وينستون تشرشل قال " في السياسة لا يوجد صداقات دائمة ولا عداوات دائمة،بل هناك مصالح دائمة،ولعل زيارة مدير مكتب الأمن القومي السوري على مملوك التي كشفت عنها وكالة الأنباء السورية " سانا" الى مصر مؤخراً والتقائه مع مدير المخابرات المصرية عباس كامل،تؤشر الى ان هناك تطورات مهمة تحصل في الساحة العربية،وبان عملية ترميم العلاقات العربية – العربية أخذة بالتبلور،خاصة بعدما اكتشف العرب بأن ما يسمى ب" الربيع العربي" دمر اوطانهم وتسبب في نهب خيراتهم وثرواتهم وهمش من حضورهم ووجودهم اقليمياً ودولياً،وحتى أصبحوا اعجز من ان يحلوا قضاياهم الداخلية،وبأن امريكا وقوى الغرب الإستعمارية ما يهمها بالأساس مصالحها وبيع سلاحها للعرب،و"استحلاب" المال العربي،فالتاجر المتصهين ترامب القادم من الاحتكار الريعي،همه بالأساس أن تدفع دول الخليج وفي المقدمة منها السعودية والإمارات وقطر الأموال له تحت شعار توفير الحماية لتلك البلدان ولحكامها من ايران العدو الإفتراضي الذي رسمته الدوائر الإستخباراتية الأمريكية والغربية والصهيونية لتلك الدول،والقول لهم إما ان تدفعوا مقابل حمايتكم،واما نترك ايران تحتل بلدانكم ...وتحت هذا الشعار الخادع والمضلل استنزف ترامب الخزائن العربية الخليجية،مئات المليارات دفعت له نقداً وأثمان سلاح واستثمارات في مشاريع اقتصادية وبنى تحتية امريكية.
اليوم بعد قرار الرئيس الأمريكي بسحب قواته من سوريا خلال مئة يوم،تحت الإدعاء الكاذب بتحقيق نصر على "داعش" التي سلحتها ومولتها امريكا،وبأن امريكا ليست مستعدة أن تبقي جيوشها لحماية وحراسة دول المنطقة بدون مقابل. هذا الإنسحاب الأمريكي وما سيتركه من تداعيات خطيرة،لن تطال سوريا وحدها،بل تطال كامل المنطقة،وفي ظل وصول العلاقات السعودية – التركية الى حالة كبيرة جداً من التأزم والتدهور،فأعتقد بان تلك الزيارة لم تكن مقتصرة على بحث العلاقات الإستراتيجية بين البلدين،فهناك تنسيق سوري- مصري متواصل حول الجماعات الإرهابية المصرية التي كانت تقاتل الى جانب الجماعات الإرهابية في سوريا،او الموجودة منها الان في إدلب تحت الحماية التركية،تلك الجماعات تشكل تهديداً للأمن القومي المصري،عبر تنسيقها وتعاونها ودعمها للجماعات الإرهابية العاملة في سيناء،وبالتالي سوريا تزود مصر بأسماء قادتها وتشكيلاتها وعلاقاتها مع الجماعات الإرهابية في سيناء وداخل مصر،ولعل هذه الزيارة استبقت اعياد الميلاد المجيدة،والتي تستغلها تلك الجماعات الارهابية من اجل القيام بعمليات ارهابية ضد اماكن العبادة المسيحية وضد المحتفلين بأعياد الميلاد...والتنسيق والتعاون الأمني السوري- المصري حول تلك الجماعات الإرهابية لم يتوقف،ولكن ما هو مقلق لمصر ولسوريا،هو الأطماع والمشروع الإستعماري التركي في المنطقة العربية ودعمها وتمويلها وتسليحها وايوائها للجماعات الإرهابية في سوريا ومصر،وكذلك دعم جماعة الإخوان المسلمين من اجل السيطرة على الحكم ،والعمل على زعزعة الإستقرار الأمني في تلك البلدين،فتركيا هي من ترعى الجماعات الإرهابية في ادلب وتوفر لها الدعم العسكري والمالي واللوجستي،وهي من تدعم الجماعات الإرهابية في سيناء وتدعم جماعة الإخوان المسلمين ضد النظام المصري.. تركيا تحاول أن تجعل من نفسها قائدة للعالم العربي- الإسلامي،ولها اطماعها في الأراضي العربية،وخاصة في حلب الموصل،وهي تسعى الى إحياء مشروع خلافتها التركية على حساب الجغرافيا والدم العربي،والسعي الى خلق انظمة في العالم العربي تقودها جماعة الإخوان المسلمين المتناظرة معها في الفكر والأيديولوجيا والهدف،ولذلك ترى بأن إنسحاب القوات الأمريكية من شرق سوريا،يعطيها الحق بالسيطرة على الشمال السوري،تحت ذريعة حماية امنها وإستقرارها من الجماعات الكردية،وخاصة حزب العمال الكردستاني،ولذلك هي تهدد بسحق تلك الجماعات الكردية.
واضح بان زيارة مدير المكتب القومي السوري علي مملوك للقاهرة،تتجاوز التنسيق حول القضايا ذات الطابع والبعد الإستراتيجي بين البلدين،ولكن يبدو بأن في صلب تلك اللقاءات ترميم العلاقات العربية – العربية،فغياب مصر عن الساحة العربية وتراجع دورها ومصادرته من قبل قوى عربية صغيرة،هو في صلب تلك المحادثات،ولذلك أعتقد بان هناك سعي جدي نحو إستعادة العلاقات العربية لطبيعتها لخلق مشروع عربي في المنطقة يتصدى بشكل فاعل للمشروع التركي التخريبي في المنطقة ،وربما من المبكر القول بأن الحديث يدور عن تحقيق مصالحة ذات بعد استراتيجي بين سوريا والسعودية،ولكن زيارة الرئيس السوداني لسوريا،وزيارة علي مملوك لمصر،ربما تكون في صلب تلك اللقاءات،فالسعودية تدرك بأن تركيا تقف الى جانب قطر،وبانها لعبت دوراً كبيراً في فضح وتعرية النظام السعودي في قضية مقتل الخاشقجي بسفارتها في استنبول،وهي من تهدد زعامته للعالم الإسلامي،ومن هنا بعد فشل الحرب الكونية العدوانية على سوريا،وإستعادة سوريا لدورها ومكانتها،وربما إدراك القيادات العربية،بأن تحقيق الأمن والإستقرار في العالم العربي، لا يمكن أن يتحقق على يد قوى خارجية،لا هم لها سوى مصالحها واهدافها في المنطقة ،بل هذا الأمن يتحقق بفعل العرب أنفسهم،وعبر مشروع عربي موحد،ورغم كل الألم وعمق الجرح السوري من اصطفاف السعودية الى جانب امريكا والجماعات الإرهابية التي عملت في سوريا ودعمتها السعودية بالمال والسلاح والإعلام والإيواء،فإن سوريا لم يكن همها دوماً سوى المصالح العربية العليا،والدفاع عن هويتها وعروبتها،وبذلك ربما نجد أنفسنا امام مصالحة سورية – سعودية تقودها مصر،مصالحة تستعيد المثلث العربي سوريا - مصر – السعودية في وجه المشاريع التي تستهدف الأمة العربية في جغرافيتها وهويتها...المنطقة حبلى بالتطورات والتحالفات التي قد تبدو غير معقولة،ولكن تلك هي السياسة تحكمها المصالح...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق