أستراليا.. فساد البنوك وثقافة الربح/ عباس علي مراد

بعد أشهر من التحقيقات، الشهادات، الإستجوابات، وعشرات الملايين من الدولارات، قدّمت المفوضيّة الملكيّة لمكافحة الفساد في القطاع المالي تقريرها للحكومة. تضمّن التقرير 76 توصية وإحالة 20 حالة أخرى لهيئات الرقابة المالية المختصّة من أجل التوسّع في التحقيق مع بعض المؤسات الماليّة من بنوك وشركات تأمين وشركات مؤسسات الإدّخار التقاعديّ (سوبر) بالإضافة إلى التحقيق مع بعض الأفراد ومع أجهزة الرقابة الماليّة الحكوميّة .
رحّبت الحكومة بالتقرير رغم أنها لم تتبنَ كلّ التوصيات، بهذا الخصوص قال وزير الخزينة جوش فرايندبرغ: "كانت الحكومة واضحة. يجب وضع حد لسوء التصرف وجعل مصلحة الزبائن  تأتي في المقدمة". أضاف إننا نضع القوانين والتشريعات التي تعطي أجهزة الرقابة الصلاحيّات والموارد من أجل محاسبة الذين يخونون الأمانة، ومن حق المواطنين أن يوقّعوا تطبيق القوانين وتفعيلها.
وعملاً بتوصيات الهيئة الملكية للتحقيق بأداء أجهزة الرقابة وتطويرها، كلّف فرايدنبرغ لجنة خاصة لمراجعة أداء أجهزة الرقابة، خصوصاً هيئة مراقبة أعمال المؤسسات الماليّة الأسترالية (آبرا) وعيّن كرايم صامويل رئيساً للجنة وكان  صامويل يرأس سابقاً مفوضيّة المنافسة وحماية المستهلك الأسترالية. يعاون صامويل في مهمّته سيدة الأعمال ديانا سميث جندر وكرانت سبنسر الموظّف السابق في البنك المركزي النيوزيلندي. 
رئيس الوزراء سكوت موريسن بدوره علّق قائلاً: " بالحقيقة، إن الإجراءات التي إتّخذتها الحكومة ذهبت أبعد مما طالبت به المفوضيّة في توصياتها"
المعارضة الفيدرالية من جهتها زادت ضغطها على البنوك فقال زعيم المعارضة بيل شورتن: "ان هاين تعامل بليونة مع البنوك"، "هناك بعض الإحباط وخيبة الأمل"  من التقرير النهائي للمفوضية  الملكية لمكافحة الفساد في القطاع المالي المعروفة (بمفوضية هاين نسبة للقاضي كينث هاين الذي ترأسها). وأضاف شورتن أنه يعتقد إذا لم يسجن أحد من العاملين في البنوك، أو إذا لم يحاكم أحد منهم أو وُجّهت إليه التهم، أعتقد أن الأستراليين سيقولون أن هناك نوع من التغّطية على سوء التصرف.
وبعد تصريحات وزير الدفاع كريستوفر باين الذي قال بأن الحكومة لن تضع تشريعات جوهريّة بتوصيات لجنة هاين إلى ما بعد الإنتخابات الفيدرالية القادمة، إتّهم شورتن الحكومة بالتلكؤ بإتخاذ الإجراءات اللازمة لتشريع التوصيات خصوصاً التى تتفق عليها الحكومة والمعارضة كما قال كريس بوين وزير الخزينة في حكومة الظل. وفي نفس السياق رفضت الحكومة طلب المعارضة لزيادة أيام جلسات البرلمان لدراسة وإقرار تلك التشريعات. 
أول تداعيات التقرير كانت إستقالة رئيس البنك الوطني الاسترالي (أن أي بي) والمدير التنفيذي كين هنري واندرو ثوربرن بعد ان تمت تسميتهما من قبل المفوضيّة لعدم تعاونهما معهاعندما قدما افادتهما أمامها.
إن ثقافة الربح بأي ثمن هي ثقافة سائدة في قطاع البنوك وشركات التأمين، وعلى الرغم من أن المفوضية الملكية فضحت بعض الممارسات لكنها في نفس الوقت عملت للمحافظة على القطاع شرط تغيير تلك الثقافة.
مدراء البنوك الأخرى (ويستباك، الكمومنولث،أي أن زد) أقّروا  بسوء التصرّف ووعدوا بتغير تلك الثقافة من أجل إعادة بناء الثقة مع الزبائن، لكن رئيس مفوضية المنافسة حماية المستهلك الأسترالية السابق كرايم صامويل يتساءل مشككاً ويقول: "ان البنوك يمكن أن تغيّر تلك الثقافة ولكن من المستحيل تقريباً مع الإدارة الحالية".
إذن، تبقى العبرة في التنفيذ، ولكن السؤال البديهيّ الذي يفرض نفسه هل سنرى تغيير فعليّ في ثقافة البنوك، أم بعد فترة ستعود الأمور الى سابق عهدها؟
المطلوب من المؤسسات الماليّة وضع المبادئ قبل الربح، وقد حدّد المفوض هاين تلك المبادئ بسته: الإلتزام بالقانون، عدم الغشّ والخداع، التصرف بإنصاف، تقديم الخدمات التي تناسب الهدف، إستعمال المهارات وأسلوب العناية المعقول، وتقديم مصلحة الزبائن ووضعها كأولوية.
قد يكون من المهم تغيير مدراء المؤسسات المالية، ولكن الأهم من هذا أن يكون تغيير وإصلاح طويلا الأمد كما طالبت صحيفة ذي سدني مورننغ هيرالد في إفتتاحيتها السبت 9/2/2019.
وبهذا الخصوص يتساءل محرّر الشؤون السياسية في الصحيفة ذاتها بيتر هارتشر وبنوع من التهكّم عن هجمة السياسيين على البنوك ووعودهم بالإشراف على تغيير ثقافة البنوك وإصلاحها في الوقت الذي تأتي المصداقية والثقة بالسياسين بمستوى أدنى من مستوى مصداقية مدراء البنوك والثقة بهم الذين يحظون ب33% من ثقة المواطنين، بينما حصل السياسيون على 16% كما أظهر إستطلاع روي مورغن حول ثقة المواطنين بالمهن الأسترالية، وحسب هارتشر فإن الثقة بالحكومة الأسترالية هي الأدنى منذ الأزمة الدستورية التي حصلت عام 1975 عندما طرد الحاكم العام رئيس الوزراء المنتخب غوف ويتلم.
أخيراً، من حق القاضي هاين أن يقول اللّهم إني بلّغت، ولكن تبقى العبرة في التنفيذ، حيث أصبحت الكرة في ملعب البنوك والسياسيين، وما علينا حالياً إلا الإنتظارلنرى النتئائج.

Email:abbasmorad@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق