وسط حالة الأفق المسدود التى تمر بها الحالة الفلسطينية هذه الأيام بعد تبدد الآمال فى إنهاء الانقسام؛ خاصةً بعد المحاولة الفاشلة لاغتيال رئيس الوزراء وما تلاها من إنهيارات فى ملف المصالحة، وإضافة إلى الأوضاع المأساوية فى قطاع غزة وحالة الانهيار والشلل على كل صعد الحياة فيه؛ وما آلت إليه مسيرات العودة من خيبة أمل للشارع الفلسطينى، والتى تترافق مع حالة من الشلل السياسى على كل المستويات فى مواجهة عملية لما ينفذ على الأرض من مراحل مدروسة لما بات يعرف بصفقة القبر(صفقة القرن)، والتى من الواضح أنها تقطع يوم تلو الآخر أشواط مهمة نحو ترسيخ واقع التسوية بمعالم ملموسة على الأرض؛ فبعد تنفيذ قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ومرور الخطوة مرور الكرام على العالمين العربى والاسلامى دون ردة فعل مساوية لجسامة الحدث؛ ورغم ما رافقه من جرائم ومجازر إسرائيلية بحق المتظاهرين المدنيين العزل إلا أنه من الواضح أن الصفقة تسير بخطى ثابتة ومدروسة ومنسقة بشكل مُحكم، ومن الواضح أن الفلسطينيين باتوا اليوم وحدهم فى الميدان يواجهون قدرهم فى لعبة إمبراطورية دولية لتقاسم النفوذ الدولى فى المنطقة، وتبدو صفقة القرن جزءً لا يتجزأ من ترتيبات ذاك التقاسم الذى يراد له أن يستمر لعقود قادمة.
وقد نبدو نحن الفلسطينيون الحلقة الأضعف فى تلك الترتيبات إلا أنه ورغم إدعاء المندوبة الأمريكية فى مجلس الأمن أن الرفض الفلسطينى للصفقة هو أمر ثانوى وكذلك وجهة نظر حلفائها إلا أن حقيقة الأمر أن التوقيع الفلسطينى هو أمر حاسم وحيوى لتمر تلك الصفقة، ومن هذه الزاوية تحديدا يمكننا أن نفسر ردة الفعل عربيا وإسلاميا ودوليا على مجزرة غزة الأخيرة ونقل السفارة الأمريكية للقدس، فهى رسالة واضحة وعملية لكل صوت فلسطينى يعارض إما القبول أو السكوت، وشاهدنا كيف نفذت إسرائيل إسكات غزة بوحشية وبطش جيشها الفاشى بقتل ما يزيد على 112متظاهر مدنى؛ وجرح ما يزيد عن 13ألف منهم منذ بداية مسيرات العودة والتى انطلقت منذ يوم الأرض فى 30 مارس من هذا العام.
واليوم هذا الصمت وحده لم يعد بالأمر الكافي لتمر الصفقة؛ فالمطلوب هو القبول الفلسطينى والواضح أن القيادة الفلسطينية قد حسمت أمرها وأعلنت باكرا أن الصفقة لن تمر؛ وأن الولايات المتحدة لم تعد وسيط لأى عملية سلام كونها أصبحت طرفا فى الصراع من خلال خطوة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل؛ وعليه فقد أصبحت القيادة الفلسطينية عقبة كبرى فى وجه صفقة القرن؛ كما كان الرئيس الراحل ياسرعرفات عقبة أمام صفقة مشابهة قبل عقدين من الزمن؛ ولكن ثمة اختلاف فى أبعاد كلا الصفقتين فصفقة ترامب اليوم تمر كجزء من ترتيبات إمبراطورية فى المنطقة؛ بعكس صفقة كلينتون فى كامب ديفيد2 والتى لم تكن بتلك الأبعاد الاستراتيجية الاقليمية والدولية لصفقة القرن، وعليه اغتيل الشهيد أبو عمار فى ظروف غامضة بعد أن قررت الولايات المتحدة وإسرائيل أنه أصبح عقبة فى طريق السلام، وعليه فلن يتفاجأ أحد بمرض الرئيس الفلسطينى، ولن يكون مفاجئ قط أى تدهور مستقبلى على صحته فى ظل عزم وإصرار ترامب على تمرير الصفقة وإزاحة أى عقبة أمامه.
ولكن خطورة الوضع اليوم هى أضعاف ما كانت عليه قبل 14 عام؛ فغياب الرئيس اليوم فى ظل ضبابية خلافته والانقسام الفلسطينى سيوفر لإسرائيل والولايات المتحدة الوقت الكافى لتمرير صفقة القرن بخطوات عملية مضطردة على الأرض وسط انشغال الفلسطينيين فى صراعاتهم الداخلية فى مرحلة ما بعد أبو مازن، والتى لن تكون قطعا كتلك التى كانت بعد الراحل أبو عمار نظرا لحالة الانقسام الفلسطينى القائم؛ وهو ما سيكون كفيلا بأن يُسكت الفلسطينيين عن قول لا لصفقة القرن وسط صراعاتهم الداخلية التى لن تدخر إسرائيل جهدا فى تدعيمها وتحويلها لحرب أهلية فلسطينية على السلطة؛ ولن يستفيق منها الفلسطينيون إلا وصفقة القرن قد مرت وأصبحت واقعا معترفا به عربيا ودوليا، وهم أصبحوا جماعات متفرقة بلا شئ.
وعلى الرغم من أن هذا السيناريو القاتم هو الأقرب للواقع إلا أن الأمل لا يزال يراودنا فى أن يستفيق الواهمون من وهمهم ويدركوا خطورة الوضع وحجم الطوفان القادم؛ وأن يتحسسوا مياهه التى بدأت فى الجريان من تحت أقدامهم، وليتنازل المنقسمون عن مصالحهم الحزبية ويسرعوا بإنهاء الانقسام وكافة الخلافات الداخلية وترتيب البيت الفلسطينى حفاظا على ما تبقى لشعبهم من حلم بوطن .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق