نعم حياة الأقباط وسلامهم وتأمينهم وإستقرارهم فى بلدهم مصر هو شأن قومى يهم المصريين جميعا ‘ ويجعلهم ضمن خريطة وإستراتيجية الأمن القومى لمصر‘ وحياة الأقباط تتضمن عبادتهم المسيحية وممارسة شعائرهم الدينية فى أمن وحرية كاملة ‘ ولا أغالى القول إن تقدم الدولة المصرية وتقدمها رهين بإستقرار المجتمع المصرى كله بطوائفه وأطرافه‘ فلا يقال مسلم ولا قبطى بل يقال شعب مصرى واحد ‘ وفى تاريخنا الحديث مرت على مصر فترات قوة وإستقرار رغم قلتها فى التاريخ ‘ كانت فترات توحد فيها الشعب المصرى بإقباطه ومسلميه ‘ وهى الفترات التى آمن فيها الأقباط على حياتهم فأعطوا الوطن كل ماعندهم‘ ووقف الوطن أمام الأعداء جسرا وحائطا منيعا بمسلميه وأقباطه ‘ويمكن القول ان نهضة مصر الحديثة تحققت وقت قيام الأقباط صفا واحدا مع باقى الشعب فى مواجهة موجات الظلام فى تاريخه ‘ولعل المثل فى ذلك عام 1805م ‘ وتحققت فيها قوة تفعيل سلطة الشعب المصرى بكل طبقاتة وفئاته بمسلميه وأقباطه ‘ نحو إرادة مصرية مستقلة ‘وطريق واحد للمواطنة ‘نستعيد اليوم صفحة من تاريخ مصر الوطنى والعريق ‘ ففى هذا العام عام الأرادة المصرية ‘كان بداية نهضة مصر الحديثة‘عندما شبت الثورة بقيادة السيد عمر مكرم ‘ قام نواب الشعب وزعماؤه بخلع الوالى التركى خورشيد باشا عن ولاية مصر‘ وقرروا تولية محمد على واليا على مصر‘ ‘فقام مندوب خورشيد باشا بلقاء عمر مكرم ‘ وابلغه برفض قراراتهم ‘ وقال له " كيف تعزلون من ولاه السلطان عليكم وقد قال الله تعالى " أطيعوا الله .والرسول . وأولى الأمر منكم " فأجابه عمر مكرم " أن أولى الأمر هم العلماء وحملة الشريعة والسلطان العادل ‘ وهذا الرجل رجل ظالم ‘ وقد جرت العادة من قديم الزمان أن أهل البلد يعزلون الولاة الظالمين.
وإزاء هذا الرفض قرر الشعب المصرى الثورة . فأجتمع قادة الشعب ‘ عمر مكرم ‘ جرجس الجوهرى كبير المباشرين الأقباط والشيخ الشرقاوى والشيخ الأمير والقاضى ‘ وقرروا حمل السلاح لكل قادر . وخرجت جموع الشعب بجميع طبقاته واختلاف أعمارهم ومراكزهم وطوائفهم ‘ حتى قال المؤرخون أن فقراء الشعب من العامة كانوا يبيعون ملابسهم أو يستدينون ليشتروا الأسلحة ‘ ونشب القتال بين الوالى والشعب ‘ حول القلعة ‘ حتى إستسلم خورشيد باشا ‘وترك القلعة وغادر البلاد . وهنا إنصاع السلطان العثمانى لقرار شعب مصر ‘ وذهب الوفد المصرى وكان منهم البابا القبطى الأنبا غبريال ليطالب محمد على لرئاسة مصر ‘ وصدر الفرمان بتثبيت محمد على واليا على مصر ‘ إستجابة لثورة وطلب شعب مصر .وهكذا توجت الثورة بفوز إرادة الأمة المصرية ‘ وإستقر الحكم لما أراده الشعب ‘ وهكذا بدأت نهضة مصر الحديثة عام 1805.
هذه صفحة واحدة من تاريخ مصر الناصع ‘حيث أشرك محمد على الأقباط فى هذه النهضة فأرسل الأقباط أفواجا الى العالم الخارجى ليتعلموا ويأتوا عائدين لينهضوا ببلدهم ‘ لذا رأينا تحكم الإرادة المصرية فى مصير شعبها وأمتها ‘ ومستقبل أيامها ‘ حيث قرر الشعب وزعماؤه ‘ ولم يستسلموا الآ بتحقيق مطالبهم. هذا كان منذ أكثر من مائتي سنة .
وفى عصر الملكية (فؤاد وفاروق) تمتع الأقباط بأغلب حقوقهم حيث كان هناك ثقلا إقتصاديا لإثرياء الأقباط ‘ فكان بعضهم يملك الآلاف من الأفدنة ‘ وقوة أقتصادية فى جميع المجالات ‘ فكان لهم الأمن والإستقرار والمشاركة العميقة بينهم وبين باقى الشعب ‘ وحتى قيام ثورة 52 كان للأقباط أسماء كبيرة وعديدة فى المشاركة الوطنية وتوطيد أواسر الوطنية بين الشعب الواحد ‘ فكانت مصر من أهم بلاد العالم والقاهرة والأسكندرية من أجمل بقاع الأرض وكان يهاجر إليها الأجانب ليعملوا فيها ويكونون الثروات فى نهضة إقتصادية كبيرة‘فى ظل إستقرار الشعب وأمانه.
وفى حكم عبد الناصر أحب غالبية الأقباط الفقراء والأسر المتوسطة جمال عبد الناصر ‘ وكانت تخرج جموع الأقباط لتهتف له ‘ وإنحرفت الأمور بشدة عندما قام عبد الناصر بتأميم ثروات الأقباط التى كانت تمثل 75% من قوة مصر الإقتصادية ‘ ثم إنشاء الجامعة الأزهرية وإعطاء الدين الإسلامة قوته فى نجاح ورسوب الطلبة ‘ ولكن كان عبد الناصر حريصا على كبت التيار الإسلامى من التعدى على الأقباط ‘ فقام بالمشاركة فى بناء كتدرائية الأقباط ‘ ووثق علاقته مع بطريرك الأقباط وهيلاسلاسى أمبراطور أثيوبيا الإرثوذكسى والتابع لبطريرك ألأقباط ‘ وخرج الشعب ومعهم غالبية ألأقباط بالملايين يطالبون الرئيس بعدم التنحى ‘ وكذلك شاركوا فى صفوف القوات المسلحة وحولوا مع إخوانهم المسلمين الهزيمة فى 5 يونية 67 إلى النصر فى أكتوبر 73‘
ولا يمكن أن ينسى التاريخ قوة مصر فى تلك الفترة ‘ وسيادتها على كل الشعوب المحيطة بها ‘ بل ومشاركة مصر فى تحرير وإستقلال أغلب البلاد العربية والأفريقية ‘ وكان شعار المصريين ‘ إرفع رأسك ياأخى ‘ كان هناك الهدوء والإستقرار لشعب الأقباط فى ظل بطريكية الأنبا كيرلس السادس وشخص جمال عبد الناصر الذى تصدى للتطرف الدينى وكبت جموحه.
وعن عصر السادات قال الأستاذ حسنين هيكل فى وصفه له " خرج المارد من القمقم " على يد السادات الذى خرج يصرخ فى الشعب " أنه رئيس مسلم للشعب المسلم " وإستدعى علماء الدين الإسلامى من بلاد المنفى ومعهم جموع الإخوان المسلمين الذين أطلق لهم العنان فى التطرف الدينى السلفى ‘ وبث روح الفرقة بين المسلمين والمسيحيين ‘ وشارك السادات بنفسه فى مجازر الأقباط مثل مذبحة الأقباط فى الوايلى والزاوية الحمراء والخانكة وغيرها ‘ وأطلق وزيرداخليته ليتعقب الأقباط ‘ وحتى نال من بطريركهم العظيم الأنبا شنودة الثالث وأساقفة وكهنة الأقباط بوضعهم فى السجون بكل مهانة ‘ ورغم أن الشعب المسلم لم يكن راضيا عن تصرفات السادات مع الأقباط ‘ وعاش القبطى فى إضطراب طوال حكم السادات ‘ وكلنا نعرف مخطط السادات ضد الكنيسة القبطية وشعبها ‘ ومع ذلك شارك الأقباط جنودا وظباطا فى حرب أكتوبر 73 كشعب واحد ‘ وتحقق الإنتصار وعادت أرض مصر لإحضان شعبها من الإسرائيلى العدو ‘ وكانت مصر تعيش فى إضطراب وعدم أمان وبدأت الجماعات الإسلامية تهاجم المسيحيين فى بيوتهم وأعمالهم ‘ حتى إنتهى هذا العصر بإغتيال التيار الإسلامى المتطرف له‘ ولم تتمتع مصر بيوم من الإستقرار فى ظل حكم السادات الذى ترعرع فيه الفساد وإغتصاب أموال الشعب والدولة على يد جموع الإخوان المسلمين العائدين من منفاهم.
وجاء الزمن الأسود فى حكم مصر منذ تولى مبارك الحكم وحتى تخليه عن السلطة بعد حكم 30 عاما ‘لأن مبارك كان يتعامل مع قضايا الأقباط بخطة توازنية بين الإخوان والسلفيين والأقباط ‘ فأطلق العنان لوزير داخليته ‘ فأحرقت الكنائس وبيوت ومحلات الأقباط ‘ ووقع أغنياء الأقباط تحت الجزية التى كانت تفرض عليهم علنا ‘ وعاش الشعب القبطى أسود أيام حياته ‘ من قتل وسلب الأقباط وتهديم كنائسهم وخطف نسائهم وأسلمتهم ‘ وكان مبارك فى الوجه مسالما وفى الحقيقة تاركا للتيار الإسلامى السلفى الذى كان لعبة توازنية تحت يد مباحث أمن الدولة أن يفعل مايريد فى الشعب القبطى وكنائسه .
ويعيد التاريخ نفسه ويكون البابا القبطى الأنبا تواضروس الثانى ضمن ممثلى الإرادة المصرية لتغيير خريطة الطريق ‘ وبعد خروج الشعب القبطى بكل أفراده بالملايين فى 30 يونية ‘ وأسقطوا حكم الإخوان المستبد والطائفى ‘ وبدأت ظاهر نهضة مصرية حديثة ‘ وخرج فيها أيضا الشعب القبطى بالملايين ليصوتوا للدستور وأيضا لإنتخاب السيسى رئيسا لمصر ‘ وكان جزاء هذا الشعب حرق كنائسهم وديارهم ‘ ولكنهم وقفوا حائطا منيعا ضد خراب مصر ‘ وتحملوا لفترات طويلة أن يتعبدوا ويصلوا فى الشوارع ‘ وكل حرصهم أن لا يستغل المتطرفين الإسلاميين بإنهيار مصر ‘ وحتى هذه اللحظة يقف الشعب القبطى صفا واحدا خلف الرئيس السيسى ‘ وشهد بذلك العالم كله ‘ وحتى هذه اللحظة يحمل المسلمين الأقباط فى نجاح الثورة والسيسى فى حكم مصر.
وفى هذه الأيام يخرج علينا كل صباح خبر إختطاف وليس إختفاء لبنات وسيدات أقباط بهدف أسلمتهم ‘ ووصل عددهم الآن بالمئات ‘ فى ظل صمت الحكومة المصرية عن إتخاذ أي إجراء لوقف هذا التيار ‘ وتماديه بكل قوة وجهارا فى زعزعة أمن الأسر القبطية التى تعد بالملايين ‘ ويستمر هذا النهج الإسلامى فى خطف القبطيات وأسلمتهم ليغطى خريط مصر كلها ‘ بصفة ممنهجة ومدروسه ‘ ويجعلنا فى قلق دائم وغضب وثورة مع كل خبر فى خطف فتاة أو إمرأة قبطية.
وأذكر فى عام 1970 واجه الرئيس جمال عبد الناصر هذه الموجة فى إختطاف القبطيات وأسلمتهم بكل الوسائل غير المشروعة كما يحدث الآن ‘ والتى ترأسها نائبه حسين الشافعى ‘ بعد إختطاف القبطيات وأسلمتهم بالقوة والعنف والإغتصاب ‘ وكان أن إجتمع عبد الناصر بقيادات الدولة فى فبراير 1970 فى مقر القوات الجوية ‘ وطالبهم بالقضاء على هذا الوباء ‘وبالفعل هدأت الأمور ‘ وآمن الأقباط على حياة أولادهم ولكن إلى حين.
ونحن اليوم وفى ظل بناء مصر الحديثة نحو مستقبل أفضل ‘ بمشاركة الشعب المصرى كله ‘ وفى ظل خروج الشعب القبطى بعد إحتجابه عن المشاركة فى الحياة السياسية لزمن طويل ‘ ومشاركته فى بناء بلده مصر ‘ ووقوفه صفا واحدا خلف الرئيس السيسى ‘ تزحف على مصر غمامة سوداء تغمرنا بظلام دامس وعلى يد زيول الإخوان المسلمين الخفية ‘ وصفوف السلفيين الذين يملأون البلاد تطرفا وفسادا ‘ ويقومون بتجنيد شبابهم فى خطف نساء الأقباط وأسلمتهم علنا وبالقوة .
وإذا قلنا أن حياة الأقباط وأمنهم فى مصر تدخل فى نطاق الأمن القومى المصرى ‘ فإن الأمن الوطنى للقبطى مفقود ‘ والأسرة القبطية تعيش فى عدم أمان على بناتهم ‘ وبالتالى تعيش فى ظل مجتمع مزعزع ومتطرف ‘ يسمع بآذانه صوت الميكرفونات تصرخ بتكفير الأقباط ‘ وتشرع لقتلهم أو إسلامهم ‘ ماذا عن مجتمع فى كل صباح تأتيه الأخبار بخطف قبطية وأسلمتها بالقوة ‘ هل هذا أمن قومى لهذا البلد الذى يخطط لبناء إقتصادى قادم ‘ وفى ظل قيام الدولة بمحاربة الفساد وتعاطى الرشاوى وإستغلال النفوز ‘ لمحاولة عودة الإستقرار للشارع المصرى ‘ فهناك تبقى حياة الأقباط فى بلدهم تستحق وقفة قوية من سلطة الدولة ‘ لأنه كما قلت أنها أمن قومى يهم مصر كلها ولن تعود للمجتمع قوة وأستقرار إلا بعودة الأمان للأقباط .
ونحن لا نحمل الرئيس السيسى فوق طاقته ‘ وهو يفعل بكل قوة مايستطيع لتفعيل وحدة المصريين جميعا ‘ ولو أنه المسئول الأول عن إستراتيجية الأمن القومى لبلادنا ‘ وخطط إستقرار المجتمع بكل جوانبه ‘ولأنه مهما كانت القوة الإقتصادية لمصر ‘ فالصورة فى ظل إختطاف القبطيات وأسلمتهم ‘ تظل مشروخة لمصر أمام العالم كله ‘ ولكننا لا نعفى رئيس الحكومة ووزارة الداخلية ومسئولي الأمن القومى من إنتشار هذا الوباء الذى بدأ فى ربوع مصر كلها ‘ والذى يهدد مصر بعدم الإستقرار وشعور الأقباط وهم بالملايين بالغربة والتخوف المجتمعى فى بلدهم مصر ‘ والمطلوب التحرك السريع لترميم هذا الشرخ الكبير ‘ وإعادت المخطوفات لأهاليهم ‘ وهم قادرون على ذلك ‘ ومحاكمة عادلة لكل من يشارك فى التقسيم الطائفى للمجتمع المصرى ‘ وليعمل مسئولى الأمن الوطنى ويدخلون فى خططهم أمن الأقباط ضمن الحفاظ على الأمن القومى لشعب مصر جميعا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق