منذ الاحتلال البريطاني لفلسطين عام 1917،بل وما سبق ذلك من وقائع واحداث أدت الى هذا الاحتلال لفرض صك الانتداب الذي جاءت نصوصه وفقا لما جاء في اتفاقية فيصل-وايزمن حول ضرورة ارساء معالم الدولة اليهودية ،فان الفلسطينيين والى الان لم ينجحوا في افشال مخططات الدول الاستعمارية ،ولا حتى في انهاء الاحتلال الاسرائيلي وذلك على الرغم مما قدمه الشعب من اروع صور البطولة في التضحية والفداء على امتداد سنوات نضاله ،حيث انه ومنذ اعلان الدولة اليهودية بمساعدة ومساندة من الدول الاستعمارية وبتواطئ ايضا من العرب الذين اعتقدوا بإمكانية تحقيق اطماعهما المشتركة مع الحركة الصهيونية فان الصدام ما بين الاستراتيجيات والمدارس الفكرية الفلسطينية منها والعربية لتدمير اسرائيل قد بدأت في احداث انعكاساتها سلبا على فلسطين وشعبها وثورته المعاصرة ، ففي الوقت الذي اعتقد البعض بوجوب الاعتراف بإسرائيل كواقع مع الاعتماد على عامل الزمن والجغرافية والديمغرافية في اضمحلال اسرائيل وانهائها ،فان البعض الاخر قد اتجه نحو استراتيجية العمل على انهاء اسرائيل وبضربة واحدة وللابد .
وقد اصبحت نظرية انهاء اسرائيل بضربة واحدة وللابد مدخلا ناجحا لكل المزايدين والمتآمرين لضرب القضية الفلسطينية ووحدة الشعب وتحويل القضية الفلسطينية من قضية شعب صاحب حقوق سياسية الى شعب يتسول حاجاته الانسانية من خلال نجاح البعض في دغدغة المشاعر بما يطرحه من شعارات المقاومة والممانعة ، ولعل ما تدعو اليه حركة حماس في الآونة الاخيرة من ضرورة المفاوضات الانسانية الا المثال لما نتحدث عنه كنموذج يجب العمل على اسقاطه ، فما هي المفاوضات الانسانية التي تدعو اليها حركة حماس ؟،وهل هي دعوات جديدة نتيجة ما تعانيه من فشل بالمقاومة وتراجع القضية الفلسطينية بفعل انعكاسات انقلابها على السلطة؟ ،ام انه يمكن القول بانه ما كان لحركة حماس ان تنطلق كحركة وتستمر في انقلابها لولا ايمان من مهد لانطلاقتها وقناعته بوصول قيادتها الحتمي الى مرحلة اطلاق متل تلك الدعوات لضرب المشروع الوطني وافشال تثبيت فلسطين جغرافيا بعد نجاح قيادة الشعب في ظل المتغيرات الدولية ومن خلال اتفاق اوسلو في تثبيتها سياسيا ؟ .
بداية لا بد من القول بانه ومنذ انطلاقة حركة فتح التي تضم كافة فئات الشعب وشرائحه السياسية والاجتماعية من اجل تحرير فلسطين بعيدا عن صراع الايديولوجيا وصراع الانتماءات وتناقض الولاءات ،وانما وفقا لبرامج نابعة من واقع شعبنا ،وبما يتوافق ايضا مع تحقيق تطلعاته بإقامة دولته المستقلة فان المؤامرات ومحاولات افشال تلك الوحدة الجماهيرية لم تتوقف، وهذا ما يجعلنا ،وعلى الرغم من كل ذلك ،ان نعترف بان حركة فتح وهي العمود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية كانت قد فشلت في مواجهة تلك المؤامرات من حيث عدم قدرتها على انهاء تلك الولاءات وتشتت الانتماءات للشعب الفلسطيني وولاءاته ما بين هذه الدولة وتلك ،مما ساهم ذلك في نجاح بعض الانظمة في عمليتي الاحتواء والوصاية على القرار الفلسطيني ،بل ومصادرة ذلك القرار في بعض الاحيان ،سواء كان ذلك بشكل مباشر من جيوش تلك الانظمة وميليشياتها، او حتى من خلال بعض الفصائل التي كانت تتبع هذه الدولة او تلك وخاصة بعد حرب بيروت واخراج قوات الثورة الى عدة بلدان بشكل متعمد .
ان نجاح الانظمة العربية في تضييق الخناق على الثورة الفلسطينية بشكل مباشر من خلال جيوشها وميليشياتها كما حدث في الاردن ولبنان ،بالإضافة الى ما قامت به تلك الدول من خلال بعض الفصائل الفلسطينية كما حدث في طرابلس عام 1983 ، ونتيجة ايضا لما يعانيه الشعب الفلسطيني من عدم الاستقلال في قضيتي الولاء والانتماء ادى الى اعادة امتداد اطماع الحركة الصهيونية بعد ان كانت تلك الاطماع قد بدأت في الانحصار وتضييق الخناق عليها كفكرة وذلك مع انطلاقة الفاتح من يناير عام 1965 ،مما ما دفع ذلك الى ان تتجه قيادة الثورة الفلسطينية في حينه نحو اتفاقية اوسلو وذلك للحد من تلك الاطماع وعدم امتدادها مع الالتفاف على كل محاولات الوصاية والاحتواء وافشال كل اجراءات الانهاء التي اشتد تطبيقها لتذويب الهوية من هؤلاء الذين اصطلح على تعريفهم بدول الاعتدال وما يسمى ايضا بدول المقاومة والممانعة .
كانت تلك الدول بشقيها الاعتدال والمقاومة في ذلك الحين قد اتفقت على الفلسطينيين وابعدوهم عن حدود فلسطين لتفكيك الثورة الفلسطينية وافراغ ما جاء في ميثاقها من محتوى فكري كان قد ساهم بانتقال الفلسطيني من لاجئ يخضع للاحتلال ويتسول على اعتاب مؤسسات الاغاثة والتموين الى مقاتل يخضع لبرنامج تحرير الارض والانسان لبناء الدولة المستقلة ،وهذا ما يدفعنا الى القول ايضا بان الصدام ما بين الفلسطينيين قبل اتفاقية اوسلو ،وفي اعقابها ،كان صداما فكريا بفعل تشتت الولاءات وتعدد الانتماءات ،وميول البعض لهذه الدولة او تلك ،وليس بسبب اتفاقية اوسلو كما يحاول البعض من الكتاب وبعض القيادات الترويج لذلك، إلا انه ونتيجة لنجاح الفلسطينيين في ايقاف تذويب الهوية وايقاف اتساع رقعة الولاء والانتماء للغير بفعل تثبيت فلسطين سياسيا وتعزيز هويتها من خلال تلك الاتفاقية، فان دول الجوار ونتيجة لامتداد الاطماع والنفوذ ،وبفعل الارتهان للبيت الابيض ايضا وتنفيذ سياسات الادارة الامريكية فانهم عادوا الى اختراق الفلسطينيين مجددا من خلال نجاحهم في دفع حركة حماس بذريعة دعم المقاومة الى الصدام وذلك لتحويل الصدام الفكري ما بين الفلسطينيين الى صدام دموي لإفشال تثبيت فلسطين جغرافيا بعد أن نجحت قيادتها بتثبيتها سياسيا وذلك في الوقت الذي تراجعت فيه اسرائيل عن تلك الاتفاقية من خلال الانسحاب الاحادي من غزة ،وما سبق ذلك ايضا من مقدمات ومن بينها اغتيال رابين ،بل ان اغتيال رابين كان بالنسبة اليهم هي المقدمات لضرب وحدة الفلسطينيين والغاء استكمال ما جاء في اتفاقية اوسلو من مقدمات لبناء الدولة المستقلة.
كانت دول ما يسمى المقاومة والممانعة وفي مقدمتها سوريا ،وهي صاحبة التوازن الاستراتيجي الكاذب والمخادع قد نجحت في ايقاع معظم قوى وفصائل العمل الوطني الفلسطيني في شرك شعاراتها من اجل العمل على احتواء بعض تلك القوى لتطويعها ومنعها من الاستقلالية في قراري الحرب والسلام ،بل والعمل على ترويضها ايضا لحماية اسرائيل كلما استدعت مصالحها ذلك ،وهذا ما اعاق النضال الوطني الفلسطيني وادى الى ان يكون عدد الشهداء الذين سقطوا بفعل التدخل العربي اكثر من هؤلاء الذين ارتقوا في الدفاع عن الثورة ومحاولة تحرير الوطن ،ولذلك كان ياسر عرفات قد لجأ الى اوسلو التي اختلف الاسرائيليون على الاستمرار بتنفيذها فكان اغتيال رابين ،ومن ثم حصار ياسر عرفات واغتياله فيما بعد بتمهيد من تلك الفصائل التي كانت تدعي المقاومة والممانعة وذلك بعد نجاحها في اضعاف الموقف الفلسطيني والمساهمة في ارباك الساحة الفلسطينية واحداث الفلتان الامني بذريعة المقاومة واسقاط ما يسمى الخيار السلمي وذلك كمقدمة للاتجاه نحو الصدام المسلح للقتل والتخريب بفعل التدخلات وما استطاع بعض العرب من احداثه بفعل الاحتواء والوصاية وذلك قبل ما يسمى الربيع العربي لإحداث التغييرات في المعادلات والاصطفافات ،فما هو الحل الان؟،والى اين نحن ذاهبون في ظل الانقسام وتعزيز اجراءات الانفصال من خلال ما يسمى المفاوضات الانسانية؟.
يبدو ان تلك الاهداف التي تطلع الكيان الصهيوني الى تحقيقها من حيث الانتقال من الصدام ما بين الفلسطينيين فكريا الى الصدام المسلح بدأت لحظة الانسحاب من غزة ،وذلك في الوقت الذي بدأ فيه ايضا افراغ كافة القدرات العربية من محتواها من خلال افتعال الثورات العربية والسماح بتمدد داعش ،والتلويح ايضا بالخطر الايراني ، وذلك لإيصالهم الى قناعة بانه لا مدارس ناجحة بتحرير فلسطين، ولا يمكن الالتفاف ايضا حول استراتيجية واحدة ،وان المدرسة الوحيدة لإمكانية تحصل الفلسطينيين لبعض الحقوق هي مدرسة التعايش السلمي والاعتراف بحق اسرائيل بالوجود دينا وتاريخا ،وعلى ما يبدو فان اسرائيل قد نجحت ومن خلال ادواتها في الدول العربية وبعض الفلسطينيين ايضا من تحقيق ما خططت اليه وخاصة بالاستناد الى هؤلاء الذين باتوا يتقنون اطلاق شعارات المقاومة والتي لا تخرج عن نطاق ما جاء في تعليقات المذيع العربي احمد سعيد الذي طالب اسماك البحر بان تتجوع حتى تتساقط جثث اليهود في البحر كوجبات لها؟ فهل ما يحدث الان للفلسطينيين من حصار وتجويع بعد ما حصل من صدام هو مقدمة للاتجاه نحو الاعتراف بحق إسرائيل التاريخي والديني في فلسطين مقابل حياة انسانية فيها حق الحياة بذل دون الحقوق السياسية ؟، وهل يمكن لحركة حماس ان تنجح في تحويل الشعب الفلسطيني من صاحب قضية سياسية الى شعب يطالب بحقوقه الانسانية من خلال ما تدعو له من مفاوضات انسانية؟.
استطيع القول جازما ومن خلال استقرائي لمسيرة حركة حماس والتمعن ايضا بالمعطيات الموضوعية التي سبقت انطلاقتها بأن التصريحات الاخيرة المتتالية منها والمتوالية حول ما يسمى اهمية المفاوضات الانسانية مع اسرائيل لم تأتي اعتباطا ،ولا حتى هي مجرد ردات فعل لما تعانيه تلك الحركة من تناقضات في الفكر والمسلكية، وإنما هي تتويجا لكل ما قامت به الحركة من افعال خلال نهاية مشهد في مسرحية وجودها على المسرح الفلسطيني الذي اتقنوا ما جاء على خشبته من ادوار البطولة ،وما المفاوضات الانسانية الذي راج في الآونة الاخيرة الدعوة اليها الا الغطاء لتحقيق ما نادوا به من هدنة طويلة مع اسرائيل وذلك ما لم ينجح الشعب الفلسطيني في تغيير المعادلة من خلال الاقتناع بان ما جاءت به حركة حماس من شعارات صدعوا رؤوسنا وفتقوا اذاننا بها ما هي الا لإيصالنا بوعي منهم او دون وعي الى مرحلة نعيشها الان وهي التوسل فيها لتحقيق حاجاتنا الاساسية ،وذلك بعد ان كنا في مرحلة نعمل فيها على انتزاع حقوقنا السياسية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق