عندما أتكلم مع المواطنين يقولون لي أنهم يكرهون الحكومة الفيدرالية، و يكرهون المعارضة أيضاً. أنهم يكرهون السياسة الفيدرالية في هذا الوقت ونقطة على السطر.
بيتر فيليبس نائب أحراري في مجلس الشيوخ في نيو سوث وليلز (ذي سدني مورننغ هيرالد 1/12/2108 ص 28 قسم التحليلات السياسية)
منذ عدة سنوات نحت الحياة السياسية الأسترالية منحىً جديداً، حيث أصبحت الانقلابات الصفة المرافقة للعملية السياسية، بالإضافة الى الفضائح المالية والأخلاقية واستغلال السلطة لغايات ومنافع شخصية من قبل بعض السياسيين، والتي أدت الى تدهور سمعة الأحزاب الأسترالية الرئيسية (العمال،الأحرار، الوطني والخضر) وتشوهت صورتها لدى الرأي العام، الذي بدأ يتململ من إداء الطبقة السياسية، وهناك شعور عام بأن السياسيين منفصلين عن الحياة اليومية لعامة الأستراليين، وهناك حاجة ملحة الى إجراء تغييرات لجعل السياسيين أقرب الى الناس وهذا ما ينطبق على السياسيين الفيدراليين او في الولايات وحتى الحكومات المحلية ( البلديات).
فحسب صحيفة ذي سدني مورننغ هيرالد، الحزبين الكبيرين(العمال والأحرار) كانا يحصلان على نسبة 95% من الأصوات الأولية في الانتخابات في أوائل سبعينات القرن الماضي، ولكمن هذه النسبة بدأت بالتراجع بشكل دراماتيكي منذ ذلك الوقت، حيث يحصل الحزبين مجتمعين على نسبة تتراوح بين 70 الى 75% وهي النسبة الادنى منذ بدأ العمل بنظام الحزبين عام 1949. وفي الانتخابات الفرعية التي جرت في مقعد ونتورث في سدني شهر تشرين الاول الماضي انحدرت هذه النسبة الى 55% من نسبة الأصوات الأولية.
وحسب دراسة حديثة، نشرت في الهيرالد 5/12/2018 ص7 وأجراها المتحف الاسترالي للديمقراطية بالتعاون مع معهد التحليلات والحكم من جامعة كانبرا، وجدت ان الثقة بالديمقراطية تنحدر بشكل سريع، وان الرضا عن المؤسسات تراجع من 72% عام 2010 الى 42% بين 2013 و2016 وما زالت حتى اليوم عند نفس النسبة.
وقد بينت الدراسة أن الموطنين لا يعتقدون ان الحكومة تهتم بالقضايا والسياسات التي تهمهم.
وتنتهي الدراسة الى القول، بانه في حال عدم اتخاذ اي إجراء لوقف هذا الانحدار السريع، فان هذه النسبة ستصل الى 10% من الاستراليين الذين سيبقى لديهم ثقة بالسياسيين والمؤسسات السياسية عام 2025.
وكانت النساء اكثر تشاؤماً، واقل رضا عن وضع الديمقراطية الاسترالية، في ظل إستمرار ظاهرة التمييز على أساس الجنس المسيطرة على السياسة وبلغت النسبة 38%.
وكان المهجرون وأصحاب الدخل المرتفع من أكثر الفئات رضا عن الوضع.
وعلى المستوى الدولي ومقارنة مع الدول المتقدمة تبين ان الأستراليين الاقل رضا عن حالة الديمقراطية في البلاد.
وعن الاسباب التي تدفع المواطنين لهذا الاعتقاد تأتي ثلاثة عناوين في المقدمة
1- السياسيون لا يحاسبون على النكث بوعودهم.
2- السياسيون لا يتصدون للقضايا المهمة والاساسية.
3- قطاع الاعمال يملك الكثير من النفوذ والتأثير.
هذا الوضع أدى الى بروز ظاهرة الأحزاب الصغيرة (أمة واحدة وحزب الخضر وحزب المحافظين وحركة أنهضي أستراليا ) والمستقلين الذين بدأوا يشكلون
ظاهرة ملفتة في الحياة السياسية، وهذا ما أكدته نتائج انتخابات مقعد ونتورث الفرعية التي جرت في 20 تشرين أول الماضي، والذي فازت فيه النائبة المستقلة كارن فيلبس، وقد أرسل الناخبون رسائل بعدة اتجاهات، رسالة للعمال الذين لم يستفيدوا من الخسارة التاريخية للأحرار بل تراجعت أسهمهم الى 11.5%، ولم يكن وضع حزب الخضر بالأفضل، وكأن الناخبين يقولون لم يبقى الا هذا الخيار بعدما أصبح الحزبين الكبيرين يتشابهان وانهما أسوأ من بعضهما.
وفي انتخابات عام 2013، خسر الأحرار مقعد انداي في فكتوريا لصالح المستقلة كاتي ماغوون، وفي عام 2018 وفي الانتخابات الفرعية التي جرت بعد فضيحة ازداواجية الجنسية تغلبت ريبيكا شاركي على جورجينا داونر في مقعد مايو في جنوب أستراليا.
النائبة فيلبس تعمل على تشجيع المستقلين على المنافسة في أكثر من مقعد، وأضافت ان الناس تريد حلولاً للمشاكل لا صفقات الغرف المغلقة، والتي اصبحت من اختصاص الأحزاب الكبيرة، والتي دخلت في صراع وسباق محموم ومسعور للفوز بقيادة الاحزاب (كيفن راد - جوليا غيلارد عمال وطوني أبوت -مالكوم تيرنبول أحرار) حيث لم ينهي أي من هؤلاء ولاية تامة في رئاسة الوزراء.
وحسب دراسة للجامعة الوطنية الاسترالية، مركز الابحاث الأجتماعية والنظام، أجريت في شهر تشرين أول الماضي، وجدت ان الأستراليين وبشكل كبير ينجذبون الى فكرة ان يكون لهم زعيماً قوياً، لا يكترث للبرلمان، ولا للإنتخابات مع أستمرار تراجع الثقة بالأحزاب السياسية والمؤسسات الوطنية.
المفاجأة بالأستطلاع ان ثلث الاستراليين يرون انه من الامور الجيدة او الجيدة جداً ان يكون لديهم زعيم مستبد، بينما ترى أكثرية الفئة العمرية فوق سن الجمسين ان هكذا نظام فكرة سيئة، بينما فئات الشباب يدعمون الفكرة.
ما تقدم، يظهر أن هناك مشكلة، وبحاجة الى حل من أجل إنقاض النظام الديمقراطي، الذي يعاني من بعض المشاكل فمن سيتصدى لحل هذه المشكلة؟
إذن، ان المشكلة تكمن في ما إذا كان السياسيون يستمعون ام لا. لأن لدى هؤلاء القادة والزعماء دوراً مفصلياً وحاسم في عملية التغيير، وإلا فإن عملية الإصلاح مآلها الفشل، خصوصاً في ظل فقدان الشفافية حتى داخل المؤسسة الحزبية، وعدم وجود الثقة المتبادلة بين القادة والحزبيين، الذين يقومون بالاعمال الصعبة لهدف غير محدد، وهذا ما ادى الى تراجع عدد المنتمين الى الأحزاب (الأحرار دون الاربعين الفاً، العامل دون الخمسين ألفاً)، يتساءل الناس، لماذا الانتساب الى الأحزاب، إذا كانت كل الفوائد سيعود مردودها الى السياسيين المتمرسون الذين يقطفون ثمارها وحدهم، وما حصل خلال السنوات القليلة الماضية خير دليل على ذلك، حيث تغلبت النزعة الشخصية والعجرفة في تصرفات الساسيين للوصول الى اهدافهم، حتى وعلى حساب المصلحة الوطنية وليس الحزبية فقط.
ان قادة الاحزاب السياسية الاسترالية، بالأخص القادة الفيدراليين سيكونون أمام الامتحان الاهم، وهو هل سيتفقون على إقامة هيئة مكافحة للفساد على المستوى الفيدرالي كتلك الموجودة في نيو سوث ويلز والمعرفة ب (آي كاك) وغيرها في باقي الولايات، والتي توحي للمواطنين بأن السياسيين لديهم حسن نية، وفعلاً يريدون السير في عملية الإصلاح قبل أن يفوتهم القطار.
وهذا القاضي في المحكمة العليا ديفيد هاربر، يحذر، ويدق ناقوس الخطر من تنامي ظاهرة الفساد في أستراليا، وتداعياتها ، وقد شدد هاربر على حاجة أستراليا الى مفوضية فيدرالية وأضاف ان الفشل بإقماتها هو أحد الاسباب التي تبعدنا عن التخلص من آفة الفساد.(الموقع الألكتروني لصحيفة س م ه 14/11/2018)
إن عدم المبادرة، واللامبالاة السياسية، والفراغ السياسي، وندرة فرص المشاركة، وقلة الوعي الوطني سيدفع الناس الى السير في الاتجاه المعاكس كمؤشر عن عدم الرضا عن الاحزاب، أو رفضها، واليأس من القدرة على التغيير، وخيبة الأمل، وفقدان الثقة بهذه الاحزاب والتي قد تندثر إذا لم تواكب التغييرات وتواكب حركة العصر.
ونختم بما قاله حزبي أحراري آخر" هناك حاجة ملحة لإعادة البحث عن الروح" والتي يبدو ان الاحزب فقدتها، وهذا ما ظهر في إداء الحكومة والمعارضة في آخر جلسات مجلس النواب للعام 2018، حيث انحدر الى الإداء الى مستوى متدني ومقرف إذا صح التعبير.
وقد لخص الكاتب والاعلامي وليد علي الوضع بمقالة عنوانها (الثقة، والدعائم المفقودة للديمقراطية) ذي سدني مورننغ هيرالد 7/12/2018 ص 32.
سدني
Email:abbasmorad@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق