق"

كل عام والعالم كله بخير وسلام 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق