الثلاثاء: 20-11-2018
العزيزة الغالية، أسعدت أوقاتا، وكل عام وأنت بخير ورضا بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، أعاده الله عليك وعلى الجميع باليمن والبركات. أما بعد:
لقد أحببت رسالتك المقتضبة الأخيرة، كانت غاية في الروعة؛ حتى وأنت يتملك شعور بالخوف من هذه الرسائل، أتفهمك جيدا، وأنت تقولين: "كم أخشى من رسائلك هذه التي تنشرها، بقدر ما أحبها إلا أنني أخشاها وأخشى ما ستتركه من ظلال على حياتي، فالمتربصون بي كثر، لكن لا بأس، فلتكتب ما دام ذلك يؤجج قدرتك على الكتابة وشهيتك لها". أقدر ما أنت فيه من هذا الشعور المؤلم، ومن مشاق العمل، وربما لم يترك لك فرصة لقراءة الرسائل السابقة بتأن، وقد أثارني ردك الذي أبلغتني فيه أنك قرأت الرسالة وأنت تغالبين النعاس، والتعب، جعلني أتذكر قول شوقي:
يا ناعس الطرف لا ذقت الهوى أبدا أسهرت مضناك في حفظ الهوى فنم
الحبيبة الغالية:
ما زلت مهموما في البحث عن الرواية، وأتابع ما كتب حول بعض الروايات الفائزة بالجوائز، ولذلك كلما قرأت مقالا له علاقة بهذا الموضوع، أحب أن أطلعك عليه، ومن ذلك المقال الذي كتبه الناقد الأردني مهند النابلسي حول رواية إبراهيم نصر الله "حرب الكلب الثانية"، إنه مقال صريح وجريء ونقدي انتقادي، وأنا أعرف الكاتب وجرأته وعدم ممالأته أو محاباته للكتّاب، فهو يكتب ما وجده حقا، وتظل له وجهة نظره التي بسطها في وقفته تلك. قد نتفق معها قليلا أو كثيرا. فلا أعتقد أنه قد تجنى على الكاتب كما بدا في رسالتك. فلا أظنّ أن في هذا النقد أي تجنٍ لسبب بسيط أن الكتّاب عموما يكتبون من أجل الجوائز. كثير من الكتاب لا يكتبون إلا من أجل الحصول على الجوائز. إنها مقبرة أخرى للكاتب أحذرك من متابعة أوهامها، ليس كل رواية فائزة هي رواية تستحق وليس كل رواية أهملت هي رواية رديئة. هذا أمر صعب جدا وشائك ومعقد، ولا أدري كيف يمكن لكاتب أن يفكك ما وراء هذه الظاهرة من جنون أو تلاعب أو توجيه.
بعد أن قرأت هذا المقال للكاتب مهند النابلسي في صحيفة "صوت العروبة"، أشعر أننا بحاجة إلى أمثاله في البعد عن المجاملة والمدح الذي يطيل عمر الزيف والوهن في الحياة الثقافية. إنني أثق بآراء هذا الصديق ثقة كبيرة. فهو ضليع في متابعة الخيال العلمي في الأفلام، وخاصة الأفلام الأجنبية، وله في هذا مقالات متعددة، وهو إضافة لذلك ناقد جيد أعرفه من أيام مجلة عود الند الثقافية، وهو ناقد جريء يصدح بآرائه حادة وقوية من على صفحته في الفيس بوك، يقول ما يريد قوله، ومقتنع فيه تماما.
لقد كشفت مقالات كثيرة عن تلك المشاكل التي تعتري الروايات الحالية، وألخصها في مشكلتين تبدوان على طرفي نقيض. فالروايات المعاصرة إما أنها تعاني من التكثيف والنزوع نحو الخطاب الأيديولوجي الفكري البحت، وتأخذ الروائي نحو الفكرة فينسى الصنعة الروائية المتقنة، فيخبت الفن الرّوائي، وعلى ذلك روايات كثيرة كأمثلة صارخة، وإما أن تطول الرّواية وتنوء بحمل لغتها المترهلة، وعلى ذلك روايات كثيرة أيضا بأمثلة مملة، لقد أصبحت هذه الروايات تعاني من الحشو الزائد الذي يضر بالرّواية وسلاستها ورشاقة أسلوبها. على كل حال ليست الرواية العربية هي وحدها التي تعاني من الخلل سواء في البنية أو في الأسلوب، فقد كتب الكاتب والروائي الإنجليزي جورجل أورويل مقالاً عام 1940 تحدث فيه عن الروائي هنري ميللر جاء فيه: "أن خمسة آلاف رواية تنشر كل عام في إنجلترا، وأن أربعة آلاف وتسعمائة منها هراء". إذا كانت هذه هي حال الروايات الإنجليزية، فكيف تبدو حالة الروايات العربية؟ لو كان جورج أورويل حاضرا، ويتقن اللغة العربية لقال أكثر من ذلك! فلا تغترّي بحصول الكاتب على جائزة، ربما هي لعبة عبثية لا أكثر.
ما يهم هو أن تأخذي هذا النوع من النقد وهذه الملحوظات بعين الاعتبار، وتبحثي عنها كثيرا في مقالات الكتاب، لتكوني محصنة تحصينا جيدا من الوقوع في الكوارث السردية والخطايا الروائية، فما زلت مقتنعا أن الرواية عمل صعب وشاق ويحتاج إلى الكثير من التعب والصنعة والإتقان.
لا أريد أن أطيل كثيرا في هذه الرسالة، حتى لا أرهقك في القراءة. وسأرجئ الحديث عن بقية رسائل يوسا في رسالة خاصة، لقد أسعدني جدا قولك: "أريد أن تكمل لي ما كتبه يوسا". وأحب أن أبلغك أنه في الأسبوع القادم سأتسلم كتابي الجديد من المطبعة، ففي هذا الكتاب أيضا تحدثت عن الرواية، وعما يتصل بهذا الفن من أفكار نقدية، وربما وجدت فيه ما هو مفيد حقا. كما أنني حصلت على نسخ من مجلة أدبية، ولك في ذمتي نسختان منها، سأوصلهما جميعا لك مع نسخة من كتابي الجديد في قادم الأيام بعون الله وتوفيقه.
قبل أن أنسى أعجبني جدا صوتك وأنت تترنمين بأغنية نجاة الصغيرة "عيون القلب". سبع دقائق ونصف نقلتني فيها إلى مرابع الجمال والشجن والحب، فيا لله ما أصفى هذا الصوت الملائكي الذي أعشقه بكل ترنيماته الشعرية والغنائية، حتى وأنت تتحدثين حديثا عاديا تكاد الموسيقى ترقص على شفتيك، وترقّص كل أوصالي. مفاجأة سارة جدا لم تكن متوقعة أعادتني إلى سنوات مضت، وأنت تغنين لي بعض أغاني نجاة وعبد الحليم وأم كلثوم. كنت في غاية اللطف والحب والبهجة والسعادة.
دمت بود وجمال، وإلى لقاء قريب، عساه يطفئ شيئا من لوعة الأشواق.
فراس حج محمد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق