إثنــان أعيا الدهر أن يبليهمـــــــا : لبنان والأمل الذي لذويــــــــــــــــــه
وإذا الصبايا في الحقول كزهرها : يضحكن ضحكا لا تكلف فيــــــــــــه
هن اللواتي خلقن لي الهـــــــوى : وسقينني السحر الذي أسقيــــــــــــــه
هذا الذي صان الشباب من البلى : وأبى على الأيام أن تطوـيــــــــــــــه
-إيليا أبو ماضي-
لبنان فلذة من كبدي وقطعة من قلبي وسبحة من سبحات فكري عرفته صغيرا في كتبنا المدرسية في نصوص ميخائيل نعيمة ومي زيادة وجبران خليل جبران ويوسف غصوب تلك النصوص التي حببتنا في لبنان الحبيب شممنا شيحه وعراره ،واستظللنا تحت أرزه وسنديانه وناغينا عصافيره وأطياره ، ذرعنا عبر وهج الكلمات دروب كفرشيما صعدنا متلهفين لروعة المغامرة شوامخ صنين ،كبر فينا العشق فرشقنا عذاراه مستلقيات على شواطئ صيدا وصور برائق الكلمات وبحنا بآهات العشق وتباريح الجوى فزدن في القلب ضراما وفي الروح تحنانا لذلك الجمال الذي صاغته يد الإله كأحسن وأبهى جمال عجنته من رياض الخلد فلا جرم أن يأتي ساحرا فتانا .
لبنان الصغير أرضا الكبير تاريخا أول من أعطى للعالم أبجديته هو من أعطى لأروبا اسمها أروبا تلك الفتاة التي خطفها زيوس باتجاه القارة العجوز فجاء أخوها قدموس ليستردها ولما ماتت هناك دفنت في تلك القارة فمنها أخذت أروبا اسمها تكريما لها.
للبنان اليد الطولى في نشأة وتطور الحضارة الإنسانية فما من بلد متحضر إلا وفيه بصمة من بصمات لبنان حتى لقد صدق الشاعر شفيق المعلوف حين قال مشيدا بفضل المهاجرين اللبنانيين والشوام عامة في دفع عجلة النهضة وإحياء الفصحى ورائق البيان العربي:
وإن لــــــــــــــــــــــــــــــــــواء نـحن قـمـنا نـهزه
خـفوقا على حصن البيان الممنع
لـواء ظـفرتم أنـتم بـاكتســــــــــــــــــــــــــــــابه
ونـحن ركزنــــــــــــــــــــــاه بـأرفع موضع
فلقد كان للبنان فضل في إحياء النهضة العربية منذ القرن التاسع عشر ودور آل معلوف وآل اليازجي والبساتنة محمود في نشر التراث العربي وتحقيق ذخائره والانفتاح على الثقافة العالمية وترجمة روائعها إلى اللغة العربية ومن ينسى عمل الأستاذ سليمان البستاني الجبار في تعريب إلياذة هوميروس ؟ ومن ينسى فضل دار المشرق في نشر الفكر واللغة والحرف العربي. وتلك النقلة التي أحدثها كتاب لبنان ومفكروه وأدباؤه لما انتقلوا إلى مصر وأسس المرحوم جرجي زيدان دار الهلال ومجلة الهلال واضطلع بالفكر والعلم نخبة من كبار علماء لبنان وأدباؤه كيعقوب صروف وشبلي شميل وغيرهم وأسست الراحلة مي صالونها الأدبي في القاهرة يوم الثلاثاء فكان ندوة أدبية وفكرية وعلمية وإنسانية في قلب مصر المحروسة حتى قال المرحوم إسماعيل صبري في ذلك الصالون الفريد من نوعه في الشرق:
روحي على بعض دور الحي حائمـــة
كظامئ الطير تواقا إلى المــــــــــــاء
إن لم أمتــــــع بمي نــاظـــــري غدا
لا كــان صبحك يا يوم الثلاثــــــــاء !
وفي أمريكا الشمالية أسس نخبة من شعراء لبنان وكتابه الرابطة القلمية التي كانت نصرا للأدب الصحيح والشعور الصادق والإبداع الكبير والتجديد في أدبنا الحديث مع نعيمة وجبران وعبد المسيح حداد ورشيد أيوب وغيرهم كما كانت زميلتها العصبة الأندلسية جمعا للشمل العربي في أمريكا الجنوبية ومساهمة في تجديد الأدب العربي وربطه بالأدب العالمي ومن يجحد شاعرية إلياس فرحات ورشيد سليم الخوري وغيرهما؟
وعبر دار الآداب ومساهمات الراحل سهيل إدريس ظلت بيروت عاصمة حقيقية للثقافة العربية بمعية القاهرة ودمشق ومن بيروت انطلق تيار الحداثة مع أدونيس ويوسف الخال وأنسي الحاج فكان ذلك تأكيدا لريادة هذا البلد في مضمار الخلق والابتكار وعدم الكف عن الجديد فكرا وشعرا .
وكان حافظ إبراهيم محقا حين امتدح الشام عموما ومصر وجعلهما ركنين كبيرين للضاد:
لمــــــــصر أم لربوع الشام تنتسـب
هنا العلا وهناك المجد والحسب
ركنــــــــان للشرق لازالت ربوعهما
قلب الهلال عليهما خافق يجب
خدران للضاد لم تهتك ستورهما
ولا تحول عن مغناهـما الأدب
أيرغبان عن الحسنى وبينهـما
في رائعات المعالي ذلك النسب؟
لذا لم يبتعد الشاعر إيليا أبو ماضي عن الحقيقة حين اعتبر هجرة اللبنانيين هجرة من أجل المعرفة والمجد والعلا وحمل اسم لبنان عالميا فضلا عن تدبير لقمة العيش والارتقاء بالحياة المادية :
لبنان لا تعدل بنيك إذا هم
ركبوا إلى العلياء كل سفين
لـــــــــم يهجروك ملالة لكنهم
خلقوا لصيد اللؤلؤ المكنون
لــــــــــــــــما ولدتهم نسورا حلقوا
لا يقنعون من العلا بالدون
لبنان الذي طحنته المحن ولم تنهه ظل شامخا أبيا للضيم عصيا على الخسف قويا على المحن خالدا عبر العصور خلود صنينه وأرزه وعلمته تلك المحن كيف يعيش الإنسان مختلفا متناغما متسامحا في ظل الاحترام والتسامح والمساواة حيث رباط المحبة والوطنية هما أوثق رباط.
ما أكثر الأسماء الجميلة التي صنعت ألق لبنان وإشعاعه وناره وجذوته: بيتر مدور صبحي الصالح منير بعلبكي رياض
الصلح أمين معلوف وغيرهم.
يا صوت فيروز الخالد شامخا كأنفها ، باذخا كقنة صنين ، أتحسس في طبقاتك رائحة لبنان المضخة بالمطر وأتفيأ في نبراتك الحادة ظلال أرزه فيحملني الوجد والإجلال والعشق غير المنتهي إلى رحابك كلما هتف القلب يا لبنان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق