وصف الاديب اللبناني الراحل، سعيد تقي الدين، الرأي العام بالبَغْل. وإذا كان كما وصفه فلماذا لا يلبط ؟ ولماذا لا يثور ويُسقِط عن ظهره هذه الطبقة السياسية الفاسدة بكلطوائفها ومذاهبها؟ مَن ينظر الى فساد هذه الطبقة السياسية، يعتقد ان وقت الانتخابات هو الوقت الملائم لهذا الرأي العام لينزلها عن ظهره. ومن يعش ليوم 7 أيار 2018 يرً أن هذه الطبقة ستعود أقوى مما كانت. فهل تصحّ صفة البغل للرأي العام؟
فللنناقش الموضوع. هذا نائب أمضى عقوداً كثيرة في المجلس. ركب على ظهر أتباعه طوال هذه المدة. مرة باسم 14 آذار، فباعنا مواقف سيادية مدفوعة الثمن سلفاً. ومرة باسم 8 آذار وباسم المقاومة والصمود والتصدي وبكامل الاتعاب أيضاً. ومرات باسم اليمين، أو اليسار أوالوسط ، أويسار وسط اليمين. مرة باللون الاصفر واخرى البرتقالي. ومرة بالازرق أو الابيض أو الاحمر او الاخضر أو البني والاسود والليلكي. ودائما بِلَونٍ لكل يوم. وربما يستعمل كل الالوان في يوم واحد. والبغل جاهز للنقل ولا يسأل عن تغيّر ألوان راكبه. وذاك باسم العائلة والعشيرة والمذهب والطائفة او باسم الوراثة واكمال رسالة الاباء والاجداد الذين لم يبنوا لنا وطنا. وبين ركام الوطن وقرب تلال النفايات يتغندر الزعيم على ظهر الرأي العام المخلص.
فلماذا لا يلبط هذا الرأي العام إن كان بالفعل بغلاً؟ ولماذا يتفاخر بأنه مركوب كل عمره؟ هكذا يتساءل الرافضون لمقولة تقي الدين. يرد المؤيدون: ربما السبب في تكوين البغل نفسه. فالبغل حيوان هجين. هو ثمرة تزاوج بين الحمار والفرس. ورث عن أبيه الحمار الصبر والحمرنة. أي انه مهما قسوت عليه فهو صابر. وهل أقسى من الظروف التي يمرّ بها الرأي العام اللبناني؟ ومهما سرقت من أموال عامة لن يفهم انها تُسرق من أمامه ومن أمام مستقبل أولاده. وورث عن امه الفرس القوة والصلابة الجسدية. وإلا كيف يستطيع أن يحمل أثقال هذه الطبفة السياسية كل هذا الوقت ولا يتعب؟ والبغل خُلق أصلاً للطرق الجبلية الوعرة. ففي كل جيش كان هناك فرقة خاصة للبغال تتسلق أضيق الطرق الجبلية وأصعبها وهي تحمل أثقل المعدات. أما الان فالرأي العام البغل امتد من راس الجبل الى فقش الموج. هم يسرقون وهو يدافع عن اللصوص، ويعيد انتخابهم. وعلى ظهر الرأي العام تمّ نقل كل المسروقات.
ويضيف المؤيدون: يتصف البغل بالعناد. يصر أن راكبه هو الاقضل ليقودنا الى مستقبل أقضل. لذلك لا ينزله عن ظهره. رغم أننا جرَّبنا راكبه لدورات عديدة، ورغم أن لبنان أصبح من الدول التي لا مستقبل لها مع هذه الطبقة السياسية. يقول أحد الاختصاصيين بالعقليّة البغَّاليّة أنّ لا عناد بالموضوع بل هي قضية عدم فهم. فالبغل لغةً من الامهرية / الحبشة. وراكبه يتكلم معظم اللغات الغنية الا الامهرية الفقيرة. فكيف يتفاهم الراكب والمركوب؟
وإذا شعر البغل أنه مظلوم، رمى بالحمل عن ظهره وانتحر برمي نفسه من فوق الجبل. وهذا منتهى الحمرنة الموروثة عن أبيه. فبدل أن يرمي راكبه من فوق الجبل وينجو بنفسه، نراه يضحّي بنفسه وينقذ من كان السبب في تعاسته.
صفة اخرى من صفات البغل أنه يعمّر طويلا. أي أنه لا أمل لنا أن نرى ، على أيامنا، هذا الرأي العام حراً. أما صفة العقم عند البغل فلم أستطع استيعابها. وهي تُسقِط نظرية سعيد تقي الدين بالضربة القاضية. فإذا كان البغل لا ينجب، فكيف استمرّ الرأي العام، بحمل هذه الطبقة السياسية، وورثتها، طوال هذه الاجيال؟
لقد أخطأت يا صاحب رواية "نخب العدو". فأنا أحد أفراد هذا الرأي العام، وأنا لست بغلاً. رغم أني، في مراتٍ كثيرة، تتملكني الرغبة في لَبْطِ هذا الطقم السياسي وكسر كل أسنانه. وأحسن فرصة للبطه هي الانتخابات القادمة. ولكن نسيت صفته الاساسية التي ورثها عن أبيه الحمار، فهو مسالم وصبوووووور. أي أن هذه الطبقة السياسية لن تنزل عن ظهرنا في المدى المنظور.
المضحك المبكي، يا صديقي سعيد، وما يؤكِّد نظريتك، أنك لو سألت هذا الرأي العام من هو أبوه؟ لأجاب: الحصان خالي!
ضحك الاديب الساخر وقال: بعد شهر بالتمام من اليوم هو موعد الانتخابات النيابية. وستتأكد بالنتائج، وفي كل المناطق، أن الرأي العام البغل لا يلبط. ستتغير بعض الاسماء ويحل محلها أسماء من القماشة نفسها. ستعود الطبقة السياسية أشرس مما كانت: أنيابها جاهزة، معدتها التي طحنت حتى الصخور وابتلعت حتى الاملاك البحرية تستعد للارتواء بنفطه الآتي، ولن ترتوي. واختنق صوت ابن بعقلين الشامخة وهو يؤكِّد: الرأي العام بغل حتى اشعار آخر.
سدني في السادس من نيسان 2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق