الكتل التعبيريّة في نصّ (أنصت لصمتك لتكتمل الشجرة بداخلي) للشاعرة نعيمة عبدالحميد/ كريم عبدالله


وأنا أحرق أبجدية الحروف بلهب الحنين أنصت لأ ناتها و اكتب لك اشراقة تضيئ حميمية تحيلنا الى دخان يسري فوق وسوسة العرف يطهرنا ظل الحب الذي يدخلنا أزقة القصيدة الضيقة كغبار من ذهب،نتوارى في عزلتها المضاءة ككوكب دري لا ينام،هي مرفأ نبضات مجنحة يدور حولها محيط معتم لذلك أدعوك للقفز خلف أسوار القصيدة حيث نورها الخافت و نضوج عنب دواليها في حضورك المشتعل لنرى كيف تكون الحروف الميتة عناقا محرما نحلق عبره و لا نخشى هزات اللغة لأنها ارتباكات زهرة اورقت من رحم حجر اغريقي يضوع أريجها الجالس على حافة الليل بمجون حس هاجر من غور القلب، وأنت تهطل فوق اهدابي المحتفية بصمتك في هاتيك الأروقة نهتك صيرورة المادة و ادلق عطري في غرف الكلمات الممتلئة بحشرجة ثملة تتماهى على بتلات الزهور حينها ألقي عليك أسراري الباذخة وينسف هدير شغفي هدنة فتورك لتكمل بداخلي شجرة آثرت البعد و لا أستطيع التنعم بظلها. 

بقلم : نعيمة عبدالحميد /ليبيا

انّ قيمة المفردة في النصّ الشعري تكمن في نغمتها وصوتها وايحاءاتها واشعاعاتها الموسيقية وكذلك المعنوية التي تنبعث من جرسها , ان للمفردة طاقات يستطيع الشاعر استخدامها كأقصى ما يمكن من أجل شحن النصّ الشعري بطاقات وأنغام تضفي السحر والدهشة . ففي القصيدة السردية التعبيرية يكون معنى السرد ليس السرد القصصي او الحكائي , انما يعني تعظيم طاقات اللغة ونقل المشاعر العميقة والايحاء والتحدث بعمق عن المشاعر الانسانية , فنحن حينما نقرأ نصّا سرديا تعبيريا نجد اللغة تريد السرد الحكائي وسرد حادثة معينة , وتبرز لنا شخصيات ونستشعر بوجود حدث نصّي , لكن في النهاية نرى بان اللغة تتجه وبقوّة نحو بوح شعري ليس المقصود منه الحكاية وانما التعبير وبعمق وشاعرية , فنجد في النصّ كمية هائلة من الشاعرية . ان الكتابة بالطريقة الافقية ( الكتلة الواحدة ) وهذا ما ندعو اليه دائما ونحاول ترسيخ فكرة الكتابة عن طريق تعبيرات كتابية متواصلة وبدون فراغات او سكتات او نقاط بين هذه الفقرات , هذه الطريقة منحت الساعر السردي فسحة وفضاء كبيرين من أجل التحدث بعمق , اصبحت لغته لغة ساحرة تحطم هذا الواقع الى شذرات ومن ثمّ يعيد تشكله عن طريق الخيال الخلاّق والخصب ويحوّل الاشياء الى كمّ هائل من المشاعر والاحاسيس ويجعلنا نتحسس ونستنشق هذه الاحاسيس والمشاعر العذبة وكأنها ينبوع يتفجر من بين الصخور . اذا نحن سنكون أمام نصوص تتوهّج بالدهشة والتكثيف والايجاز وضغط اللغة وتفجير طاقات المفردة ووضعها في مكانها المناسب , وهذا ما وجدناه في هذه السردية التعبيرية للشاعرة نعيمة عبدالحميد / أنصت لصمتك لتكتمل الشجرة بداخلي / . فمن خلال العنوان نستشعر باللغة الصادمة وغرابتها وغوايتها في نفس الوقت , العنوان كان عبارة عن نصّ مدهش ثريّ وهذا ما ندعو اليه دائما , لان العنوان هو العتبة الاولى لدخول عالم الشاعر والسياحة فيه . ان الكتلة التعبيرية هي الوحدة المادية التي يشتغل عليها الشاعر في كتابته للشعر , وانها تمتلك بُعدا جماليا مؤثرا لما تحويه من انزياحات لغوية ورمزية تحيل النصّ الى مقطوعة يتفاعل معها المتلقي ويحاول تفكيكها وهي تنساب الى أعماق النفس , هذا الكتل التعبيرية تحمل زخما شعوريا عنيفا وعمقا تعبيريا حقيقيا .. / وأنا أحرق أبجدية الحروف بلهب الحنين أنصت لأ ناتها و اكتب لك اشراقة تضيئ حميمية تحيلنا الى دخان يسري فوق وسوسة العرف يطهرنا ظل الحب الذي يدخلنا أزقة القصيدة الضيقة كغبار من ذهب / نلاحظ هنا كمية الحنين والاشتياق واللهفة والحميمية في هذا الكتلة التعبيرية المشحونة بكل هذه الهواجس , تصوير مبهر فعلا للمشاعر الانسانية الصادقة نتيجة ما ساورها من قلق واضطراب ووساوس جعلت الشاعرة ترسمها لنا بطريقة تدعو للتأمل والوقوف عندها طويلا . وفي مقطع آخر من المقطوعة نختار / وأنت تهطل فوق اهدابي المحتفية بصمتك في هاتيك الأروقة نهتك صيرورة المادة و ادلق عطري في غرف الكلمات الممتلئة بحشرجة ثملة تتماهى على بتلات الزهور حينها ألقي عليك أسراري الباذخة وينسف هدير شغفي هدنة فتورك لتكمل بداخلي شجرة آثرت البعد و لا أستطيع التنعم بظلها ../ هنا نجد بناء جملي متواصل رائع وكتلة تعبيرية كبيرة زاخرة بالانزياحات العذبة والمفردة المتوهّجة وخيال جامح , لقد أمسكت الشاعرة باللحظة الشعرية ولم تفلت من يدها فكانت ان صورت لنا عوالم شعورية ما كنا سنجدها لو الكتابة بهذه الطريقة الافقية وبروح السردية التعبيرية , لقد استطاعت تجريد الاشياء من خصائصها وحوّلتها الى كيانات تبوح بكل شيء , لقد لامست مفردات الشاعرة الوجدان النقيّ لانها حتما انبعثت من مشاعر نقيّة , فتحقق كل هذا الجمال والتميّز .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق