ثلاثة عشر طلقة أفرغها قاتل في جسد رجل رأسماله كلمات. ما سِر الحقد على العراقيين، وأي لغز وراء قاتل لا يحرص على توفير الطلقات. القاتل مجهول، هكذا أُنزلت الستارة على مشهد جريمة قتل الروائي العراقي علاء المشذوب، لينتهي فصل وينتظر الشعب العراقي بعده فصل جديد من مسرحية تصفية الشخصيات التي جهرت إعلاميا بموقفها الرافض للهيمنة الإيرانية على بلادها.
العراق يختنق وكل شيء فيه ينذر بالموت. موت يحاصر كل مفصل من مفاصل الحياة فيه، في المياه الملوثة والهواء، في ميادين القتال والطرقات. موت يتوعد العراقيين في ظل حكم طغمة ثيوقراطية خلقت تصادما خطيرا بين سلطة العقائد وتأثيرها الوجداني على الفرد وبين سلطة الدولة وحاجة الفرد لمقومات العيش فيها. .
في مقطع مصور عن ذكريات الثورة الإيرانية اخترقت سيدة طريقها بين النساء، وقفت أمام الكاميرا وهي تبكي بحرقة وتقول " أنا أريد الشاه، أنا أريد الشاه"، وعندما سألها مراسل القناة عن السبب قالت " سيأتي هؤلاء المعممين ولا أمان لنا بعدها". الأمان ذلك الشعور الذي وصفه علي بن ابي طالب بالنعمة، فقده العراقيّون في ظل حكم مِنْ يدعون بأنهم اتباعه، نعمة تورم فقدانها في قلوب الناس وصار يأسا يعصف بهم ويجرفهم للحنين إلى الماضي بحرقة كحرقة المرأة الايرانية لبقاء الشاه خوفا من فقدان الأمان.
لم يعد غريبا في العراق أن يقدم شاعرا شعبيا مثل صلاح الحرباوي على مدح صدام حسين داخل مؤسسة دينية شيعية، متجاهلا معاناة جمهورها تحت وطأة حكمه. لم يمدح الحرباوي صدام من مبدأ الحب والولاء، ولكن للتعبير عن السخط والغضب الشيعي على أحزاب وتيارات أنتجتها تلك المؤسسات وسلطتها على الرقاب.
الاستقرار من أولويات بناء الهيكل الديموقراطي للدولة، وبتهميش المؤسسات الأمنية وإضعاف دورها في استتباب الأمن، يقدم الثيوقراطيون فصائلهم المسلحة المنضوية تحت قدسية فتوى محاربة الاٍرهاب كبديل لتلك المؤسسات. محاولات يسابقون بها الزمن لترسيخ دولتهم العميقة بإرادة القوّة وإسكات كل ضمير وطني يعرقل جهودهم لتقويض أسس الدولة المدنية وإثارة الشارع العراقي ضدهم.
حسين المالكي المعروف بأبو خميني، نموذج متكرر لأخلاقيات الفصائل المسلحة التي يعلن أفرادها الولاء لقائد الثورة الايرانية علي خامنئي، ويشرف عليها بشكل مباشر قائد فيلق القدس قاسم سليماني. حسين المالكي مثل أبو درع وواثق البطاط وغيرهم من الشخصيات التي استحدثها جهاز الاستخبارات التابع للحرس الثوري الإيراني، مهمتها تكبيل إرادة المُواطن بالخوف، وإذلاله لتعطيل حسه الوطني واستسلامه لحقيقة الهيمنة الإيرانية على بلاده. أبو خميني شاب يبدو من هيئته بأنه لم يتجاوز العشرينات من عمره بعد، يمارس مع مجموعته المسلحة البلطجة وجمع الإتاوات من أصحاب المحلات التجارية في بغداد، ولم تتمكن جهة أمنية تابعة للدولة من القبض عليه حتى ورد خبر القبض عليه من قبل قوة أمريكية.
القضية الخطيرة في خضم ما تقدم من أحداث ليست قتل الدكتور علاء المشذوب، أو بلطجة أبو خميني وابتزازه للناس. القضية دولة حكومتها شكلية بلا صلاحيات، ووزاراتها الأمنية مفرغة من قيمتها وهيبتها كسلطة تفرض تطبيق القانون. في واقع يخضع سياسياً لكيانات تستمد القوة والثبات من ولائها لإيران، لم تعد الوزارات الأمنية من الدعائم الصلبة التابعة للدولة، ولكن مجرد حصص تتقاسمها تلك الكيانات لفرض اجنداتها ونهب مقدراتها المالية.
حتى لو كان قاتل المشذوب كائنا فضائيا لا مجرما بلا هوية، تظل الجريمة نتيجة لحكم هؤلاء الذين تقاسموا الدولة وهدروا دماء شعبها في منظومة سياسية حارسها أبو خميني، وقتيلها مثقف انتقد الخميني، بلد خاضع لمشروع طائفي ممنهج لم يترك للعراقي خيار التخلص منه إلا بتدخل أمريكي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق