ما حصل بالامس اثناء تشييع جثمان الشهيد الشاب مهند ابو طاحونة ابن مخيم النصيرات بقطاع غزه هو كاف لكي يقف كل فلسطيني وطني صاحب ضمير حي وانساني وان يصرخ بكل ما اوتي من قوة وطاقه بوجه طرفي الانقسام فتح وحماس…يكفي…يكفي
لقد نخر الانقسام في الجسم الفلسطيني وعبث به وها هو يصل النخاع الشوكي وينهش به وجماهير الفصيلين تصفق فرحاً… بدأ الانقسام سياسي وبعدها تحول الى انقسام جغرافي واجتماعي بكل ابعاده وأصبحنا نتعامل مع واقع دولتين في وطن واحد…فتحستان في رام الله وحمستان في غزه. وها نحن بالامس كنّا شهداء على الانقسام الذي وصل الى القبور والموتى…
أطراف الانقسام لم تعد تحترم حتى الموت والشهاده ولا تعمل حساب لذوي الشهداء ومصيبتهم لفقدان غالي عليهم…همهم الوحيد اصبح التعصب الفئوي الذي تحول الى شبه دين ولَم يعد انتماء سياسي كما عهدناه بالعقود الماضيه.
بالامس امتنع القائمون على مسجد الشهداء في مخيم النصيرات من الصلاه على جثمان الشهيد المرحوم مهند ابو طاحونه لانه موشح براية حركة فتح وهو، كما تدعي حماس، كان عنصراً فاعلا في صفوفها لكن اخوانه ارادو ان يوشح جثمانه براية فتح…وطلب من والد الشهيد ان يزيل راية فتح ويضع راية حماس على الجثمان قبل بدء الصلاة…الوالد رفض ورفض القائمون ان يُصَلى على الشهيد في الجامع وتمت الصلاه على المرحوم في الشارع…
لا اعرف ما تشعرون عند قراءة هذا الأسطر لكني أشاطركم وبصراحة اخوية فلسطينيه انني صرخت غضبا وحقدا على هؤلاء العميان ودمعت عيناي حزنا على شاب في بداية عمره وحزناً على اب اُغْتُصِبَت مشاعره من فتح وحماس…
نعم وصلنا بالانحدار السريع منذ بداية الانقسام وحتى الان الى أسفل درجات الانحطاط الوطني ولَم تعد البيانات ولا النداءات ولا مناشدة الضمير الوطني الحي عند أهل طرفي الانقسام تجدي نفعاً…طرفي الانقسام الذين لا يعرفون حدود صراعهم…أصبحوا ليس فقط عبءاً على الوطن والشعب والقضية بل أصبحوا ايضاً عديمي الانسانية والشعور…
مناضلونا أسرانا وجرحانا وشهدائنا كلهم اولا وأخيراً أبناء شعب فلسطين … ناضلوا وانسجنوا وانجرحوا واستشهدوا من اجل تراب الوطن وكرامة شعبه وحريته وتقرير مصيره…احدا لا يستشهد من اجل فصيل أو زعيم أو رئيس في مكتب فخم هنا أو هناك…
يخطيء من يعتقد ان المتاجرة بالشهداء والجرحى والاسرى ومحاولة تجيير عذاب اهلهم من اجل مصالح فئوية ضيقه حكراً على حركتي فتح وحماس. كل الفصائل الفلسطينيه تقوم بهذا العمل المخجل…وتتسابق فيما بينها لاصدار الملصقات وإخراج النداءات والمناشير باستشهاد أو أسر احد من تدعي انه من عناصرها حتى ولو كان هذا المناضل بعيد عنها أو حتى لا ينتمي لها…والصراع الذي حصل بالامس في مخيم النصيرات لم يكن الاول من نوعه ولن يكن الأخير للاسف في بيئة سياسية فلسطينيه مفلسة ولَم يعد بأيديها سوى التجارة بدم الشهداء وعذاب وحسرة اهلهم …
هذه التجارة الفصائلية بالأرواح والمصير هي ترسيخ لانقسام فصائلي يجهش في الجسم الوطني الفلسطيني منذ عشرات السنين وأصبح الان انقسام طولي وعرضي لا يمكن تجاوزه الا اذا تحرك الشارع الفلسطيني وثار امام هذه المتاجرة ورفع راية الوحده في كل شارع ومدرسة وجامعة وكل بلد…
شعارنا فلسطين وارضنا فلسطين وانتمائنا الاول والأخير لفلسطين الارض والوطن والشعب… احداث مخيم النصيرات تدل بشكل صارخ على افلاس القيادات السياسيه وعلى اضاعتها للبوصلة ومناشدتهم لتجاوز الانقسام أصبحت للاسف أشبه برفع العتب ليس الا…
صدق الشاعر التونسي ابو القاسم الشابي عندما قال:
إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر
قدر شعب فلسطين ان يمر بهذا المرحلة العويصة وان يعيش في ظل نظام سياسي متهلهل تقوده قيادات سياسية لم تعد تؤمن بقوة الشعب وإمكانياته… وهمها الوحيد اصبح التزين بدم الشهداء وعذاب الجرحى والاسرى وذويهم ليس الا…لكن أبدا ليس بقدر شعب فلسطين، هذا الشعب الذي تحدى منذ قرنين ونيف وما زال يتحدى اخطر وأشرس انواع الاجرام الحربي والسياسي المنظم ضده، ان يستسلم للامر الواقع وينتظر اندثاره… الان نحن امام مفترق طرق كبير وخطير وكما قال المثل الفلاحي: "ما بحك جلدك الا ظفرك" علينا ان لا نستسلم للقدر …علينا ان نتحدى العقبات وان نأخذ بقول الشاعر التونسي:
وَمَنْ لا يُحِبّ صُعُودَ الجِبَـالِ يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَـر
الحفرة التي أعدت لنا بالانقسام وعملت أطراف فلسطينيه أساسية على ترسيخه وتجذيره بالواقع الفلسطيني …يجب علينا أفراد وفصائل شيوخ وشباب نساءاً ورجال ان نغلقها بايدينا… التمني بان طرفاً عربياً أو اجنبياً سوف يساعدنا على تخطي هذا القدر ما هو الا سراب ووهم…
تجارب الشعوب تعلمنا ان الفرج يأتي من الذات ومن قناعة الذات بقدراتها وامكانياتها…
شهداءنا هم شهداء شعب فلسطين وأرض فلسطين نكرمهم بلف جثمانهم بعلم هذا الشعب العريق ونزين صورهم بخارطة فلسطين وعلم فلسطين…علمنا الوحيد وانتمائنا الوحيد ولا وألف لا للمتاجرة الفصائلية بدم الشهداء الطاهر والتلاعب بمشاعر ذويهم واستغلال حزنهم ومصيبتهم بفقدان فذة قلبهم من اجل مصالح فئوية ضيقة بعيده عن الانسانية والذوق الوطني…
لك مهند ابو طاحونة ولأهلك ننحني اجلالا وتقديرنا لتضحياتكم وخجلاً من أنفسنا ومن فصائلنا … كان لك الشرف شهيد فلسطين مهند ان يُصَلى على جثمانك على تراب فلسطين الغالي وليس في مسجد سماها الرب العالي بيت الله وجعلوه رمز لترسيخ التفرقه بين الأهل والشعب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق