لا أَثقُ بطائر الوقواق/ عز الدين المناصرة

قال ﻓﻲ وصف الطريقْ
قال ﻓﻲ هَجْوِ النيامْ
قال ﻓﻲ مَدْحِ الدمِ المُخْضَرِّ،
من أجلِ القطيعْ:
يا أﺑﻲ 
- أوَّلُ المقطعِ، هنديٌّ سماويٌّ يُصلّي للمطرْ
أوَّلُ الحبر، كلامْ
آخرُ المقطع، ترويجُ السموم
آخرُ الحبر، دموعٌ وانتقامْ.
لا تَقُلْ هذي خرابيشُ وَرَقْ
إنَّها مِقْصَلَةٌ...
من خشبِ الزيتونِ واليُسْرِ وأعوادِ الكرومْ
فوق نَطْعٍ رائقٍ مثلِ الشَّفَقْ
آخرُ المقطعِ تقسيمٌ لصوتي
كيف نَثْوَرْتَ جبالي ﻓﻲ الغيومْ
كيف عانقتَ المدى،
هذا المدى رومٌ ورومْ.
منذ أنْ كنتُ رضيعاً ﻓﻲ الخلاءْ
هذه الأرضُ بساتيني وعُلّيقي
إجاصي وثماري ونجومي والهُمومْ
ثُمَّ أجراسُ حنينِ النوقِ ﻓﻲ حقلِ الرُّعاة
ربَّما من وَلَهِ العاشقِ نصطادُ الأغاني
كي نداوي بَحَّةَ الصمت المقيمْ
أو نعرّي سطحَ هذي الروح
ﻓﻲ غربتها الزرقاء، أثناءَ الصلاة
كي تنادينا إذا شاءَتْ تراويدُ الشفاه
فلماذا طائرُ الوقواقِ مفتوناً يغنّي
فوقَ أجسادِ الشظايا المطمئنّة ؟!!
يا أﺑﻲ صاروا صدىً
ليس له طَبْلٌ وَرَنَّهْ.
- طائرُ الوقواقِ يحتلُّ تراباً من ذَهَبْ
طائرُ الوقواقِ يحتلُّ السماء
طائرُ الوقواقِ يحتلُّ الهويَّةْ
طائرُ الوقواقِ يحتلُّ تلافيفَ العقولْ
طائرُ الوقواقِ يحتل كتابَ المجدلية
طائرُ الوقواقِ يحتلُّ سراديبَ الأعالي السرمديّة
طائرُ الوقواقِ لصٌّ ﻓﻲ النّهار
يسرقُ التفّاح من أرواحنا، ثُمَّ الهواءْ
وأنا صرتُ أناشيدَ لمريام
نقوشاً فوقَ كَفَّيْن وتطريزاً
على صدرِ الدُجنَّةْ.
يا حليبَ اللوز ﻓﻲ دارتنا
عِمْتَ مَسا
عندما يذكرني العابرُ يزدادُ نحيباً وأسى
لا تغازلْ يا أﺑﻲ صَكَّ النهاياتِ...
سَيَحْتَجُّ العنبْ
كيف نثورتَ سلالَ البرتقالْ
رُبّما قد يزعلُ التاريخُ ﻓﻲ كهفِ الرقيمْ
إنَّها أرضُ (نعيمٍ وتميمْ).

- قال ﻓﻲ وصفِ الطريقْ
أيّها النّورسُ خُذْني للسماءْ
أيّها الملحُ الذي صارَ بلونِ القار...
شوكاً ﻓﻲ الحُلوقْ
أيّها الشمعُ الذي كانَ بياضَ الروح
يا جذري المُضاءْ
أيُّها النجمُ الذي هرَّبَني نحوَ جسورِ الكبرياءْ
أيُّها الوعدُ الذي ظلَّ نشيداً ﻓﻲ الزُّقاقْ
أيُّها الصمتُ المُراقْ
يا ثلاثينَ سَنَةْ
ﻓﻲ شبابيكِ بقايا الدور، ﻓﻲ قلبِ الحُطامْ
مثلما كنتُ... وما زلتُ أميرَ الاشتياق.

- قال ﻓﻲ وصفِ الطريقْ
بين مريامَ وقلبي
حَبْلُ مَصّيصٍ
مناديلُ من الوردِ وماءْ
نخلةٌ تنثرُ أطفالاً وقدّيسينَ
طَلْعاً ورحيقْ
فلماذا دربُ مريامَ حريق!!

- يا كرومي 
إنَّ قولَ الصَحِّ آفةْ
ﻓﻲ الصحافةْ.
- جذرُ عشتارَ علاماتٌ وراياتٌ من البِفْتِ
ونوقْ
غابةٌ من زنبقٍ يرعاكِ ﻓﻲ الحوضِ العتيقْ
غابةُ الماءِ الذي ينسابُ فجراً
ﻓﻲ عروقِ الشمس، يغتالُ النقيقْ
كم تمنّى عاشقٌ ﻓﻲ غورِكِ الصافي العقيقْ
أن يغنّي لحماماتِ الرموز
حاصرَ الوقواقُ طاقاتِ الضياءْ
كيف يا ناشفةَ الروحِ من السُكْرِ أُفيقْ
حيث روحي مثلُ نعشي
حاصرَ الوقواقُ عُشّي.

دَرَجُ الروحِ اكتشافٌ وعذاباتٌ شَجِيّة
ديركِ المزروعُ ﻓﻲ التلِّ المُبَجَّلْ
كلَّما أوغلتُ ﻓﻲ هذي السفوحِ العسجديَّة
أشعلي هذي النُّذور
لا تمرّي
قربَ صفصافاتِ بابِ الجامعةْ
ستتوهين بدهليزِ القرنفلْ
إحذري... وردكِ يذبلْ
يسرقُ الوقواقُ من آهاتنا الرَّعدَ المُجَلجلْ
والأغاني
الأغاني تترجَّلْ.

- يا كُرومي
نَشِفَ القاموسُ ﻓﻲ دُكْنَةِ هذا الليل...
آخرُهُ طفلٌ لقيطْ
يا كرومي المؤمنة
ذلك الفجرُ سِخامْ
كنتُ طاردتُ هديلَ الأُغنية
ﺛﻢ طارتْ ﻓﻲ هديرِ الشاحنة
لا ظريفُ الطولِ
داواني
ولا جفرا
ولا نوحُ الحمامْ
عَشَّشَ الوقواقُ ﻓﻲ تلكَ الأغاني المُزْمِنَةْ.

- قال ﻓﻲ وصفِ العيونْ
عنبٌ من خُضْرَة البلّور، والماءُ نبيذاً صارَ ﻓﻲ قاعِ المخازنْ
صار عُشباً ﻓﻲ السلاسلْ
بعد هذا
لَوَّن البحرُ تجاويفَ المحيطْ
بازرقاقٍ من وَرَسْ
ثُمَّ رنَّ الهاتفُ المربوطُ بالصحراءِ
فارتَجَّ الجَرَسْ
فأتَتْ صاغرةً هذي القوافلْ
ثُمَّ جاءَت من تقاطيعِ الفضاءْ
بحماماتٍ زواجلْ
قُمْنَ كَحَّلْنَ الليالي
فلماذا أيُّها الدربُ... التعالي 
ﻟﻢ أَشَأْ أن أتخلّى عن سماءٍ وتوابلْ
تلك يا غاليتي دربُ العيونْ.
قلتُ للشُبّاكِ إن شئتَ الهواءْ
ضَعْ على صدركَ مُنْخُلْ
كي تَمُرَّ الفتنةُ الخضراء، 
تمشي
تتهادى
تترنَّحْ
قلتُ للشبّاكِ إن شئتَ من النخلِ الرُّطَبْ
إفتح القلبَ لِعَصْفي وجحيمي
سوفَ تربحْ
قال يا شاعرَ كنعانَ الذي
من طينةِ الشامِ ومنديلِ الموشَّحْ
إن تفَوَّهْتُ بعشقي
سوف أُذْبَحْ
ﻭﻟﻬﺬﺍ سوف أشكو 
لعساليجِ العنبْ
ربّما تفهمني داليةٌ قربَ حَلَبْ.

- جَنَّنَتْني 
فتنةُ العنقودِ ﻓﻲ هذا القَوامْ
قلتُ: لا يُشْبِهُها هذا الكلامْ
أو يُساويها، إذا شاءت... أَحَدْ
ﻓﻲ صفاءِ الماسِ والصحوِ الرفيعْ
قمتُ أوعزتُ لنارِ الأولياءْ
أنْ تغنّي لمقاطيعِ البَلَدْ
قربَ ساحِ المهرجانْ
المواويل التي – زريابُ غنَّاها
على سطح الزمانْ
جَنَّنَتْني فاتناتُ العينِ ﻓﻲ صمتِ البقيعْ
كحريقِ الأغنيةْ
شَبَّ ﻓﻲ الروحِ وساخَتْ
أرضُ عذرائي البَتولْ
كلّما سالتْ مآقيها
تذكّرتُ الخليلْ
فأشُمُّ الدّارَ، لو تُشبهُها، ثُمَّ أقولْ:
لستُ إلاَّ حجراً ﻓﻲ قاعِ هذا الأرخبيلْ
أرقبُ الفضَّةَ ﻓﻲ الخصرِ النحيل
أو أشُمُّ الزَّعفَرانْ
قربَ ساحِ المهرجانْ.

لا تَقُل قد قَسَّموها يا أﺑﻲ
فهي ضوءٌ أبديٌّ ﻓﻲ المكانْ
وهي مفتاحُ سماواتِ القبولْ.
يا عزيزي المستحيل
يقرأ الوقواقُ أسفارَ الرحيلْ
حين لا يكتشفُ الجذرَ،
ويغشاهُ الذبولْ
إنَّ للخوفِ من الأرضِ... أُصولْ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق