صَفَحاتٌ من سِفْرِ التكوين/ د عدنان الظاهر

مِنْ جذعِ النخلةِ يدّلى رأسٌ مقصوفا
إثرَ الحصبةِ في حربِ الطاحونةِ والجُدَريِ
والضغطِ العالي والسُكّر والحُمّى
عاصفةٌ مرّتْ هدّتْ مقبرةً للموتى
قالوا حرْبا
ضاعتْ فيها آثارُ مقابرِ أهلي 
في وادي سلامٍ مسقوفٍ بالبردي
فصلوا فَرْعاً غضّا
لم يتركْ في الدُنيا إلاّ
أرملةً فقدتْ نورَ الجذوةِ في شُعلةِ مُقلةِ عينيها
وجنيناً يتخبّطُ في بطنِ الحُوتةِ حيّا
أقفلتُ البابَ أمامَ شراراتِ الطاغوتِ المُستشري
قلّبتُ التأريخَ الهِجريَّ مَليّاً سِفْراً سِفْرا
لم أفهمْ شيئا
لم أعثرْ في صدرِ الناجي سرَّ غيابِ الأختِ الصُغرى
قالوا شَرِقتْ .. طافتْ في بئرٍغرقى ...
أسلخُ جِلْداً مدبوغاً مِلحا
البحرُ مقالعُ أملاحِ الطبِّ البيطاري
أسلخُ أعواماً بيضاً ـ سودا
أتبرأُ منها ضوءاً ظِلاّ
ما كُنّا أنداداً أصلا 
مرّتْ مرَّ السيارةِ في أضلُعِ أنفاقِ الصدرِ
عَبَرتني جسراً مَلَكيّاً ـ جُمهوريّا !
يمشي تأريخي من بين القُضبانِ وئيدا
يحملُ أوزاري طنّاً طنّا
يسقطُ في تنفيذِ بنودِ الشرطِ   
ينسى بئراً أضحى قبرا
ينحَتُني مِنْ مُرِّ المرمرِ عَظْما
صَنَماً مِسْخا
يسألُ مَنْ قصَّ حَراكَ لساني
مَنْ أقحمَ عنواني في بابِ الصمّامِ 
يا مَنْ يا مَنْ ...
إسألْ مقتلةَ الكوفةِ في نخلةِ تعليقِ الأبدانِ عرايا
جَسَدُ الإنسانِ حريقٌ مُنشقُّ
ينسفُ بعضٌ بعضا ...
أحداثٌ شتّى مَرّتْ عجلى
سُفُنٌ أغرقها طُوْفانُ الطاغي
قَصَباتٌ أتلفها بُرْجُ لهَيبِ الفحمةِ في تصريفِ دُخانِ الصدرِ
مرَّ الصيفُ ومرَّ شتاءٌ مُرٌّ مُرُّ
البردُ القارصُ أسقطني مِنْ سُلّمِ عالي أسناني 
قتلتني حُمّى صفراءُ
سَقَطتْ آجُرّاتُ البيتِ تِباعاً
داستْ عجلاتُ السيّارةِ أصحابا
ضاقتْ أنفاسي في ماءِ النهرِ غريقا
قتلوا " غازي " مخمورا
( ماتْ غازي يا غريبْ اذكرْ هَلَكْ / المُلاّ عبود الكرخي )
فرَّ القاتلُ سِرّا
وجدوهُ مقتولاً ليلا
القاتلُ ـ كالعادةِ ـ مجهولُ !


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق