مأساة شعبنا واعلان الحرب عليه،لم تبدأ من إقرار لجنة القانون والدستور الإسرائيلي لقانون أساس القومية الصهيوني يوم الأربعاء الماضي،والهادف الى جعل دولة الكيان الصهيوني دولة لكل يهود العالم،دولة عنصرية نقية من غير اليهود،المعتبرين وفق أساطيرهم التلمودية والتوراتية شوائب وادران سرطانية وطحالب يجب التخلص منها،بل بدأت مأساة هذا الشعب بإنعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل بسويسرا آب/1897،حيث جرى تحديد الهدف لهذا المؤتمر،بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين،ومنذ ذلك التاريخ والحركة الصهيونية تعمل وفق رؤيا وعقيدة واستراتيجية صهيونية لتحقيق هذا الهدف بزرع فلسطين بالمستوطنين محل سكانها الأصليين العرب الفلسطينيين في سياسات إحلالية اقتلاعية ...تهجرهم وتطردهم وترحلهم قسراً من أرضهم وعن وطنهم وفق سياسات تطهير عرقي ممنهجة...والقرار الإسرائيلي الأخير ليس اكثر من تظهير و"قوننة" لتلك السياسات والممارسات العنصرية..
في الحالة الإستعمارية التي يعاني منها شعبنا نتيجة إحتلال أرضه وإقتلاعه وإحلال المستوطنين مكانه.وفي ظل ما نشهده من إنزياحات يمينية نحو العنصرية والتطرف في المجتمع الإسرائيلي ككل منذ عام 1996،وليس فقط عند القيادات والأحزاب،فإن الحديث عن وجود يمين ويسار اسرائيلي،فيما يتعلق بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وثوابته،يصبح نوع من " الفنتازيا" والتمرين العقلي،فهذه الأحزاب والمركبات السياسية الصهيونية بمختلف تلاوينها،تتفق على ما هو جوهري وتختلف في الجزئيات والتفاصيل،فعلى سبيل المثال لا الحصر جميعها متفقة على أن الإستيطان وتسمينه ثابت من ثوابت الإستراتيجية الصهيونية،وكذلك اعتبار القدس الكاملة والموحدة عاصمة ليس فقط لدولة الإحتلال،بل لكل يهود العالم،وعدم الإعتراف بحق العودة للشعب الفلسطيني،ولذلك نرى بأن دور اليمين الصهيوني في دولة الإحتلال تنفيذ ما يقره ما يسمى باليسار الصهيوني،فهذا اليسار والذي يطلق اعتباطاً على الأحزاب الصهيونية من حزب عمل و"كاديما" و"يش عتيد" المستقبل و"ميرتس" وغيرها...هي من تصدرت طرح المشاريع المعادية للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة،والتي تكرس الوجود الصهيوني على كامل مساحة فلسطين التاريخية،فعلى سبيل المثال لا الحصر،حزب العمل هو من بادر الى اغراق الضفة الغربية بالمستوطنات،وحاييم رامون احد قادة هذا الحزب سابقاَ،هو صاحب مشروع الإنفصال عن القرى والبلدات المقدسية،للحفاظ على نقاء عبرانية ما يسمى بعاصمة دولة الإحتلال،وهو صاحب فكرة جدار الفصل العنصري،في حين "تسيفي ليفني" وزيرة خارجية الإحتلال السابقة ومن قيادات حزب العمل سابقاً وحزب " كاديما" لاحقاً،هي من أشد الداعمين والمنظرين لفكرة يهودية الدولة،في حين "آفي ديختر" رئيس "الشاباك" المخابرات الإسرائيلية العامة السابق،واحد قيادات حزب العمل،هو صاحب فكرة القومية اليهودية،وهو الذي طرح هذه الفكرة على لجنة القانون والدستور للمصادقة عليها،تمهيداً لإقرارها في "الكنيست"،البرلمان اليهودي بالقراءتين الثانية والثالثة،بعد ان جرى إقرارها بالقراءة التمهيدية والموافقة عليها باغلبية 62 صوتاً.
نتنياهو وقادة حكومته يعتقدون ويتوهمون بان شعبنا الفلسطيني،كما هم الهنود الحمر سكان أمريكا الأصليين الذين جرى قبل 300 مئة عام ابادتهم في أبشع عملية تطهير عرقي،وبأن حالة الإنهيار والتعفن غير المسبوقتين للنظام الرسمي العربي،وضعف وتشتت الحالة الفلسطينية،تشكلان لهما ظروف مؤاتية،لكي يطبقوا نموذج الهنود الحمر عليه،حيث جرى يوم الأربعاء الماضي إقرار ما يسمى بقانون أساس القومية الصهيوني،هذا القانون الذي يمأسس ويشرعن العنصرية والتمييز العنصري بأبشع صوره،ويجعل من "اسرائيل" الوطني القومي لكل يهود العالم،ويفتح الطريق امام شرعنة الإستيطان والتطهير العرقي،وكذلك يجعل حق تقرير المصير والحقوق السياسية الجماعية،حق حصري لليهود دون سواهم،ويخفض مكانة اللغة العربية من لغة رسمية يتحدث بها أبناء شعبنا منذ مئات السنين الى لغة ذات مكانة خاصة مكرساً اللغة العبرية كلغة رسمية وحيده،وبما يعنى اننا لسنا شعب،بل مجموعات سكانية...وكذلك القانون يعتبر،بان القدس الكاملة والموحدة ليست عاصمة لإسرائيل فقط،بل عاصمة لكل يهود العالم....وهذا القانون المغرق في العنصرية والتطرف يفتح الطريق امام طرد وترحيل أكثر من مليون ونصف فلسطيني في الداخل الفلسطيني- 48 - لصالح ما يسمى بدولة عبرية نقية ...ويمهد الطريق لفرضه على الضفة الغربية بعد ابتلاع معظم أرضها دون ان يكون لديهم حقوق المواطنة الكاملة،والقانون يفرد مكانة خاصة للإستيطان،ويعتبره ثروة قومية،يجب العمل على حمايته وتشجيعه،كما انه يدعو الى تسهيل وتشجيع الهجرة من دول العالم الى دولة الكيان،وبموجب هذا القانون يعتبر نتنياهو بان الديمقراطية وحقوق الإنسان خطر على يهودية الدولة،والديمقراطية الأثنية التي يؤمن بها نتنياهو،هي ديمقراطية المشاركة في الإنتخابات،دون ضمان حق الأقلية في التعبير عن خصوصيتها القومية والثقافية،ومصادرة حقها أيضاً في التعبير عن إرتباطها بارضها ووطنها،وحسب هذا القانون لم يجر تعريف وتحديد لحدود دولة الإحتلال.
الإحتلال وقادته عليهم ان يدركوا بأن صدور قانون أساس القومية وشرعنته وقوننته،لن يضعف إرتباط شبعنا بأرضه ووطنه،ولن يتمكنوا من طرده وتهجيره في نكبة جديدة،والخائفون والمرتجفون من يسرقون أرضاً ويطردون شعباً،والمتششكين في مشروعهم،هم من يحتاجون لمثل هذه القوانين،اما شعبنا الذي قام ويقاوم الغزوة الصهيونية لأرضنا ووطنا على مدار 70،وعلى الرغم من كل المجازر وعمليات التطهير العرقي التي مارستها الحركة الصهيونية بحقه،فهي لم ولن تنجح في إبادته ولن يكون هنوداً حمر،فهو مستمر بمقاومته بأشكاله المختلفة المكفولة والمضمونة وفق الشرائع الدولية،فهو يقاوم بالطائرات الورقية والبالونات الحارقة والمسيرات الشعبية السلمية وكل أشكال المقاومة المشروعة وليس بوارد خلده ان يرفع الرايات البيضاء،مهما بلغت الحالة القيادية الفلسطينية من ضعف وتردي ...فنظام الفصل العنصري " الأبارتهايد" سقط في جنوب افريقيا ...ونظام "الأبارتهايد" الفصل العنصري سيسقط في اسرائيل،ونحن الفلسطينيون لن نكون هنوداً حمر نتبخر او نختفي او نقتلع من أرضنا ووطنا،وحتماً سننتصر ..فالتطورات التي تجري في المنطقة عربياً وإقليمياً ودولياً ليست في صالح دولة الإحتلال....ونحن واثقون بان محور المقاومة العربي - الإسلامي يتقدم مشروعه في المنطقة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق