رجل ورسالة/ صالح أحمد

  
سمير أبو الهيجا.. صحفي من قرية حين حوض أبو الهيجا الجديدة، رجل ذاق مرارة التهجير القسري على جلده، ورآه صورة مجسدة في قصة أهله الذين جُرِّدوا من أملاكهم وطردوا من بيوتهم وأرضهم .. وسلبوا الحق في الحياة الكريمة على أرضهم التي ارتوت من نزفهم ونزف آبائهم ودموع أمهاتهم ... ليسكنها الغريب المحتل بالبطش والعربدة وبدون وجه حق ولا منطق.. 
إنه رجل يمر كل صباح وكل مساء من أمام بيوت أهله التي طردوا منها ليسكنها الغريب .. ثم لتتحول إلى قرية الفنانين .. وهو محروم من دخولها ولا حتى للتذكر والذكرى.
إنه رجل تحولت الذكرى في نفسه وروحه إلى رسالة حملها بقلبه الكبير ووعيه العظيم.. لتصبح دافعا يحمله على الطواف في البلاد بحثا عن الذاكرة ليسقرئها ويسجلها لتكون تاريخا يحفظ.. وذاكرة تحيا في قلوب أهلها حقا لا يموت.. بل يتحول إلى عهد تتوارثه الأجيال حتى يتحقق الحلم .. حلم العودة وهو الحق.
إنه الرجل الذي أخذ على عاتقه رصد الذاكرة.. بما تحمل من غصة والم، ودمعة حسرة وندم .. وتنهيدة جرح لا يبرأ.. يطوف على المخيمات الفلسطينية.. في البلاد وفي الضفة الغربية وفي الأردن بحثا عن روح الفلسطيني ليتوحد معها: شركاء الجرح وشركاء النكبة وشركاء الحلم والمصير.. يسجل شهادات ووثائق حية شاهدة على النكبة ومرارتها.. وظلم بل جرم من شارك فيها وساعد عليها..
ويسعى لمقابلة كل أسير محرر.. ليسجل شهادته على ظلم الظالمين.. في زمن وعالم يدعي أهله الديموقراطية ويتغنون بالحرية... ويتشدقون بالعدالة ..
جمع حتى الآن مئات الشهادت والوثائق الشاهدة على نكبة الشعب الفلسطيني المظلوم والمقموع والمقتلع من أرضه بقوةة الغدر والبطش والاحتلال بالقوة.. أصدرها في مجموعة من الإصدارات الثمينة الراقية منها:- ((الترانسفي المقنع -2016،  إلى فلسطين- 2018)) 
كما جمع قصص معاناة السجناء الأمنيين والأسرى المحررين في كتابه الوثاقي الراقي: (حكايات صمود 2016)
كما أتحفنا بقصة (الشيخ الصامد -2017،) التي تحكي قصة وسيرة حياة جده الشيخ الصامد الذي صمد بوجه العاديات والصعوبات ليبني قرية بجهده الفردي الجبار.. 
ما يميز جهد الأخ الباحث سمير أبو الهيجا أنه يعتمد بالكلية على الشهادات الشفوية المدعمة بالوثائق من أناس عايشوا النكبة.. وعايشوا التشريد واللجوء ومآسيه .. وذاقوا الظلم على جلودهم.. إنها شهادات حية ناطقة نقلا عن أهلها ومن عاشوها وعانوا من أبعادها بأنفسهم.. لذلك هي متينة وموثقة .. إنها التاريخ الحقيقي والصادق للنكبة ومعاناة أهلها .. والشاهد الحي على ظلم وبطش المحتلين ومن وقف إلى جانبهم وساندهم ومهد لهم الطريق .. كما أنها شاهد صادق على تقاعس العرب عن نصرة أهلهم في فلسطين، فكانوا بتقاعسهم سندا للمحتل، وكفى بذلك دليلا على خيانتهم.
في قصته الراقية (الشخ الصامد) يحكي قصة جده الشيخ محمد محمود أبو الهيجا.. كشاهد على النكبة... وكنموذج للصمود بصبر وكبرياء وكفاح وشموخ... ليضرب مثلا راقيا على قوة الإرادة التي لا تقهر.. 
إنها قصة الرجل الذي طرد مع أهله من قريته (عين حوض) ليتفرق أهلها لاجئين في بقاع الأرض.. أما هو فقد جمع أهله وذويه ومحبيه.. والتجأ بهم إلى منطقة تسمى الوسطاني (تتوسط بين عين حوض ودالية الكرمل) ليسكن بهم في العرش والمغارات.. صابرا صامدا.. يعتاش على رعي الأنعام... ويتجول على سنام جمله... وصهوة فرسه.. متنقلا يبيع للكيبوتسات المحيطة به.. ولأهل حيفا منتوجاته من اللبن والجبن الطازج اللذيذ.. وجلود وصوف ووبر أنعامه.. ليربي أبناءه وأحفاده ويثبتهم في الأرض التي ورثها من آبائه وهي بمساحة 120 دونما كما أشار المؤلق..
ثبت الشيخ وعرف كيف يدير أموره بحكمة.. حتى انتقل من العُرَش إلى أكواخ الزنك (البراكية) وصولا إلى بيوت الحجر والباطون .. وصولا إلى الحصول على الاعتراف الرسمي من السلطات بقريته الجديدة لتحصل على الخدمات اللازمة..
لم يكن الأمر سهلا بالطبع.. بل كانت تلاحقه المصاعب والمطاردات العسكرية والقضائية .. التي ثبت لها بكل إصرار وشموخ.. ووعي..
الشيخ الذي حمله وعيه على التنازل عن إدارة شؤون القرية لأحد أحفاده ... إيمانا منه بأن المرحلة القادمة مرحلة العلم والثقافة والوعي... وتحتاج إلى إدارة الشباب الواعي ليتابع المسيرة..
إنه الشيخ الذي كان يغرس الشجرة ويرعاها كأنها احد أبنائه...
انها قصة النكبة بكل أبعادها.. وقصة الصمود والكفاح والثبات على الحق بأجلى وأروع صورها.. أنها قصة الإرادة حين تتجسد واقعا مشرّفا .. ومستقبلا مشرقا... إنها قصة راقية تستحق أن تتحول إلى شريط سينمائي .. أو مسلسل..
شكرا أخي وزميلي وصديقي الصحفي سمير أبو الهيجا.. شكرا لجهدك الرائع الراقي.. شكرا لروحك.. شكرا لرسالتك.. شكرا لصمودك... تابع والله معك..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق