حتى قبل تولي "دونالد ترامب" رئاسة الولايات المتحدة، كانت شخصيّته تنضح بانحيازه العملي لإسرائيل، حيث أثبت ذلك، منذ اللحظة الأولى من تعداد أعضاء إدارته، ومن ثمّ جلوسه على التلّة، حيث بدأ بإجراءات نادرة نحو تشييد علاقات (شاملة)لا سابق لها مع إسرائيل، وسواء بالنسبة لتصوراته الأمنية الواجب تحقيقها، أو لإسناد شخصيّتها داخل المؤسسات الدولية.
حيث حصلت إسرائيل على تصورها الأمني الكبير، والذي لم تنله في أي وقتٍ مضى بصورة جوهرية، وهو التعمّق أو (الاندماج)الحقيقي بقوّة عظمى، باعتبار أن التحالف الاستراتيجي القائم بينها وبين الولايات المتحدة منذ العام 1981، برغم نجاحه في استخلاص كافة الأغراض منه، لم يكن مكتملاً كما هو الآن.
أيضاً، وفي ضوء قيامه بالتنكّر لالتزامات أمريكية سابقة، وسعيه باتجاه تقويض حل الدولتين، فإن إجراءات "ترامب" والتي على رأسها، قيامه بإجراءات نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، هي التي جلبت أغضاب الفلسطينيين، خاصة المؤسسة الرئاسية، حيث ساهمت في تنفيذ بعض الشعائر الاحتجاجية، وبدرجةٍ أقل، الجمهور الأوروبي، الذي عبّر عن أسفه لتلك الإجراءات، وبدرجة أكثر انحداراً، النظام العربي، الذي حالفه الحظ، في تكوين بعض العبارات الرافضة لها، باعتبارها غير متوقعة.
بعد كل إجراء، كان "ترامب" على عكس ما توفره الطبيعة لكل نفس، من الالتزام بالصبر بعد كل حادثة، حيث أصبح مستمراً في اتخاذ المزيد من الإجراءات وسواء المحاذية لإسرائيل، أو المتنافرة مع الفلسطينيين على نحوٍ خاص، والتي كان آخرها إغلاق الممثلية الفلسطينية في واشنطن، وقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية، حتى تلك الموجهة إلى مجالي التنسيق الأمني والتطبيع.
كانت تلك السياسة ولا تزال، (أهم لبِنة) لا في التصور الأمريكي وحسب، بل في التصور الإسرائيلي أيضاً، باعتبارها وخلافاً لرغبة الفلسطينيين، الكفيلة التي بإمكانها المساهمة في تهيئة الظروف المواتية، لإنجاح صفقة القرن، التي من المفترض أن تخرج إلى حيّز الوجود قريباً.
إن الحسم في أي أمر عند حدوثه، هو أمرُ جيّد، خاصة وأن السلطة الفلسطينية، قفزت خطوات هامّة، نحو إعادة النظر في الرعاية الأمريكية لمسيرة السلام، لا سيما وأن الرئيس الفلسطيني "أبومازن" أعلن رفضه وفي كل مناسبة، وسواء للإجراءات الأمريكية المتواترة، أو لاستمرار واشنطن بمتابعة دورها كوسيط أول للسلام، وأعلن عن عزمه بالوصول إلى جهات دولية أخرى للحلول محلها، وكان قد هاجم أواخر الأسبوع الماضي، خلال كلمته أمام الجمعية العامة "ترامب" بسبب سياساته تجاه الفلسطينيين، واصفا إياها بأنها اعتداء سافر على القانون الدولي.
لكن مع عدم وجود بدائل، أو التعلق ببدائل وخيارات وهميّة، لمساندة القضية الفلسطينية، فقد يعمل ذلك العدم، على استلام المزيد من الخسارة، لاسيما وأن العناصر الاخرى من المنظومة الدولية، تعتبر في عداد المفقودين، خاصة وأن أياً من تلك العناصر، ليس في واردها مواجهة الولايات المتحدة، كما ولن يكون إبداء أي إجراء صارمٍ ضد إسرائيل، باعتبارها قوّة إقليمية مهمّة، تُسهم في الأمن الدولي من جهة، وفي الحضارة الغربية من جهةٍ أخرى.
على أي حال، قد يكمن فهمنا أحياناً، في أن إصرار "أبومازن" في تحديد سلوكه على هذا الشكل، هو لإدراكه بأن تكون هناك تغييرات أو تقلّبات جادّة، وسواء داخل الولايات المتحدة نفسها، أو في توازن القوى الدولية لصالح القضية الفلسطينية، ولكن تلك التغيرات بقدر ما هي لدى الكثيرين حول العالم، لا تبدو ممكنة، نتيجةً للمعطيات القائمة، فإنهم من جهةٍ أخرى، يشهدون، بأن القضية الفلسطينية، لا تزال في حاجة إلى الرعاية الأمريكية، حتى في حال استمر "ترامب" في سياسته، باعتبارها من الحقوق الأمريكيّة المحفوظة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق