لا تكْذبي/ د عدنان الظاهر

( أُغنية ... شعر نزار قباني ولحن محمد عبد الوهاب )
أولاً : مع الشاعر
نعم... مع الشاعر الراحل نزار قباني ..
نزار الذي عرفناه ديك الجن الحمصي والدون جوان الدمشقي والسلطان العثماني عبد الحميد والمستبد المتعالي في قصيدة " إلى أجيرة " و " حبلى " و " بدراهمي ... " و سالخ جلد النساء وباني إهرامات من حلماتهنَّ  ... نزار قباني هذا يكشف نفسه في هذه القصيدة إنساناً ضعيفاً مُستخذيّاً مُستجديّاً يسفح الدموع :
ماذا أقولُ لأدمعٍ سفحتها أشواقي إليكِ
 ويمزّق الضلوع :
ماذا أقولُ لأضلعٍ مزّقتها خوفاً عليكِ
والشرطي السريّ يتجسس على مَنْ يُحب ويهوى كأي عنصر أمن ومتابعة حقير وضيع :
إني رأيتكما
إنّي سمعتكما
عيناكِ في عينيهِ في كأسيهِ في قدميهِ ...
فأين الدون جوان الدمشقي عاشق بلاد الأندلس وأين ديك الجن الحمصي وأين عنتريات السلطان العثماني عبد الحميد وحريمه ( أو حميره ! ) ومتّكأه التركي ؟ أين نزار حسين كربلاء وجموح سلطان بني أُميّة في دمشق؟ أين الشاعر الدبلومسي الذي اشتطَّ وأسرف في حبّه لعاصمة مستعمرينا الإنكليز ؟ أين وأين وأين ؟
ثانياً : مع محمد عبد الوهاب
أخطأ عبد الوهاب إذْ اختار المطربة نجاة الصغيرة لتؤدّي لحنه هذا " لا تكذبي " ... فالقصيدة أساساً شكوى رجل عاشق تخونه حبيبته أو صديقته وتتركه لتنصرف إلى رجل سواه، أيجوزُ أنْ تؤدّي امرأةٌ هذا الدور وهو في الإساس موضوع لسواها ... لرجل ؟ ثمَّ .. لما نجحت الأغنية بصوت السيدة نجاة الصغيرة غنّاها محمد عبد الوهاب بصوته فنجح في أدائه كما نجحت نجاة قبله. أظن أنه دخل بسبب هذه الأغنية مع نجاة في شكاوى ومحاكم لأنه خالف العقد .. أو كان الخلاف حول الأغنية الأخرى الأسبق منها " كل ده كان ليه " ؟
كان المفروض أنْ يغنيها مطرب آخر للأسباب الآتية : يجب أنْ تؤدّى هذه الأغنية بصوت رجل لا بصوت أنثى. لا يصلح عبد الوهاب أساساً لأَداء هذه الأغنية لأنَّ هذا بلا تجربة رومانسية حقيقية عُرفت عنه أو عُرف بها. لديه تجربة زواج فاشل إنتهى إلى طلاق. ولديه زوجة ثانية وكانت الختام لم يتغزلْ بها ولم يقدّمْ لها لحوناً رومانسية خاصة بها وموهوبة لها فقط. إعتزل ولّحن لأم كلثوم ووردة وكفَّ عن عالم الفن إلاّ نادراً.
إذاً لا يصلح عبد الوهاب لأداء هذه الأغنية فالرجل مُعتزل وكبير السن وليس في صوته شَجَن واضح وعاطفة قوية مؤثّرة فما الحل وما هي البدائل ؟
ثالثاً : عبد الحليم حافظ
كان هذا الخيارُ ناجحاً موفّقاً جدّاً جدّاً إذْ كان عبد الحليم ما زال شاباً وفي صوته نغم وطعم وشَجَن ثم كان مُستغرقاً في رومانسيات حقيقية عميقة منها ما كان مع الفنانة شادية ثمَّ ناديّة لطفي التي أبدعت أمامه في تمثيل أحد الأفلام ولا سيّما الدور الذي لعبت في تصوير وتسجيل أغنية " جانا الهوى جانا " ... وأخيراً قصته وشائعات زواجه من الفنانة الرائعة سعاد حسني وهي أخت نجاة الصغير.
أبدع عبد الحليم في أداء أغنية " لا تكذبي " وبزَّ الإثنين نجاة الصغيرة وعبد الوهاب خاصةً في أدائه وتكرير مقطع " ماذا أقولُ لأدمعٍ سفحتها أشواقي إليكِ // ماذا أقولُ لأضلعٍ مزّقتها خوفاً عليكٍ " إنه يذوب ويختفي في هذا المقطع أمام نفسه وأمام جمهور سامعيه فلنطلْ النظر في مشاهدة ومتابعة هذا المقطع بالذات من أغنية " لا تكذبي ".
تعقيب لاحق :
1ـ سبق وأنْ نشرت مقالتين عن فريد الأطرش قبل ما ينوف على العقد والنصف وكان التركيز على أغنية " بساط الريح " لفريد.
2ـ ثم كتبت مقالة حول مغزى ذِكْر أسماء الأعلام في الأغاني العراقية والعربية
3ـ ونشرت مقالة حاججتُ فيها بعض كلام أغنية " حركت الروح " للراحلة الفنانة عفيفة إسكندر وكلمات المرحوم سيف الدين ولائي.
4ـ وأخيراً نشرت مقالة إعترضتُ فيها على بعض ما جاء في قصيدة " عِشْ أنتَ " للأخطل الصغير بشارة الخوري التي غناها فريد الأطرش فأجاد وأبدع.
أقولُ هذا الكلام منعاً للإلتباس فلقد شرع البعض في هذه الأيام بالكلام عن الإيقاع وما شابه ذلك في بعض الأغاني العراقية. إنه توضيح مني وإجراء إحترازي لئلاّ يتخبط الذين في قلوبهم مرض ويدّعي أنّي حذوت حذوهم أو جاريتهم أو أخذتُ منهم أو تأثّرتُ بهم فحاشا ثم حاشا فإنني السبّاق وهم التالون وإني الصوتُ وما هم إلاّ الصدى كما قال المتنبي.
ما رأيُّ السادة القرّاء خاصة ممن يستهويهم النَغَمُ ويستخفّهم الطربُ ؟ أقصد مواقفهم من أغنية " لا تكذبي " ومواقفي النقدية منها ومّنْ هو أفضل مِنْ أداها ؟
**
الغربة: أغنية لا تكذبي من تأليف الشاعر المصري مامون الشناوي وليس الشاعر نزار قباني، وقد أعلمنا الدكتور الظاهر بذلك فوافق على أن الأغنية للشناوي، لذلك اقتضى التنويه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق