"يا ظلمُ فلا دُمْنا إن دُمتَ سيّداً \ ويا نِيرُ ما كنّا إذا لم تُحطّمِ \\ ويا قلمَ التاريخِ سجّلْ تاريخنا \ بنارٍ وظلّي يا عصورُ تكلّمي". هذا ما قاله الشاعرُ الفلسطيني ابراهيم طوقان، وهذا ما حفظه عن ظهر قلب فقيدُنا الراحل ابراهيم نعيم بزّي "أبو نعيم". خاض أكثر من حرب في عمره الكريم، المديد. رأى الفقْرَ والإقطاعَ في جبال عاملة، رأى الحرمانَ والقهر، رأى الفلاّحين والعمّال يسطو عليهم الإحتكارُ والإحتقارُ، وهو الحرُّ شرفه احترامُ الإنسان في أرضه وموطنه، تسمو به الكفاءة لا العباءة، والمواطَنَة لا الرعيّة. انتفضَ يافعاً ودخلَ السجنَ رافعاً راية مزارعي التبغ والكادحين. عاش أبو نعيم، ورأى كيف سَلبَ الأعداءُ فلسطين بمقتضى وعد من لا يملك لمن لا يستحق، بمقتضى وعد بلفور الإنكليزي بإقامة وطن قومي لليهود الصهاينة على أرض فلسطين العربيّة الأبيّة. راعَ راحلنُا الكبير هذا القَدْر من خيانات ملوكٍ وأمراء وقادة عرب، مستعدّين من أجل عروشهم أو كراسيهم أن يبذلوا كلَّ أخلاقهم وحْلاً، أن يرموا إبنَ جلدتهم الفلسطيني في الجبّ، أن يفرّطوا بالقدس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، أن ينصرفوا إلى مطامعهم الدنيئة والتآمر لصالح الإمبرياليّة إلى اليوم، وليست آخر هذه المؤامرات تلك المذبحة بالأمس القريب التي ارتكبها أخسّاء النفط والغاز في الرويس ـ الضاحية الجنوبيّة من بيروت فقتلوا أكثر من 27 مدنيّاً نحن نحسبهم عند الله شهداء مظلومين على رغم أنوف الأعداء وجرحوا المئات بتفجير سيّارة ملغّمة ضمن مشروع فتنة مذهبيّة مقيتة كبرى تجتاح بلاد العرب. هذا هو دين وديدن أكثر زعماء "العربان" سابقاً ولاحقاً. عين ما انتفض ضدّه أبو نعيم، لا بل خاض حروباً بقلبه وعقله ولسانه وقلمه أو بكلّ ما قدر عليه من أجل كلّ القضايا اللبنانيّة والعربيّة ومن أجل الإنسان المقهور، لأن أبا نعيم يؤمن إن الوعي الزائف أحد العراقيل بوجه الغد. آمن بالماديتين: الجدليّة والتاريخيّة فكراً، نهجاً، مبادئ، وقاده ذلك ليكون أمميّاً يصغي إلى أنين المعذّبين في الأرض أينما كانوا وإلى أي ملّة أو جنس أو لون انتموا. وفي حوار مكتوب معه قال: "الإتحاد السوفياتي انهار" لكنّه ذاته، أيضاً وأيضاً يحتفظ بجمرة الوطن الحرّ والشعب السعيد، أو بجمرة "المبدأ والفكرة". أخيراً رحل عن عالمنا المناضل أبو نعيم الحائز جائزة المثقّف الشعبي من المجلس الثقافي للبنان الجنوبي، وأكاد أقول: جائزةَ المثقّف العضوي لجهة التصاقه بالناس، لمشاركتهم همومهم وآمالهم وتطلّعاتهم وأمانيهم، وهو من أجل ذلك شيّعه لبنان الرسمي والحزبي والشعبي والحزب الشيوعي اللبناني والأمين العام للحزب الدكتور خالد حدادة ومدينة بنت جبيل البطلة والبلدات المجاورة باحتفال مهيب، وفيما ردّد الراحل مع الشاعر الذي سبقه إلى عالم الخلود ـ صلاح عبد الصبور ـ بعدما رأى ماذا فعلت وتفعل وحوش محليّة الصنع أو مستوردة، وتتناغم بشرورها مع الإمبرياليّة والصهيونيّة: "لا أدري كيف ترعرع في وادينا هذا القدر من السفلة والأوغاد". ردّد، في آن قولةَ الأبطال: الليل وإن طال إلى أفول، وكلّ إحتلالٍ إلى زوال، بعزيمة المقاومين وعرقِ العمّال والفلاّحين، وقلمِ المثقّف وبندقيّة الثائر. كفاكِ يا بنت جبيل، يا عروس الجنوب وجبل عامل ولبنان والعرب فخراً، وما أغنى بنت جبيل بأنواع الإفتخار، إنّ فتى من فتيانك الرائعين، وهو الراحل الكبير بكِ أوّلاً، ابراهيم نعيم بزّي "أبو نعيم"، هو أحد جذور السنديانة الحمراء الخالدة في ذاكرة الشمس الخالدة، له في السماء مكان، ولرفاقه ولجميع أنصار العدالة الإجتماعيّة والحريّةِ والكرامة النصر في الأرض.
ـ كلمتي بمناسبة ذكرى أسبوع الراحل ابراهيم نعيم بزّي "أبو نعيم" 2013.
Shawki1@optusnet.com.au
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق