(النصوص الأصليّة)
(حيزيَّة، وسْعيِّدْ)، قصة حب جزائرية بدوية صحراوية، حدثت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في بلدة (سيدي خالد)، التابعة لولاية بِسْكْرَة، بوابة الصحراء الكبرى، عروس منطقة الزيبان في جنوب شرق الجزائر. وهي تشبه قصص العذريين في التراث العربي القديم، أو قصة روميو وجوليت، وغيرها. وبما أن لقصة (حيزيَّة)، نواة تاريخية واقعية حقيقية، إلاَّ أن الرواة سَرَدوها بأساليب مختلفة، مما جعل القصَّة تتأرجح بين حدّين: حَدُّ الواقع، وحدّ الأسطرة. وبقيت هذه السرديات، مجرد احتمالات وتوقعات ورغبات. لكنَّ أهم سرديتين لقصة حيزية، هما: سردية محمد بن قيطون، باللهجة الجزائرية 1878م. وسردية عزالدين المناصرة، وهي قصيدة من نوع الشعر التفعيلي الحرّ الحديث، باللغة الفصحى، عام 1986، وعنوانها: (حيزيَّة عاشقة من رذاذ الواحات). وهما سرديتان متناقضتان في شرح أسباب موت حيزيَّة. طبعاً ظلت الذاكرة الجمعية الشعبية الجزائرية، تردد سردية ابن قيطون، ثمَّ انتشرت القصة في البلدان (المغاربية)، بوساطة بعض المطربين الجزائريين الذين غنوا قصيدة حيزية لإبن قيطون، مثل: (عبد الحميد عبابسة، ورابح درياسة، وخليفي أحمد، والبارعمر). لكن شهرة (قصة حيزية)، عربياً، عالمياً، تعود إلى قصيدة الشاعر المناصرة، لأسباب عديدة. بل استطاعت هذه القصيدة اختراق الوجدان الجماعي الجزائري الحديث نفسه، خصوصاً طلبة وطالبات الجامعات الجزائرية، إضافة إلى قطاع المثقفين.
1. سردية محمد بن قيطون، 1878م:
ولدت (حيزية بنت أحمد بوعكاز) الذاودية من قبائل بني هلال، عام (1855م) في بلدة (سيدي خالد) من أعمال بسكرة. ويؤكد المؤرخ الجزائري (محمد العربي حرز الله)، بأن (حيزية) هي أميرة تنتمي إلى عائلة (بوعكاز) التي هي من فروع عرش (الذواودة)، وأنَّ بوعكاز هو لقب الأمير علي بن الصخري، الذي أصبح أمير (منطقة الزاب) عام 1496م، بعد أن كلَّفة (الزيّاينون)، بهذه الإمارة (إمارة العرب). كما يؤكد (محمد العربي حرز الله)، أن سبب شهرة (قصة حيزية) يعود إلى عدة عوامل، منها: (جماليات قصيدة محمد بن قيطون، وعالمية قصيدة عز الدين المناصرة، ومأساة حيزية الدرامية). ويقول موقع (الجزائر تايمز): (الشاعر المناصرة هو أول من أدخل قصة حيزيَّة في الشعر العربي الحديث منذ (1986). وهو أيضاً أوّل من أشهر (حيزيَّة) خارج الجزائر، عربياً وعالمياً). طبعاً تعتمد الذاكرة الجزائرية على ترداد ما ورد في قصيدة حيزية للشاعر الشعبي اللهجي الجزائري محمد بن قيطون، وهي قصة في قصيدة، كان العائق أمام وصولها إلى خارج الدائرة المغاربية، هو صعوبة كلماتها باللهجة الجزائرية. القصة تقول بأن (حيزية، وابن عمها سْعيّد) تحابا، إلى درجة العشق، ثمَّ تزوجها بعد قصة حب، لكن الموت فرَّق بينهما، حيث مرضت حيزيَّة مرضاً خطيراً، توفيت بعده مباشرة، وذهب العاشق (سْعيد) بعد وفاتها إلى الشاعر الشعبي محمد بن قيطون، وطلب منه أن يرثي (حيزية)، لكي يريح نفسه من الهموم، فكتب محمد بن قيطون قصيدة حيزيَّة باللهجة الجزائرية، سارداً فيها مأساة حيزية وسعيد، فاشتهرت القصة في البادية الجزائرية. وفي رواية أخرى أن حيزية لم تتزوج سعيد، لأن عمه، والدها، منع هذا الحب الصامت، وأنها ماتت قهراً على حبيبها. وتاه العاشق في الصحراء حيث هام على وجهه منعزلاً عن الناس. ويقول الشاعر محمد بن قيطون في نفس النص بأنه كتب القصيدة (1878م)، عام وفاة حيزية.
وهكذا حفظ لنا (ابن قيطون) هذه القصة من الضياع من خلال قصيدته (عزُّوني يا ملاحْ ... في رايس لبْنات ... سكْنَتْ تحت اللحودْ ... ناري مقْديا).
- إذن هناك ثلاث شخصيات من (سيدي خالد) هي: (حيزية، وسْعيّد، والشاعر ابن قيطون). فالشاعر هو الذي سرد القصة في قصيدته: ولد عام (1843)، وتوفي (1907). أما (حيزية) فقد ولدت عام (1855) وتوفيت (1878)، أي أنها عاشت (23 عاماً فقط). أول من نشر قصيدة ابن قيطون عن (حيزية)، هو (عبد الحميد حجيّات) في (مجلة آمال، عدد 4، نوفمبر، ديسمبر، 1969، الجزائر). أما (السعيد بحري)، عام 2009، فقد نشر النص بعد أن أجرى مقارنة بين نص (حجيّات)، ونص (محمد عيلان)، ونشر النص مشروحاً كملحق لديوان (حيزية عاشقة من رذاذ الواحات، لعز الدين المناصرة، دار بهاء الدين، قسنطينة، 2009).
2. سردية عز الدين المناصرة (1986م):
(حيزية عاشقة من رذاذ الواحات)
- يؤكد الشاعر الفلسطيني الشهير (عز الدين المناصرة)، أنَّ (حيزية) أميرة حقيقية من أميرات منطقة (الزاب)، وأن اسمها الحقيقي هو (حيزية بنت أحمد بوعكّاز) من قبيلة (الذواودة) المتفرعة من قبيلة بني هلال. وينفي الشاعر المناصرة أن تكون (حيزيَّة) ابنةً لأحمد باي، لأن أحمد باي بطل المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي، توفي مسموماً عام (1850م)، أي قبل ميلاد حيزية بخمس سنوات. والمعروف أن (أبناء صولة، وهم فرقة من الذواودة، حكموا قسنطينة في القرن الخامس عشر الميلادي – أحمد بن المبارك بن العطار: تاريخ قسنطية – ص: 19). كذلك يتوقع الشاعر المناصرة، مفاجأة أخرى، وهي أن يكون الشاعر محمد بن قيطون هو العاشق الحقيقي لحيزية، وليس (سْعيّد) لأن فارق العمر ليس فارقاً مستحيلاً، فهو من مواليد (1843)، وهي من مواليد (1855م)، وقيل أيضاً (1852). وإنما أراد ابن قيطون أن يروّج للحكاية للتغطية على أسباب عشائرية!!.
دخل (الشاعر المناصرة) في قصيدته (حيزية عاشقة من رذاذ الواحات) في مبارزة شعرية وسردية مع سردية ابن قيطون (عزّوني يا ملاح). وكان من نتيجة هذه المبارزة ولادة سردية جديدة، ما دامت سردية ابن قيطون لم تحسم الأمر. (سردية المناصرة)، هي سردية التحدّي والمقاومة، حيث طرحت احتمالات متنوعة منحت النص صبغة التعددية. بل تكاد سردية المناصرة تشي بسردية أخرى مختفية، وكأنها جرح قديم في روحه المعذبة القلقة المقاومة، ولا غرابة، فهو (شاعر مقاومة عالمي)، وصفه الروائي الجزائري الراحل (الطاهر وطَّار (2004)) بأنه (أحد عمالقة الشعر العربي الحديث)، وأنه (إنسان نبيل عظيم)، وأنه (عاش في الجزائر (1983 - 1991)، وأحبَّها بشرف النبيل، فأحبَّته بهيبة الكبير). هو أيضاً صاحب قصائد ترددها ملايين العرب، مثل: جفرا، وبالأخضر كفّناه، يتوهج كنعان، يا عنب الخليل، لا أثق بطائر الوقواق، حصار قرطاج ... الخ. وهكذا كانت قصيدة (المناصرة)، قراءة جديدة لقراءة قديمة، وهي تناصٌ يتفوق على التناص، لأنها تخلق عالماً جديداً (حيزية أخرى)، بأساليب جديدة.
- عام (1986)، زار (الشاعر المناصرة)، مدينة بسكرة للمشاركة في مهرجان محمد العيد آل خليفة الشعري كعادته في كل عام. لكنه هذه المرَّة طلب من أصدقائه الجزائريين أن يوصلوه إلى بلدة (سيدي خالد) لزيارة قبر حيزيَّة. وبالفعل قرأ (الفاتحة) أمام قبرها، وأدلى بملاحظة حول ضرورة ترميم القبر. وغادر إلى قسنطينة، حيث يعيش. قيل إنه بكى عند قبر حيزية لأنه عندما زار القبر، تذكَّر حبيبته (جفرا)، التي اغتالتها نيران طائرة إسرائيلية في بيروت عام 1976. بعد أسبوع تقريباً، فوجئ القراء بقصيدته المذهلة منشورة في الصحف الجزائرية. والمفاجأة أنها بعنوان: (حيزية عاشقة من رذاذ الواحات). ثم قرأها لأول مرة في المسرح الجهوي في قسنطينة عام 1986.
- بالنسبة للشاعر المناصرة، نشأ (سْعيّد بن الصغير)، في منزل عمّه يتيماً، وتربى مع (حيزيَّة) منذ الطفولة، لكن عندما كبرا، تعمق العشق بينهما، فاضُطر عمُّه إلى عزل (سْعيّد) في خيمة بعيدة، خوفاً من كلام الناس، لكن (سْعيّد، حيزيَّة)، كانا يلتقيان سرّاً في غابة النخيل، يتناجيان، ويبحثان عن حلّ لمشكلتهما. وظل هذا العشق يزداد نيراناً بين الطرفين، وحاول والدها تزويجها بأشخاص من فرسان القبيلة، لكن حيزية رفضت ذلك. ذات مَّرة تسللت (حيزيَّة) في الغسق، راكبة فرسها، بعد أن تلثمت، واتجهت باتجاه غابة النخيل، وعندما رآها (سْعيّد) مقبلة ملثمة، لم يعرفها، وظنَّ أن الفارس الملثم هو (عدّو)، يراقبهما، فأطلق النار عليها خطأ، فقتلها. إذن هي أشبه بقصة ديك الجن الحمصي.
أصيب (سعيد) بحالة ندم بعد دفنها في مقبرة سيدي خالد. وهام على وجهه في الصحراء، حتى ذهب إلى ابن قيطون، ولكي يريحه نفسياً، كتب القصيدة في رثاء حيزية. ويتوجس الشاعر المناصرة بأن (سْعيد) لا وجود له وأنه من اختراع ابن قيطون، وأن العاشق ربما يكون ابن قيطون نفسه. لكن المناصرة يصف قصيدته بأنها: (رعوية)، وأن حيزية كانت تتنقل مع أهلها من سيدي خالد إلى (بازر - العلمة). لم تمت (حيزية عز الدين المناصرة) كما تقول قصيدته، لكنه قتلها في النص، وأبعدها في الواقع إلى (باريس) حيث اختفت إلى الأبد في سرديته الشعرية. أما النص فيقول إنها تحوَّلت إلى إيقونة في الصحراء الجزائرية، وقبرها علامة.
- هكذا خلَّد الشاعران (ابن قيطون، والمناصرة)، قصة مأساة حيزية.
قصيدة حيزية – لابن قيطون
1. عَزَُونِي يَا مْلاَحْ
سَكْنَتْ تَحْتْ الْلحُودْ
فِي رَايَسْ لَبْنَاتْ
نَارِي مَقْدِيَّة
ج
ياخـي أنا ضْرير، بيّا ما بيّـا
قَلْبي سَافَرْ مْعَ الضَّامَرْ حِيزِيَّة
2. ياحَسْرَاه عْلَى قْبِيلْ كُنّاَ فِي تَأوِيلْ
ج
كِي نَوَارْ لْعَطِيلْ شَاوْ النَقْضِيَّه
3. مَا شَفْنَا مَنْ دْلاَلْ كِي ظَلْ لَخْيَالْ
رَاحَتْ جَدْي لْغَزَالْ بالجَهْدْ عْلِيَّه
4. إِذَا تَمْشِى اقْبَالْ تَسْلَبْ لْعُقَّـالْ
أُخْتِي بَايْ لَمْحَالْ رَاشَقْ كَِمّيَه
5. جَابْ الْعَسْكَرْ مْعَاْه وَالْقُومَانْ وْرَاهْ
طَلْبَتْ مَلْقَاهْ كُلْ وَاحَدْ بَهْدِيَه
6. نَاقَلْ سِيفْ لَهْنُودْ غِيرْ يُومِي بَالْيَدْ
يَقْسَمْ طَرْفْ الَحْدِيدْ وَلاَّ صَمِيّه
7. مَا قْتَلْ مَنْ عْبَادْ مَنْ قُومْ الْفُسَّادْ
يَمْشِي مَشْيِ لْعَنَادْ بَالْفَنْطَازِيَه
8. مَا نَشْكُرْشْ الْبَاْي جَدَّدْ يَا غَنَّايْ
بَنْتْ أَحْمَدْ بَنْ الْبَايْ شُكْرِي وَغْاَيَه
9. طَلْقَتْ مَمْشُوطْ طَاحْ بَرْوَايَحْ كِي فَاحْ
حَاجَب فُوقْ اللَّمَاحْ نُونِينْ بْرَيهَ
10. عِينِيكْ فَرْدْ الرْصَاصْ حَرْبي فِي قَرْطَاسْ
سُورِي قْيَاسْ فِي أيْدِينْ الحَرْبيَّه
11. خَدَّكْ وَرْدْ الصْبَاحْ وَقْرُنْفُلْ وَضَّاحْ
وَالدَّمْ عْلِيهْ سَاحْ وَقْتْ الضَّحْوِيَّة
12. الْفَمْ مْثِيلْ عَاجْ وَالْمَضْحَكْ لَعَّاجْ
رِيقَكْ سَيْ النْعَاجْ عْسَلْ الشَّهَّايَة
13. شُوفْ الرَّقْبَة خْيَارْ مَنْ طَلْعَةْ جَمَّارْ
جَعْبَةْ بَلاَّرْ وَالعْوَاقَدْ ذَهْبيَّة
14. صَدْرَكْ مَثْلْ الرْخَامْ فِيهْ اثْنِينْ تْوَامْ
مَنْ تُفَاحْ السْقَامْ مَسُوهْ إِيدِيَّه
15. يَدِيكْ كَاغَظْ إبان قْطُنْ أَوْ كَتَّانْ
وَألاَّ رَهْدَانْ طاَحْ لِيلَه ظَلْمِيَّه
16. طَلْقَتْ بَتْرُورْ مَالْ وَمْخَبَّلْ تَخبَالْ
عْلَى جُوفْ الدْلاَلْ تْنِيَّه عَنْ تْنِيَّه
17. شُوفْ السّيِقَانْ بَالخْلاَخَلْ يَا فَطَّانْ
تَسْمَعْ حَسْ لَقْرَانْ فُوقْ الرَّيحِيَّه
18. في (بَازَرْ) حَاطِينْ نْصَبَّحْ فِي الزَّينْ
واحْنَا مَتْبَسطِينْ فِي حَالْ الدَّنْيَه
19. نْصَبَّحْ فِي الغْزَالْ نَتْسَرَشْ لَلْفَالْ
كِي اللَّي سَاعِي الْمَالْ وَكْنُوزْ هْدِيَّه
20. مَايَسْوَاشْ الْمَالْ نَقْرَاتْ الخَلْخَالْ
كِي نْجَبَّي عْلَى لَحْيَالْ نَلْقَى حِيزِيَّه
21. تَسْتَحْوَجْ فِي لَمْرُوجْ بَخْلاَخِيلْ تْسُوجْ
عَقْلِي مَنْهَا يْمُوجْ قَلْبِي وَعْضايَه
22. فِي الّتَلْ امْصَيْفِينْ جِينَا مْحَدْرِينْ
للَصَّحْرَاء قَاصْدِينْ نَا وَالطَّوَايَه
23. أجْحَافْ مْغَلْقِينْ وَالْبَارُودْ ايْنِينْ
لَزْرَقْ بِيَ اِمِينْ سَاحَةْ حِيزِيَّه
24. سَاقُوا جْحَافْ الدْلاَلْ حَطُّوا عِينْ أَزَالْ
ج
سِيدِي لَحْسَنْ أقْبَالْ وَالَّزرْقة هِيَّه
25. قَصْدُوا سِيدِي سْعيِدْ وَالْمَتْكَعْوَكْ زِيدْ
لَمْدُوكَالْ جْرِيدْ فِيها عَشَّايَه
26. ارْعَى شَاوْ الصْبَاحْ كِي هَبَتْ لَرْيَاحْ
سِيدِي مُحَمَّدْ أشْبَاحْ وَأَرْضُه مَحْضِيَّه
27. فَاقَتْ طُولْ لَعْلاَمْ جَوْهَرْ فِي تَبْسَامْ
تْمَعْنِي فِي لكْلاَمْ وَتْفَهَّمْ فِيَّه
28. بَنْتْ احْمِيدَه تْبَانْ كِي ضَيْ الَوْمَانْ
ج
نَخْلَةْ بُسْتَانْ غِي وَحْدَهَا شَعْوِيَّه
29. ازْنَدْ عَنْهَا الرِيّح قَلَعْهَا بَالْمِيحْ
مَا نَحْسَبْهَا تْطِيحْ دَائِمْ مَحْضِيّةَ
30. وَتْرَنِيتْ الْملَيِحْ دَارَلْهَا التَسّريْح
عَرَّضْهَا لَلمْسِيحْ رَبَّي مُولاَيَه
ج
31. لَضَّتْ صَدْرِي أُخْتِي وَمَاتَتْ فِي حَجْرِي
دَمْعَةْ بَصْري عَلَى خْدُودِي مَجْريَِّه
32. امْكَنْ رَاسِي اجْذَابْ نجْري فِي لَعْلاَبْ
ما خَلَّيتْ الشَّعَابْ مَنْ كَافْ لْكَدْيَه
33. خَطْفَتْ عَقِلْي وْرَاحَ مَسْبُوغَةَ لَلْمَاحْ
بَنْتْ النَّاسْ لَمْلاَحْ زَادَتْنِي كِيَّه
34. دَارُوهَا فِي اكْفَانْ بَنْتْ غَالِي الشَّانْ
زَادَتْنِي حَمَّانْ نَافْضْه مُخَّ اَحْجَايَه
35. حَطُّوهَا فِي أنْعَاشْ مُطْبُوعَةْ لَخْرَاسْ
رَانِي وَلّيِتْ بَاصْ َواشْ اللَّي بيَّه
36. حَطُّوهَا فِي جْحَافْ حُومَتْهَا تَنْظَافْ
زِينَةْ لَوْصَافْ سَبِتْي طُولْ رَايَه
37. فِي حُومَتْهَا اخْرَابْ مِن ضَيْ الْكَوْكَابْ
زيِد قْدَحْ فِي سْحَابْ ضِيقَ الْعَشْوِيَّه
38. حُومَتْهَا بَالْحَرِيرْ كَمْخَة فُوقْ سْرِيرْ
ج
وَأنَا يْشِيرْ امهَلْكَتْنِي حِيزِيَّه
39. كَثْرَتْ عَنَّي هْمُومْ مَنْ صَافِي الخْرَطُومْ
ما عَادَتْشْ تْقُومْ فِي دَارْ الدَّنْيَه
40. يَا حَفَّارْ لْقَبُورْ سَايَس رِيمْ الْقُورْ
خَفْتَ تْرَيَّبْ الصْخُورْ عْلَى حِيزِيَّه
41. قَسَّمْتَكْ بَالكْتَابْ وَحْرُوفْ الْوَهَّابُ
لاَ تَطَيَّحْ التْرَابْ فُوقْ أَمْ مرَايَه
42. لَوْ تَجِي للَعَنَادْ نَنْطَحْ ثَلْثْ أَعْقَادْ
ج
نَدَّيها بالزَّنَادْ مِنْ قُومْ الْعَدْيَه
43. لَوْ تَجِي لَلْذرَاعْ نَحْلَفْ مَا تَتْبَاعْ
نَنْطَحْ سَرْسُوْر قاعْ بَاسْمْ حِيزِيّهَ
44. لَوْ تَجِي لَلْقَمَارْ تَسْمعْ كَانْ وَصَارْ
لَنَدَّيهَا جْهَارْ وَشْهُوْد عْلِيَّه
45. كِي عَادْ أَمْرْ لحَنْيِنْ رَبَّ الْعَالَمِينْ
مَا صَبْتْ لَكْ مْنِينْ نْقَلَّبْ هَذِيَّه
46. صَبْرِي صَبْرِي عْليِكْ نَصْبَرْ لْنتَِيكَ
نَتْفَكَّرَ فِيكْ يَا اختِْي غِيرْ اَنْتِيَّه
47. هْلَكْنِي يَا مْلاَحْ لَزْرَقْ كِي يَتْلاَحْ
ج
بَعْدَ أخْتِي زَادْ رَاحْ وَانْصَرَف عْلِيَّه
48. عُودِي فِي ذَا التْلُولْ ارْعَى كُلَّ خْيُولْ
وَإذَا وَلَّى الْهُولْ شَاوْ المَشِْليَّة
49. مَا لْعَبْ فِي الزْمُولْ اعْقَابْ المَرْحُولْ
وَنَا عَنْهُ انْجُولْ بيَّ مَا بيَّه
50. بَعْدَ شْهَرْ مَا يَدُومْ عَنْدِي ذَا الْمَلجُْومْ
نْهَارْ ثْلاَثِينْ يُومْ بَوْرَاء حِيزِيّهَ
51. تْوَفَّى ذَا الْجَوَادْ وَلاَّفِي اَلوْهَادْ
بَعْدَ اخْتِي مَـــا زَادْ يَحْيَا فِي الدَّنْيَه
52. صَدُّوا صَدْ الَوْدَاعْ هُوَ اخْتِي قَاعْ
طاح مَنْ يَدَّي الصْرَاعْ لَزْرَقْ يَادَايهَ
53. نَبْكِي بَكْىْ لَفْرَاقْ كِي بكْيْ العُشَّاقْ
زَادَتْ قَلْبِي حْرَاقْ خَوَاضَةْ مَايَه
54. نَبْكِي وَالرَّاسْ شَابْ عَنْ مَبْرُومْ النّابْ
فَرْقَةْ لحَبْاَبْ مَا تَصْبَرْ عِينِيَّه
55. يَاعِينِي وَاشْ بِيكْ وَرَّينِي مَا بيكَ
رَبِّيِ يَهْدِيكْ مَا تْخَفِيشْ عْليَِّه
56. الشَّمْسْ اللَّي ضْوَاتْ طَلْعَتْ وَتْمَسَّاتْ
كَسْفَتْ بَعْدْمَا اضْوَاتْ وَقْتَ الضَّحْوِيَّه
57. وَالْقَمَرْ اللَّي بَانْ شَعْشَعْ فِي رَمَضَانْ
ج
جَاه المَسْيَانْ طاَلَبْ وْدَاعْ الدَّنْيَه
58. صَبَّرْنِي يَا اْلإِلهْ قَلْبي مَاتْ بْدَاهْ
حُبَّ الزَّينة أَدَّاهْ كِي صَدَّتْ عْلِيَّه
59. هَذَا دَرْتُ مْثِيلْ عَنْ رَايْسَةْ الْجِيلْ
بَنْتْ أحْمَدْ صيِلْ شَايْعَه ذَوَّاودِيَّه
60. تَسْوَى مِتِينْ عُودْ مَنْ خِيلْ الْجَوِيدْ
وَمْيَةْ فرَسْ زِيدْ غيِرْ الرَّكبِْيَّه
61. تَسْوَى مَنَ اْلإِبلْ عَشْرَ مئَِة مْثِيلْ
تَسْوَى غَابَةْ نْخِيلْ عِنْدَ الزَّابيَّةَ
62. تَسْوَى بَرْ لَعْبيدْ قْرِيبْ وبَعِيدْ
تَسْوَى خَطْ لْجَريِدْ حُوسْ بَالفْيَّه
63. تَسْوَى بَرْ التْلُولْ الصَّحْرَاء وَالزْمُولْ
مَا امْشَاتْ لَقْفُولْ عَنْ كُلْ تْنِيَّه
64. تَسْوَى مال النْجُوعْ وَالذَّهَبْ الْمَصْنُوعْ
تَسْوَى نَخْلْ الدْرُوعْ عَنْدَ الشَّاويَّه؟
65. تَسْوىَ تَسْوىَ مْزَابْ وَسْوَاحَلْ الزَّابْ
حَاشَا نَاس لَقْبَابْ خَاطِي اْلأَوْليَّه
66. تَسْوَى خيِلْ الشْليِلْ نَجْمَةْ شَاوْ اللَّيلْ
قْلِيلْ قليِلْ فِي أخْتِي طَبَّي وَدْوَايَه
67. (ثْلاَثة وْعَشْرِينْ عَامْ) فِي عْمَرْ أُمْ اعْلاَمْ
مَنْهَا رَاحْ لَغْرَامْ مَعَادَشْ يَرْجَعْ لِيَّه
68. عَزُّونِي يَا صْغَارْ فِي عَارَمْ اْلأَوْكَارَ
مَا ابْقَاتْ فِي الدَّارْ عَادَتْ مَمْسِيَّه
69. عَزُّونِي يَا رْجَالْ فِي بَاهِي الْخَلْخَالْ
دَارُوا عَنْهَا حْيَالْ لَيْسَ مَبِْْنِيَّه
70. بَيَدَّي دَرْتْ لَوْشَامْ فِي صَدْرَ أَمْ ارْخَامْ
اَمْخَتَّمْ تَخْتَامْ فِي زْنودْ الطَّوَايَه
71. أزْرَقْ عَنْقَ لَحْمامْ مَا فِيهْشِ تَلْطَامْ
مَقْدُودْ بلاَ قْلاَمْ مَنْ صُنْعْ اِيدِيَّه
72. حَتَّى فِي السَّاق زِيد دَرْتْ أَوْشَامْ جْدِيدْ
قَدَّيتُو أَنَا بَاليَدْ ذَا حَالَ الدَّنْيَه
73. سعِيدْ فِي هْوَاكْ مَعَادَشْ يَنْسَاكْ
كِي يَتْفَكَّرْ أَسْمَاكَ تَأتِيهْ غْمَايَه
1
74. مَا ناكَلْشِ الطْعَامْ صَامَطْ فِي الأفوامْ
وَاحْرَمْ حَتَّى المْنَامْ عْلَى عِينيَّه
75. اغْفَرْ لِي يَا حنْيِنْ أَنَا وَاْلأَجْمَعِينْ
رَاهْ سعِيدْ حْزِينْ بِيهْ الطَّوَّايَه
76. اغْفَرْ الليَّ يْقُولْ رَتَّبْ ذَا الْمَنْقُولْ
مِيمِينْ وَحَاءْ وَدَال جَابْ الْحكَايَه
77. فِي خَالَدْ بَنْ سْنَانْ ابَنْ قِطُونْ فْلاَنْ
عْلَى اللَّي زْمَانْ شَفْنَاهَا حَيَّه
78. تَمَّتْ يَا سَامِعِينْ فِي أَلْفَ وَمَِتِينْ
79. كَمَّلْ تَسْعِينْ زِيدْ خَمْسَة بَاقيَِّه
(1295هـ/ 1878م)
محمد بن قيطون
حـــــــيــــــزيّــــــــة:
(عاشقةٌ من رذاذ الواحات)
• قصيدة: عز الدين المناصرة (1986)
أحْسِدُ الواحةَ الدمويَّةَ هذا المساءْ
أحسدُ الأصدقاءْ
أحسد المتفرّج والطاولات العِتاق الإِماءْ
الأكفَّ التي صفّقت راعفة
القواريرَ أحسدُها
والخلاخيلَ ذاهبةً آيبةْ
أحسدُ العاصفة
في حنايا الفضاءْ
أحسدُ الخمر منسابةً، وعراجينها في ارتخاءْ
وابن قيطونَ، أحسدُهُ عاشقاً طاف في زرعها
و (سَطيف): حقول الشعير، الأعالي،
ينابيعها
أحسد المُصحفَ الصَدَفيَّ الذي لامَسَتْهُ أصابعُها
(سيّدي خالدا): عَرَباً وخياماً ونخلاً، هوىً،
أحسد الأشقياءْ
أحسد الجبلين ... ظعائنُها شقَّت القنطرة
أحسدُ الشعراءَ الرواة الذينَ رأوها
على هودج الكهرباءْ
أحسد التمر في (بِسْكِرَةْ)
الجفاف الذي جفَّ حزناً عليها،
مضى ساكناً في الغديرْ
أحسدُ الملح يقصفُ أعلى البروجْ
أحسد القيظ والزمهريرْ
أحسدُ الخيلَ: أعرافَها وحوافرها والسروجْ
أحسدُ القهوة البربريَّةَ، تسكبُها في دمي
طفلةٌ ذاتُ رِدْفٍ غنوجْ
أحسد الغابة المُمطرة
الضفائرَ أحسدُها، ومروجَ السنابلِ
وابنَ السبيلْ
رآها مع الفجر ترعى الندى في الحقولْ
الغرانيقَ أحسدها والبطاريقَ ثمّ الحمامْ
الوصيفاتِ أحسدهُنَّ إذا
ما رَمَيْنَ عليها السلامْ
عليها السلامُ، عليها السلامُ، عليها السلامْ
أحسدُ النجم حين غفا هائماً
فوق مِعْصَمِها ... ثم نامْ
أحسدُ الليل فوق زنود الرخامْ
أحسدُ الزنبق الوثنيَّ وسربَ القطا
ثمَّ سربَ العصافير، جيشَ اليمامْ
أحسدُ امرأةً من نبيذ الرِّعاعْ
أحسد القِدْرَ والنار والزنجبيلْ
- رغم أنّي نسيتُ الضلوعْ
على مفرقِ الدربِ في جبلٍ في الخليلْ –
أحسدُ العنب البربريَّ المُعَتَّقَ،
صار على شفتيها غمامْ
أحسدُ المقعد الحجريّ وأهدابها الشارداتِ
ندىً في التِلاعْ
أحسدُ الفحم من حطب وشِواء الغزالْ
أحسد النول والناسجاتْ
والجبين الذي يتعالى عليه الهلالْ
والمُغيراتِ صُبْحاً وعصراً على تلَّةٍ في الفلاة
أحسدُ الدمعة النافرة
آه يا امرأةً من رذاذ السماءْ
آه يا شجر الغابة الماطرة
أحسد الرمل والعُشب والدود في المقبرة.
أحسدُ الشمع في كفّها ثم حنّاءَها في اليدينْ
أحسد الخُرجَ يعلو صهيل الفَرَسْ
أحسد التوت في الصدر، والفجر في الثغرِ،
والموجَ في القِمَّتيْنْ
أحسدُ الجذع: زيتونةٌ مرجحتْ ساعدينْ
أحسدُ النبع مركز عشب القبيلة خلف الأُفقْ
أحسدُ الصُرَّةَ الحلزونَ وخلخالها الدمويَّ،
وما بين بينْ.
أحسدُ الوركَ من عنبٍ ... وله مفترقْ
أحسدُ الخَدَّ في صَحْنِهِ
عُلّقَتْ غمزةٌ من لُجَيْنْ
أحسدُ السِدْرَةَ المُنتهى ... والألقْ
غابةَ الصابرينَ الصَدودْ
أحسد الرقمتينْ
وأساها الذي فاق كلَّ الحدودْ.
* * *
واحةٌ للمطرْ
عَرَّجَتْ صَوْبها الفارسةْ
حيثُ كان دمٌ ينتظرْ
أحمرَ الشفتين بلون القمر
عندما كان يلعب في القفر بين الرعاة
كان يرقب غَدْر الرمال النقيّة هذا القمر
كان يرسم تشكيلةً من خطوطٍ على الرملِ
دون أثَرْ
الأفاعي، وقيل: نِثارُ فتات القبيلةِ في المنحدرْ
تسلل عاشقُها كالرذاذ الربيعيِّ بين المروجْ
رأى كوْمةً من عقيق قلادتها، ورأى
خطأً في عيون السوادْ
- يا ملفَّعةَ الفجر إنّ الهوى البدويَّ،
هوى الأرجوانْ –
كان مُتَّفَقاً أن تبادِرَهُ بنشيدْ
فلم تستطعْ ... واعتراها الذهولْ
ورأى الظلّ في الماء مثل العَذولْ
يَتَباطأُ نرجسةً دامية
تَتناثرُ في الماء رائحةُ الشكِّ والحسرة الآتية.
- فأطلق طلقته الواحدة
في جبين الندى وغزال الحقولْ.
غير أنَّ حديث الرواة يطولْ.
* * *
- لو رأيتم مع الفجر غامضةً تنتظرْ
ما الذي يجعل الفارس المنتظر
لا يقاتل عن موعدٍ، قرب ذاك الحَجرْ
اذكروا رهبة القتل بين النخيلْ
انظروا أرجوانَ القتيلةِ، لمَّا يكنْ
مثل أيِّ قتيلْ
العراجينُ خافتْ، وثارت مدامعها، قرب ماء السماءْ
سمعَ النبعُ فجراً مع العُشب، قبل خروج الرعاة
من مغائرهمْ في السهولْ
صرخةً واحدة
لعاشقةٍ مُرّغتْ بالدماءْ.
هدأتْ غضبةُ الريح في موقد النارِ،
وانطفأتْ دفعةً واحدة.
* * *
إنني واثقٌ أنَّ حنّاءها في الربيعِ،
ولم يلتفحْ بجهنّم بارودةٍ من حَديدْ
إنني واثقٌ أنَّهُ لملم الوحشة الواجفة
بعد عشرين عاماً، بكى من جديدْ:
- موجزٌ ورهيفٌ أسايْ
جمرةُ البدو أنتِ، فمن أين جئتِ،
تلوبين مختالةً في قميصْ
موجزٌ ورهيفٌ أسايْ
حفلةٌ في تِلمسانَ، أنتِ
مُوشّحةٌ بأغاني مساء الخميسْ
مُوجَزٌ ورهيفٌ أسايْ
قطعةٌ من سماءْ
أرجوانيةٌ عَلقتْ ليلة المجزرةْ
بجناحٍ على الثلج في جَرْجَرَةْ
موجزٌ ورهيفٌ أسايْ
نقطةٌ من بياض مسايْ
نخلةٌ في أعالي الجبال تطلُّ على العاصمةْ.
أو كأنَّكِ جئتِ إلى غابةٍ،
بين (جيجلَ) و(القُلِّ)،
عند مسيل المياهْ
ربّما غيمةٌ من رذاذ السّهَرْ
تتسلقُ كرماً، فهل غاب عنك الدليلْ
قبل ذاك الوصول إلى البحر، أو بعده بقليلْ
أو كأنّكِ جئتِ من البحر، دون مُواربةٍ،
من صخور الجُزُرْ
لَفَحتْكِ الرياحُ، ركضتِ إلى الغارِ،
كانت ضفائرك السود، ملساءَ مثل ليالي السَمَرْ
وأنا غارقٌ في دم الأرجوانْ.
- قالت النرجسة:
أيُشبِهُني أحدٌ في صفاء الدموعْ
أيُشْبِهُني أحدٌ في الكتابةِ أو في الحنينْ
أيُشْبِهُني أحدٌ في التجاعيد والهمِّ فوق الجبينْ
أيُشْبِهُني أحدٌ في الندى مثل رمّانةٍ طازجةْ
في دماء الوريدْ
أَيُشْبِهُني شعراء التماثيلِ،
أشعارُهُمْ من قديدْ
وابنُ قيطونَ غازَلَها من بعيدْ
ظلَّ في السرّ يُهدي إليها الورودْ
وبعضَ الرسائلِ تُترك مجهولةً في الصقيعْ
على باب خيمتها عبْر ساعي البريدْ
وتُهملُ ملفوفةً بوَتَدْ
إنني واثقٌ أنها لا تفكُّ الخطوطْ.
- ربَّما قيل إني أغارُ وفي القلب منّي حَسَدْ
أيشبهني أحدٌ: كنتُ غازلتُها في الطريقْ
ونَدَهْتُ عموم البَلَدْ
إلى ساحةٍ وشَلَفْتُ مناديلها،
وهُمُ ينظرونْ
النقوشُ التي حُفِرتْ في (الطَسَيلي) رأتني
رأتني جموعُ الرعاة
أُمَصْمِصُها قطعةً قطعةً، ورأتني الشياهْ
وطار الحمام على ساعِدَيْها ارتمى
زرقةً واخضراراً، وما قال: آه
زاجلاً كان هذا الحمامْ
وهواي الذي في الضلوع هواه.
* * *
إذَنْ يا ابنَ قَيْطون، هات قصيدتك النائمةْ
تعال إلى منبرٍ قبل بدء الصلاة
ليحكم بيني وبينكَ، جمعٌ من الشعراء الكرامْ
ورهْطُ رواة
وإن لم تثقْ ... فالقُضاة.
* * *
القتيلةُ زيتونةٌ،
أم رماحُ المقابر قد غُرستْ في السؤالْ
القتيلةُ رملٌ على البحر،
أم ذهبُ الأضرحة
ليس نسمع غير صدى النائحةْ
أو كأني رأيتكِ من قبلُ يا رغبةً جامحةْ
ربّما في سفوح الجبالْ
وأنا واثقٌ أنَّ هذا الرذاذ له صلةٌ بالرمالْ
غير أنَّ الدليل الذي كان بين يديّ اختفى
مثل برقٍ ... وظلَّ السؤال.
* * *
- فَلْنَقُلْ: عاشقةْ
في ليالي الصَبيبْ
ولنقلْ: حين أغوَتْ ... غَوَتْ في اللهيبْ
ولنقلْ: ساحرة
ولنقل سُحرتْ خلف أحجار وادي الرمالْ
ولنقل – فَرَضاً – إنّها امرأةٌ حاذقة
ولنقل: – صُدفةً – زُحلقتْ رِجْلهُ في الغرامْ
ولنقل إنّها نجمةٌ في السماء واضحة.
(إنّني عاشقٌ جرَّب الذبح والمذبحةْ)
ولنقل – مُهرةٌ جامحة
سئمتْ بَرْد فرشتها،
وتسلّل ينبوعُها دافئاً في الظلامْ
ولنقل – وردةٌ عطشتْ
فرواها النخيلُ ... وخافْ
ولنقُلْ – إنها تُربةً شققتها ليالي الجفافْ
ولنقل – غجرٌ لملموا نارَهُمْ
حول تلك الضفافْ
ونَسوا جمرةً عُلّقَتْ في ذوائبها البائنة
ولنقل – مثلاً – إنّها امرأةٌ خائنة
طارحَتْني الغرامْ
عندما كان عاشقها في الصلاةْ
وابنُ قيطونَ كان يُدبّجُ بعض رسائلهِ في الخفاءْ
ما الذي يزعجُ الشعراءْ
ما الذي يزعجُ بعضَ الرواةْ
إذا كانت امرأةً خائنة !!
* * *
- قد يضيعُ كلامُ الرواةِ سُدىً
بعد تدجينهِ في المقرّر في الجامعاتْ
أو إعادة إنتاجهِ باختصارْ
في اللِجان التي نقّحتْ كُتُبَ المدرسة.
ربَّما لم تكن من دمٍ، إنّما نرجسةْ
سافرتْ حول مرآتِها
وأُراهِنُ ما عشقتْ أحَداً
إنّما عشقتْ ذاتها
قرب واحات (أولاد جلاّل) في الفَلَواتْ.
فليكُن
فَليَكُنْ
إنني أحسد الغابة الماطرة
أحسدُ النسر في جَرْجَرَة
أحسد التمر في بسكِرَةْ
أحسد الرمل، والدود، والعُشبَ في المقبرة.-
قسنطينة، 1986
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق