تناقش الجمعية العامة للأمم المتحدة فى هذه الأثناء وبضغط أمريكى مكثف نص مشروع قرار يدين حركة حماس بالأساس وفصائل المقاومة المسلحة الأخرى لممارساتها العدائية تجاه دولة إسرائيل؛ والمتمثلة فى إطلاق الصواريخ تجاه المدنيين الاسرائيليين فى المدن الاسرائيلية وحفرها للأنفاق التى تخترق الحدود باتجاه اسرائيل ولدعمها أنشطة تسلح عسكرى فى قطاع غزه يستهدف الدولة الإسرائيلية؛ كما أن القرار يدين سيطرة حماس على المساعدات الانسانية للقطاع وتسخيرها لخدمة تلك النشاطات العسكرية المعادية لإسرائيل؛ كما أن القرار فى نسخته الأمريكية الاسرائيلية لا يتطرق من بعيد أو قريب إلى طبيعة الصراع بين قطاع غزه واسرائيل كجزء من الصراع الفلسطينى الاسرائيلى؛ وهو ما كان محل جدل لتعديل صيغة القرار بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لمنحه موافقة 28 دولة، ومن الواضح أن الضغوط الأمريكية قد نجحت فى اقناع الاتحاد الأوروبي بتعديل هامشى على صيغة القرار يشير بطريقة غير مباشرة لضرورة حل الصراع عبر تسوية سلمية دون تضمين صيغة القرار أى نص يشير إلى حل الدولتين.
وتكمن خطورة القرار فى الأبعاد الاستراتيجية السياسية له؛ وذلك لأول مرة تطرح صيغة قرار دولى يستهدف طرفا فلسطيني بعينه فى جزء من الأراضى الفلسطينية بمعزل عن الصراع الأم بين اسرائيل والفلسطينيين؛ وكأن صراع غزة مع اسرائيل أصبح قضية صراع منفصلة لا علاقة سياسية لها بالصراع الأم الفلسطيني الإسرائيلي.
وهنا علينا أن ننتبه جيدا لحقيقة أصبحت واقعا سياسيا بفعل الانقسام الفلسطيني؛ وهى أن المقاومة الفلسطينية فى قطاع غزه تفتقد لأى غطاء سياسى منذ العام 2007، وعلى حركة حماس التى تتجاهل هذه الحقيقة أن تدرك خطورة تمرير هذا القرار؛ فهو توثيق دولى لهذه الحقيقة مدعم بسياسة اسرائيلية ممنهجة بدأت عشية إنقلاب حماس على السلطة الفلسطينية وإخراجها من قطاع غزة، تلك سياسة مضمونها تحويل أسس الصراع مع قطاع غزه من صراع سياسى إلى صراع مطلبي يفتقد إلى أى أهداف سياسية، ولقد نجحت إسرائيل فى ذلك بجدارة حتى تحولت اتفاقات الهدنة بين قطاع غزه وإسرائيل بعد كل حرب إلى هدنة ذات محددات مطلبية اقتصادية لا علاقة لها بأى مطالب سياسية ذات صلة بالصراع الفلسطينى الاسرائيلي حتى أصبح الحديث اليوم يدورعن هدنة ذات مطالب انسانية بين غزه وإسرائيل.
إن خطورة هذه الحالة التى وصلت لها المقاومة فى غزة يجب أن تدفع قادة الأجنحة السياسية فى حركة حماس والجهاد الاسلامي وباقي الفصائل المسلحة لخطورة الانقسام الفلسطيني على مسيرة النضال الفلسطينى بشكل عام وفى قطاع غزة بشكل خاص؛ لأن أى نضال لا يتمتع بغطاء سياسى ولا يتضمن مطالب سياسية؛ هو فى الحقيقة نوع من التضحيات المجانية يسهل على اسرائيل وشمها بالإرهاب واقناع العالم بذلك، وليس أدل على ذلك من نجاح الإدارة الأمريكية فى طرح مشروع قرارها الحالي والحصول على موافقة الاتحاد الأوروبى برغم تطور الموقف الأوروبي الكبير وتوازنه لصالح الفلسطينيين فى صراعهم مع إسرائيل.
وعلى صعيد آخر يأتي طرح مشروع القرار الأمريكى فى توقيت سياسي حساس وحاسم؛ فثمة مشروع تسوية تدور رحاه على الأرض بخطوات عملية لتصفية القضية الفلسطينية و والتخلص من الديمغرافية الفلسطينية سياسيا عبر صفقة القرن التى يراد لها أن تكون ترسيخ موثق للواقع الفلسطينى المهزوم والممزق بالانقسام الفلسطيني لأجل غير مسمى.
كما أن توقيت القرار في اللحظة الحالية فى قطاع غزه والذى يشهد حالة ترقب عسكرى بعد كسر المقاومة الفلسطينية لمعادلة الردع العسكرى لها فى المواجهة الأخيرة؛ وما أحدثته تلك الحالة من سخط فى المجتمع الاسرائيلى على حكومة نتنياهو والذى يواجه فى العام القادم استحقاق انتخابى بدأت تدار حملاته الانتخابية من الآن بحيث أصبح وضع غزه قضية انتخابية رئيسية بفعل تداعيات المواجهة الأخيرة معها؛ وهو ما سيؤدى عمليا لتسريع المواجهة القادمة مع غزة والتى ستسعى اسرائيل من خلالها لإعادة معادلة ردعها لنصابها الذى يحاكي ميزان القوة العسكرية بين قطاع غزه وإسرائيل، ولكن مواجهة من هذا القبيل ستطلب وبشكل تلقائي توجيه ضربة قاسمة وسريعة للمقاومة فى القطاع؛ وضربة من هذا القبيل تتطلب شيطنة المقاومة فى غزه وليس أفضل من أن تكون شيطنة دولية بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة لتبرر حجم الجرائم التى ستقترفها اسرائيل بحق سكان القطاع عسكريين ومدنيين لتعيد إسرائيل فرض معادلة الردع على القطاع المدمر وليقدم حزب الليكود هذا النصر للناخب الإسرئيلى فى الانتخابات القادمة خريف العام القادم.
والمفارقة هنا أن السلطة الفلسطينية التى تم طردها من قطاع غزه من قِبَل حركة حماس عام 2007 هى التى تخوض معركة حامية الوطيس فى الأمم المتحدة لمنع صدور القرار؛ ونجحت بتأجيل التصويت عليه إلى الخميس المقبل بعدما استطاعت الإدارة الأمريكية بوضعه على لائحة التصويت الاثنين فى محاولة منها لحشد أكبر عدد من الدول لمنع صدور القرار؛ وذلك برغم الرشوة السياسية الأمريكية فى مشروع القرار والتى تلعب بمكر على الانقسام الفلسطيني عبر تضمين القرار لفقرة فى أحد نصوصه تدعو إلى عودة سيطرة السلطة على قطاع غزة.
ولعل الأغرب هنا موقف حركة حماس التي تبدو مغيبة تماما عن تفاعلات المشهد الخطير المحدق بها وبالقطاع حتى ولو بمسيرات احتجاجية مساندة لجهود السلطة الفلسطينية فى الأمم المتحدة أو حتى بتصريحات سياسية داعمة للموقف الوطنى للسلطة الفلسطينية المساند والمدافع عن حركة حماس فى غياب أى موقف سياسى من أولئك الداعمين لها فى استمرار الانقسام الفلسطيني .
إن موقف السلطة الفلسطينية الرافض لهذا القرار والمقاوم له يدل على رؤية وطنية واستراتيجبة لأبعاد ما يحاك من مؤامرة على المشروع الوطنى، وعلى حركة حماس أن تستفيق سريعا وتدرك خطورة هذا القرار سيمس الكل الفلسطيني وتساند موقف السلطة بكافة الوسائل المتاحة قبل فوات الأوان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق