الدكتورة تغريد يحيى- يونس هي إحدى رائدات التعلّم العالي والدراسات العليا والبحث والعمل الأكاديمي في مجتمعنا العربي، وإحدى رائدات النشاط النسويّ فيه، وهي صاحبة الدور البارز في دعم المرأة ونهوضها المجتمعي. لها إسهام في الحياة الثقافية المحلية ومشاركة فعّالة في الحلقات الفكرية والندوات الدّراسية والأمسيات الثقافية.
تغريد يحيى- يونس خبيرة علم الاجتماع، وهذه هي الصيغة المخففّة التي تفضّل أن تستخدمها في تقديم نفسها عوضًا عن صفة عالمة الاجتماع (والأخيرة هي الترجمة الصحيحة لكلمة سوسيولوجست الانجليزيّة - sociologist). تعمل محاضرة وباحثة في جامعة تل أبيب ومركز أبحاث المثلث، وهي رياديّة في خياراتها الشخصيّة ذات الحضور العلنيّ، وفي مجال تخصٌصاتها الأكاديميّة وأبحاثها الأكاديميّة، وفي مجالات تدريسها الأكاديمي واهتماماتها المعرفيّة، حيث الرئيسيّة من بينها هي علم اجتماع الغربة والغريب، نظريات الانتماء والغربة، النظرية ما بعد الكولونياليّة، النظريات النسوية وتاريخ الحركات النسائية في الشرق والجنوب العالميّ، العلاقات الأثنية، السياسة والجندر، والمجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل. المساقات التي تبنيها وتدرّسها في برنامجَيْ ماجستير في جامعة تل أبيب، دراسات الجندر والدراسات الثقافيّة، تعتبر مساقات رائدة في مشهد الأكاديميا الإسرائيليّة، في المضامين الغير مطروقة والتّوجّه والطرح النقديين.
د. يحيى- يونس مثقٌفة طلائعية ذات فكر متّقد، تخوض غمار الأفكار الجديدة الصعبة، ولا تقنع باليسير الهيٌن. لها العديد من الأبحاث المنشورة بالإنجليزيّة والعبرية والعربيّة. بالإضافة إلى كتاباتها العلميّة، فهي تكتب في موضوعات فكريّة وقضايا مجتمعيّة وتنشر من على المنابر المتاحة لجمهور أوسع. كتاباتها تحمل رؤى وأفكار تقدميٌة وتنويرية، فيها أحلام وتطلٌعات مستقبليّة لمجتمع أفضل، فيها نقد لمجتمعنا العربي، للظواهر السلبية والممارسات الضارة، ودعوة صريحة للتغيير وإصلاح المجتمع على أسس سليمة ومتينة لمنع المزيد من التردّي القيميّ والضّرر المجتمعيّ. من مجمل الموضوعات، كتبت عن السلوكيات في الحيّز العام، وعن الصالح العام، والمثقّف، والتعامل مع الوقت، والثقافة الفلسطينيّة، واللغة وغيرها. والدكتورة تغريد تتميّز بلغتها العربية الثريّة القويّة الراقية المدهشة واللافتة، وعلى مستوى عالٍ، يلمس القارىء أن عطرًا يفوح من كتاباتها، وليس له أن يتوه عن طلاقة بيانها.
لتغريد يحيى- يونس الكثير من المواقف والطروحات التي تعكس ثقافتها ووعيها وفكرها الحرّ المتنوّر، وإن لزم الأمر، فكلمتها حادّة كالسوط. ومما نشرت مؤخرًا، شدّ انتباهي وجذبني ما كتبته بخصوص التكريمات غير المستحقة، تحت عنوان " التكريم بين الأصل والحاصل"، حيث تقول بعد أن تعرّف ما التكريم وما هي أسسه وضوابطه: "التكريم كما هو حاصل في ربوعنا لا يتطابق مع الحالة النموذجية أو المعيارية، ولا يقترب منها، يكفي ألا يتوفر أحد أركانه ليقع خلل. لدينا من هم وهنّ أهل للتكريم، فهل لدينا جهات مخوّلة لتسميتهم واختيارهم وصوغ الاعتبارات المهنية الموضوعيّة والصدقيٌة التي تسوّغ خصٌهم بالتكريم. إنّ شيوع التكريمات الحاصل في الأوساط المختلفة عندنا، والأدبيّة منها على كثرة رابطاتها حديثة العهد هي أبرزها، وفي أوساط
لا تسمية ولا صفة رسمية لها، ومن جهات وأشخاص لا صلاحية لهم بهذا الخصوص، وتجاه أشخاص لا يستوفون حدٌ الاستحقاق، كل هذا يفرغ التكريم من مضمونه، وهو ليس إلا كرٌمني/ كرميني، بكرمك، أو أقايضك، أيٌا كانت أشكال التكريم رهن المقايضة، وأيٌا كانت "البضائع" رهن المقايضة." وتستطرد قائلة: "حسن ورائع بل ضروريّ أن يكرم المجتمع أبناءه وبناته، ففي هذا اعتراف باستحقاقهم وهم أحياء، ولطالما تذٌمرنا من أن " لا نبيٌ في بلده "، وكم من مناسبة أسمعنا فيها أن مجتمعًا لا يقيٌم ويكرٌم أبناءه وبناته، لا يستحقهم ولا يستحق بِرٌهم، وأن التكريم شحذّ لطاقات وهمم الناشئين بين ظهراني المجتمع! السؤال: أين نحن وما هو حاصل من أصل وأصول وضوابط التكريم!!"
تمتلك دكتورة يحيى- يونس أبعادًا رؤيوية وتحليلات عميقة تتبدى في مقالاتها الفكريّة. على سبيل المثال لا الحصر، في مقال لها بعنوان "ليلة العربية وصباح "قانون القومية" "تكتب: "تكفي هذه الحالة نموذجًا من بين نماذج لا تُعَدّ ولا تُحصى تنطق بمكانة العربيّة بوصفها اللغة الأمّ لدى الأصلانيّين، وتجسّد سيادتها الكائنة والكامنة في نفوسهم وفي موطنها بالذات، وتطلق سحرها في حياتهم المعيشة في كلّ أبوابها، وفي تخصُّصاتهم الأكاديميّة – للدقّة كونها غير متاحة لهم هناك غالبًا، وفي اهتماماتهم الفكريّة والمعرفيّة، وفي قراءات الترف التي يختارون، حيث تتيح لهم لغة الأمّ السباحة والتبحّر والغوص في بطون الكتب (بالمناسبة، هل ثمّة قالب لغويّ في العبرّية والإنـﭼليزيّة رديف لـِ "بطون الكتب"؟!)، والتماهي والتباهي، ليلامسوا ويتّحدوا مع عنصر مهمّ من هُويّتهم بكلّ الأبعاد، وليلامسوا وجدانهم الذي تمتزج اللغة الأمّ بتركيبه وكذلك تعبّر عنه، وتسهم بتشييد بنْية ذهنهم، وقوالب تفكيرهم، وفيها يصبّون تفكيرهم الإبداعيّ الذي يَكفر بقوالب التفكير هذه ويخرج عنها لينحت مفردات جديدة ومَفْهَمات مبتكرة في إنتاج شفويّ وَ/أو مكتوب.
بوصفها اللغة الأمّ، وعلى الرغم من تمكّن بعضنا من لغة ثانية وثالثة وشيكة /وشيكتين من مستوى معرفة اللغة الأمّ، لغتنا العربيّة هي وسيلتنا لنُكَوّن ذاتنا ونَكُونها ، لنخلُد إلى ذاتنا ونخلّدها، لنلتحم مع ذاتنا، وهي وسيلة ركيزة لوصولنا وتواصلنا وتشابكنا بالمحيط الثقافيّ (الحضاريّ) العربيّ الشاسع من حولنا. فأيّ صدفة، وقد لا تكون، تلك التي تصل ليلة عربيّة بصباح "قانون القوميّة"؟! وما معنى أن تصحو /تَصحي بعد ليلة مع العربيّة على "قانون القوميّة"؟"
وتختتم مقالها هذا بقولها: " يمأسس " قانون العنصريةً والأبرتهايد تجاه المواطنين الفلسطينيين الأصلانيٌيين ويُدخلهم في مرحلة أشدٌ وأقسى على كلٌ الابعاد، اللغةُ أقربها وأكثرها راهنيةً وأكثفها رمزية وبراغماتيةً، في ذات الوقت. ترى .. هل يرتقي الردٌ إلى حجم الحدث؟".
وفي مقابلة أُجريت معها، ترى د. تغريد يحيى- يونس أن "كل من يختزل يوم المرأة بتوزيع الورود فقط، فهو يضيٌع كنه وهدف ورسالة هذا اليوم. ربما تأتي الورود للتعبير عن شيء أجمل آت، فاذا كانت بهذا المعنى فلم لا، لكن اذا اختزل يوم المرأة فقط بهذه الشكليّة فهو تضيع لمعنى ومفهوم هذا اليوم ".
د. تغريد يحيى- يونس صوت يعلو في زمن الصمت والخوف والخضوع والخنوع والرياء والتملق والانبطاح والتزلٌف، يأبى إلا ان يُسمع كلمة الحقّ، وينتصر للإنسان الفلسطيني الحالم والباحث عن الحرية والوطن، وينتصر للغته وثقافته، ويقول للقاهر بهيئاته المختلفة إرفع يدك عن المقهورين الصامدين، شعبًا ونساء وفئات مستضعفة أخرى، لهم الحقّ في الكرامة، في حياة أفضل وغد أجمل. إنها نور يضيء للمجتمعات والأفراد، رجالًا ونساءً، دروبًا رشيدة في المجالات العلميٌة والتربوية والثقافية والسياسٌية والاجتماعية. ألف تحيٌة لك الأخت د. تغريد يحيى- يونس، بارك الله بك وسدّد خطاك لما فيه خير ومستقبل مجتمعنا وشعبنا. نشدّ على يديك، وإلى الأمام .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق