عبد العزيز بوتفليقة... "بركات"!/ جورج الهاشم

(بمناسبة اعادة ترشيح عبد العزيز بوتفليفة لفترة رئاسية خامسة للانتخابات الجزائرية التي ستجري في نيسان 2019، اعيد نشر هذا المقال الذي نشرته قبل انتخابات الجزائر في نيسان سنة 2014. أي قبل خمس سنوات من الان لنرى مدى التراجع الذي ضرب الاوضاع العربية. لا شيء تغيَّر الا ان بوتفليقة أصبح في ال 82 من عمره وعجزه عن اداء مهماته زاد)                                    
                                     
بركات باللهجة المحليّة تعني كفى. تيمُّناً بحركة كفاية المصريّة. وحركة بركات تشكَّلت مؤخراً وهي تعارض ترشّح بوتفليقة لفترة رئاسيّة رابعة، وهو الذي غاب عن الساحة معظم فترته الرئاسيّة الثالثة. بركات تدعو للتظاهر كلّ خميس وسبت، ويتنامى الدعم الشعبيّ لها في مختلف أنحاء الجزائر. ترفع شعارات: بركات لتهميش الشباب! بركات للاستغلال والفساد! بركات يا بوتفليقة!  فلماذا تقول حركة بركات لبوتفليقة بركات؟        
بوتفليقة في السابعة والسبعين مِن عمره. ابتدأ نشاطه السياسيّ وهو في التاسعة عشرة عندما انخرط سنة 1956 في جبهة التحرير الوطنيّ الجزائريّة. تولّى وزارة الشباب والرياضة والسّياحة وكان في الخامسة والعشرين، ثم وزارة الخارجيّة سنة 1963. سنة 1964، شارك في الانقلاب على أحمد بن بللا، وأصبح أحد أهمّ رموز نظام هواري بومديِن.  وبوفاة بومدين، أصبح هدفاً لحملة "محو آثار البومدينيّة". مما دفعه للابتعاد عن الجزائر لمدّة ست سنوات. سنة 1992، انقلب العسكر على نتائج الانتخابات العامّة التي فازت بها جبهة الإنقاذ الجزائريّة الإسلاميّة، ودخلت البلاد في حرب طاحنة راح ضحيّتها حوالي الـ 150 ألف مواطن. واستمرّ العسكر في حكم البلاد. سنة 1999 ترشَّح بوتفليقة كمستقل في انتخابات الرئاسة. وقبل يوم واحد من موعد الانتخابات انسحب جميع المرشّحين الآخرين، ولم يبقَ في الميدان إلّا "حديدان". ستّة مرشّحين انسحبوا دفعة واحدة. وكان التفسير الوحيد لذلك أنَّ العسكر أعطى الضوء الأخضر لأنّه بحاجة إلى شخصيّة معروفة على المسرح العالميّ تستطيع إخراج الجزائر من عزلتها. ومَن لهذا الدور غير وزير الخارجيّة لفترات سابقة طويلة، والرئيس بالإجماع للدورة التاسعة والعشرين للأمم المتّحدة؟          
تميَّزت فترة رئاسته الأولى بكثير من الاتّهامات: خرق الحريّات، فضائح المال مع بنك الخليفة، المحاباة في الحقائب الوزاريّة، الصفقات الدوليّة المشبوهة، التلاعب في المناقصات مِن أجل شركات الهواتف المحمولة. يقابلها إيجابيّات يغدقها عليه مؤيِّدوه: إعادة الأمن والاستقرار، مشروع الوئام الوطني، شراكة مع الاتحاد الأوروبيّ، إصلاح الكثير من مؤسّسات الدولة، المشاركة في قمة مجموعة الثمانية منذ 2000، علاقات وثيقة مع الكثير مِن الدول والرؤساء... أُعيد انتخابه سنة 2004، وتميَّزت فترة رئاسته الثانية بوعكة صحيّة خطيرة كادت تودي بحياته حسب المصادر الفرنسيّة. كما تميَّزت بمحاولة اغتياله سنة 2007، وكان مِن نتائجها 15 قتيلاً و71 جريحاً. وعلى غرار كلِّ الأنظمةِ العربيّة، عدَّلَ الدستور ليتناسب مع مقاسه، وليسمح له بفترة رئاسيّة ثالثة.    
الفترة الرئاسيّة الثالثة، التي ابتدأت في نيسان/أبريل 2009، تميَّزت بوجود شبح في كرسيّ الرئاسة. تعرّض لجلطة دماغيّة وأمضى في مستشفى عسكريّ فرنسيّ أكثر من ثمانين يوماً. عاد إلى الجزائر على كرسيّ متحرك، وتغيَّب عن مناسبات لم يتغيّب عنها سابقاً، كعيد الاستقلال، ونهائيّ كأس الجزائر، وتخرّج الدفعات العسكريّة، وصلاة عيد الفطر. دار جدل واسع حول قدرته على تولّي مهامّ الحكم. دعت أحزاب المعارضة إلى إعلان شغور المنصب، وتنظيم انتخابات مبكّرة. صوره الأخيرة تُظهر رجلاً يعاني من المرض، يتحرَّك بصعوبة ويعجز عن الكلام. بينما الإعلام الرسميّ يرفض الواقع، وينشر له صوراً رسميّة تُظهره بعزّ أيّام الشباب.                                                                        
واليوم يعلن بوتفليقة عن ترشّحه لفترة رئاسيّة رابعة. أو يُعلَن عنه، لأنَّه لم يخاطب الجزائريّين منذ أيّار/مايو 2012. مناصروه، الذين انطلقوا على كلّ الجبهات، يؤكِّدون أنّه الرجل المناسب للجزائر في هذه الفترة من تاريخها، فهو "ضمانة استقرارها وأمنها..." بينما يؤكّد خصومه أنَّ فترة رئاسيّة بوتفليقيّة رابعة ستكون "كارثة بالنسبة للجزائر..." أطلق أنصاره قناتين فضائيَّتَين لبثّ نشاطات حملة بوتفليقة، إضافة إلى الإعلام الرسميّ، في الوقت الذي دهم فيه الأمن قناة "الأطلسيّ" الفضائيّة على خلفيّة أنَّ مدير الأخبار فيها "غول حفناوي" ينتمي إلى حركة بركات، بسبب إذاعة خبر مفاده انَّ صحّة بوتفليقة  تدهورت مجدّداً، وتمّ نقله إلى مستشفى عين نعجة.                                           
أعلنت حركة بركات أنَّ أمّ الفدائيين، جميلة بو حيرد، وهي في التاسعة والسبعين مِن عمرها ستشارك في المظاهرات الاحتجاجيّة. وأكّدت بو حيرد في تصريح لها أنَّ "الرئيس بوتفليقة غير قادر على ضمان ورقة الاستقرار للبلاد. وعليه أنْ يُقدِّم ضمانات للشّعب بأنَّ العهدة الرابعة ستعطي البلاد وجهاً آخر للتطور والازدهار والقضاء على الفساد والبيروقراطيّة..." بينما يقول معارضوه إنَّ "الجزائر لم تبنِ دولة ولا هياكل شرعيّة، بل نظاماً يخدم مصالح شخصيّة..."                                                                  
الكاتب محمّد بن شِيكو كتب كتاباً بعنوان "بوتفليقة أكذوبة جزائريّة"، ذكر فيه السلبيّات التي رافقت فترات تولّي بوتفليقة الرئاسة. نال عليه سنتَي حبس مكافأة على جهوده. والمكافآت المماثلة تُوَزَّع بكرم على صحافيّين معارضين، وعلى كتّاب وناشطين في مجال حقوق الإنسان ممّا يؤهل الجزائر، عن جدارة، لشغل مقعدها في جامعة الدول العربيّة!   
وماذا عن بوتفليقة نفسه؟ في مجلس الوزراء المنعقد في الأسبوع الماضي، بعد تسعة أشهر من التوقّف، ألمح إلى أنَّه يرغب في البقاء في السلطة. ويوم السبت في 22/3/2014 أدلى الرئيس بتصريح جاء فيه: "قرَّرت ألّا أُخَيِّب رجاء كلّ مَن نادوني للترشّح مِن جديد... وأراكم أبَيْتُم إعفائي من أعباء تلك المسؤوليّات الجلّى، التي قوَّضَت ما قوّضت مِن قدراتي... وسأسخِّر كلّ طاقاتي لتحقيق ما تأملونه..." بعد أنْ اعترف بمشاكله الصحيّة المتنامية.                                                                                
عزيزي الرئيس بوتفليقة، لا نأمل منك تحقيق أيّ شيء. فما سيُحقّق في عهدتك الرئاسيّة الرابعة سيتمّ بالنيابة عنك. الاسم لك، والفعل لمَن تعرف. وإذا كانت قدراتك قد قُوِّضَت، كما تقول، فماذا بقي منها لتحقيق حلم الجزائريّين بدولة العدالة الاجتماعيّة، ودولة القانون والمؤسّسات؟ أرجوك عدم "تسخير طاقاتك"، فلقد سَخَّروك ما فيه الكفاية. إحفظ ما بقي عندك مِن طاقات لتقوم بمفردك باحتياجاتك الشخصيّة، إن استطعت. وإذا لم تستطع في فترات رئاسيّة ثلاث، وهي أطول مدّة لرئيس جزائريّ في الحكم، من تحقيق أمل الجزائريّين، فماذا تستطيع تحقيقه وأنت شبه مقعد، بعد أنْ غبتَ، صوتاً وصورة وفعلاً، معظم فترتك الرئاسيّة الثالثة؟ مع كلّ المنشّطات التي تواظب عليها، أتَحَدّاك أنْ تواجه الجزائريّين في مهرجان انتخابيّ مثلاً، أو في ندوة تناظر مرشّحاً آخر، أو تُلْقي خطاباً عامّاً تحدّد فيه برنامجك الانتخابيّ، ومشروعك للجزائر خلال السنوات الخمس القادمة. ستفوز بفترة رئاسيّة رابعة، لا شك بذلك. وسيفوز العسكر، والمحاسيب، بإدارة شؤون البلاد باسمك دون أنْ يكونوا مسؤولين رسميّاً عمّا يفعلون. وستفوز الديموقراطيّة العربيّة بخنجر آخر في ظهرها... وبركات يا بوتفليقة!                                               

هناك 3 تعليقات:

  1. تحياتي لحضرتك استاذ جورج الهاشم :
    مقالة ممتازة جدا جدا وواضحة للجميع

    ردحذف
  2. التحية الى الاستاذ جورج الهاشم المحترم كانت من موسى مرعي حول الاعجاب بمقالته الممتازة جدا جدا . عن ترشيح بو تفليقة لمدة خامسة وسادسة وممكن للعاشر مرة وهكذا العرب هههههه وياريت بيبنوا بمدة بقائهم في الحكم بل بيستدوا يالشعب وبيلعن ابو الاقتصاد بسبب اطلاق ايدي من حول الحاكم من الأهل والأقارب ليصيحون عقارب ضارة يالشعب .

    ردحذف
  3. أشكرك على التحية. أحد أهم أسباب تخلفنا انظمة الحكم العربية. فبمجرّد وصول أحدهم الى السلطة حتى يغيِّر الدستور ليناسب مقاسه. ويبقى هناك حتى آخر العمر ولو يقي دمية بايدي المستفيدين. مع التقدير جورج الهاشم

    ردحذف