لا شيء أكثر من هذا الثلج: مسكن الوحدة وبيت الأمل / شوقي مسلماني

لا يكفّ الجرح الأوّل ـ الحاضر الأوّل في العبث والألم، ومعه، وإلى جانبه دائماً، الشاعر والناقد والمترجم اسكندر حبش، حتى المجموعة الشعريّة الأخيرة "لا شيء أكثر من هذا الثلج"، عن الوحدة والغربة أيضاً. مادّة هذه المجموعة يصوغها الشاعر بعين الحاضر، باعتباره حضور آخر تعصف فيه رياح الرمل: "أنا .. مِن صمتِ هذا الصوت"،  لأنّ الصراع مع الذات، بسبب من خيانات، أو الخدعة بعد الخدعة. الإنكسار إلى الإنشطار: هو وهو الآخر، وليس هذا الآخر أي آخر، إنّما تحديداً الآخر الذي هو لا "يخصّه"، وربّما المجهول تماماً حتى يقول: ".. حياتي بعيدة عنّي لا تخصّني"، و"أحيا كألم الأشياء التي ننساها". 
فعْلُ الإداراك ينطبق على حبش في مجموعته الجديدة. هو يُدرك ليله، يتتبّع خطوات الإنكسار بالصدق والثقة، يتتبّع كلّ ما "بين فاصلتين". لا بدّ من خلفيّة للمشهد: الهواءُ مسموم يتنفّسه الشاعر من الماء إلى الماء، وأخلاقيّاً في المحلّ الأوّل، اندحارُ قيم وانقلابُ أَعلام على القيم لصالح أسواق النخاسة. ولأنّه لم يضلّ، وكثيرون بعدُ الذين لم يضلّوا، هو مسكن الوحدة وبيت الألم، وهو ذاته: "لا اتّجاه لهذا الخطّ، فقط هو الوهم" أو عندما المسافة هي فقط "خط" ولا جهة إلاّ الوهم. 
وفيما المدينة هيئة الشاعر اسكندر حبش في مجموعة "لا شيء أكثر.." المولودة في بيروت بين 2007 ـ 2008 والصادرة عام 2015، أو له منها حصّة راسخة: "أشبَه بصوت مدينة في الصباح الباكر" و"اغلقِ الباب خلفك" و"صوتٌ ينقسم على نفسه" فإنّ القصيدة كثيراً تأخذه إلى حنين قديم، وها هما الريف والبريّة: "مساء الريف"، "اشتعال الجبال"، "سترسم القصب"، "سيرة النهر"، "الرعاة"، "قبل أن يتركوا خلفهم ظلالاً تحجّرت"، "مشيئة الطيور"،.. و"لتكن هذه الريح". ما يعني الإحاطة والتجربة التي أشرقت عليها شمس الجبال والتجربة التي أشرقت عليها شمس البحر والتجربة التي أشرقت عليها شمس الإنكسار كثيراً. 
وبكلّ الشفافيّة أو الإتّزان والرقّة يكون الإستعراض والإستنطاق والرثاء، وأينما يقع النظر يقع على خراب. حتى إشكاليّة الزمن هي لا نفي الزمن ولا التغيّر بل عند الشاعر المتهدّم بمطارق من كلّ جهة حجارة متراكمة فوق الجسد. وبانعطافة أخيرة لا بدّ من مطالعة أعمال الشاعر اسكندر حبش ومنها "بورتريه لرجل من معدن" و"الذين غادروا" ليتأكّد أنّ تجربة مجموعة "لا شيء أكثر من هذا الثلج" لها عالمها الإنساني النبيل والعميق أيضاً مثلما لها نكهتها العالية وأريجها الخاصّ أيضاً. 
Shawki1@optusnet.com.au 
    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق