حينَ يشيخُ قلب اللّيل/ صالح أحمد

الفَجرُ لا يَدنو كَيانًا باتَ يَستَجدي الضّجَر
والنّورُ لا يَحلو لِعينٍ ضيّعت بالوَهمِ سِرَّ الإنعِتاق
يبقى الضّبابُ سِتارَ مَن ألِفوا دَهاليزَ الحَياة
وانبَتَّ عَنهُم ذلك الخيطُ المُمَوِّهُ بينَ مَوتٍ أو ضُمور
مَن يُهدِ جرحَ الأرضِ إن عَطِشَت نَداكِ أيا ينابيعَ الصّهيل؟
فِعلُ النّدى فينا تغرّبَ عن مَواسمِهِ...
                          تسلّلَ خلفَ غُربَتِهِ، تميَّزَ، واحتَرَق...
في خَندَق النّزَواتِ تَستَعطي بَراءَتَها عُيونٌ خانَها لونُ الوجودِ...
                                                        مَضَت تُعرّيها الرّؤى

دعني أصيرُ نِداكَ يا صوتَ الرّضا
وتَشرّبي نجوايَ أسرارَ الدّجى...
                  ليَشيخَ قلبُ اللّيلِ... يشرَبُني السّحَر
كم أعشَقُ النّغَمَ الصّبيَّ يصيرُ صوتَ السّالكين
وهَواتِفَ النّفسِ النّقيّةِ ترتَجي في بَثقَةِ النّور المَراقي
فَتَطَهَّري بالنّورِ يا نَفسي وذوبي في مَراقي الوَصلِ، في أفُقِ الحُبور
تَتَعَملَقُ الغاياتُ راعِشَةً على لَهَبِ انصِهارِك
مِن حرقَةِ القَلبِ المؤمَّلِ تَستَقي الرّوحُ السّكينة
تَهمي على وَعيي نَدى فِكرٍ سَما طُهرًا بِعُذرِيِّ الملامِح
ليموتَ ذَيّاكَ البريقُ المنطوي في كهفِ نزوتِنا الحَرون
لو أنّ لونَ الحبّ لوني... 
                              كيفَ يُنكرُني الطّريق؟
لو كانَ لونُ الفجرِ لونُكِ يا عُيون... 
                                ما كانَ يَسبيني البَريق!
لو أنّ روحي من ندى الأسحارِ تَقبِسُ شَدوَها... 
                                                ما صارَ عنواني الشّرود!
لو مُهجَتي من صَفوِ قلبِ الفجرِ يدفُقُ نبضُها..
                                                 ما عشتُ يُشقيني الصّدود !

هيّا سواقي الرّوح... مُدّيني بدِفئِكِ، 
حَرِّري قَلبي مِنَ الأملِ العَزوف!
أنا في مَهاوي الحزنِ أقبعُ تحرقُ الأشواقُ أيامي ويصدَعُني النِّدا
يا طائِرَ الأنسِ ادْنُ مني...
أنا مِن صَهيلِ الرّوحِ أنسجُ صَرخَتي... وصدى اللِّهاثِ الثّاكِلَة
قد أسلَمَتني غُربتي لليُتمِ... 
                      يُتمُ الرّوحِ في دنيا التّرّدّي
والشّوقُ يحرِقُ لَهفَتي..
ظمآنُ... يُدنيني، ويُقصيني... 
كؤوسُ الصَّبرِ مُفرَغَةٌ...
ومَوقِدُ مُهجَتي دوني...
ويُدنيني، ويُشقيني...
أظلُّ على مَشارِفِ صَحوَتي أعدو... لِظلّ سَكينتي  
ظمآنُ.. يُتمُ الرّوحِ يُهديني شَفافِيَةَ السَّراب
فألوبُ، يصدّعُني فَراغُ النّفسِ، يُثقِلُهُ فَراغي
ويموتُ طَيفي... كُلُّ خَمرِ الحُبِّ لا يُروي ظَمايْ
وأظنّني عالجتُ شَوقي ... تَستَفيضُ سَذاجَتي:
يا نابِضَ الحُزنِ ارتَشِف نَزفَ الرَّجا...
يَدعوكَ غَيثُ الحُبِّ كُن خَصبي... 
يسعى إليكَ الحُبُّ مِن عُمقِ المدى
دِفئًا إذا ارتَحَلَ الشّتا تَسقيكَ دافِئَةُ الدّموع...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق