كل يوم يبتكر الإحتلال وبلديته وداخليته أسلوباً جديداً للتنكيل بالمقدسيين ومصادرة حقوقهم في السكن والتعليم والبناء وملاحقتهم في تفاصيل حياتهم اليومية وكأن الشغل الشاغل لبلدية الإحتلال وداخليتها،فقط إبتداع الأشكال والأساليب المتطورة للتنكيل بهم،وغالباً ما يتم الإعلان عن ميزانيات ضخمة للبنية التحتية وتحسين الخدمات في القسم الشرقي من المدينة من قبل بلدية الإحتلال ،والتي يجبر سكانها على دفع الضرائب للإحتلال وفي المقدمة منها ضريبة المسقفات " الأرنونا"،حيث يدفع المقدسيون ما مجموعه من 28 -30% من قيمة الضرائب التي تجبى من سكان القدس،ويتلقون خدمات لا تزيد عن 6 -8%،وبقية أموالهم المسطي عليها تذهب ل"تسمين" الإستيطان وتحسين البنية التحتية والخدماتية في القسم الغربي من المدينة. وتبقى الميزانيات الضخمة المعلن عنها مجرد انشطة اعلامية وعلاقات عامة،حيث الشوارع ليس فقط مهملة وبدون ارصفة وإشارات مرور وخطوط مشاة وأعمدة إنارة،بل يتعدى ذلك الى انه لا يجري لها أي شكل من أشكال الصيانة،وأزمات المرور لا يجري التفكير بأي حل لها ،لم يبن أي جسر ولم يفتتح شارع جديد او يضاف مسارب جديدة للشوارع تقلل من هذه الأزمات،بل على سبيل المثال من منطقة دوار رأس العامود تزداد الأزمة بشكل كبير جداً،حيث أصبحت كل المنطقة الممتدة من باب الأسباط وحتى الدوار مصفاً لباصات السياحة القادمة الى كنيسة الجسمانية ،وبما يضيق من سعة الشارع الضيق أصلاً.
معظم البلدات الفلسطينية المقدسية بدون مخططات بناء وأغلب اراضيها مصنفة خضراء او مفتوحة او خدمات عامة ،والحصول على تراخيص البناء معقد جداً وكل يوم يضاف له شروط وتعقيدات جديدة وتكاليف جديدة،وعندما يضطر المواطن المقدسي للبناء غير المرخص بسبب هذه التعقيدات، إذا لم يصدر امر إداري بحقه في الهدم،فإنه يجري مخالفته اكثر من مرة وبمبالغ خيالية،وتستمر رحلته ومعاناته في دهاليز وأروقة بلدية الإحتلال لمدة تصل الى 15 عاماً للحصول على التراخيص ولكن دون جدوى،وبعد كل الخسائر والتكاليف،تقوم بلدوزرات وجرافات وشرطة الإحتلال بهدم بيته،والإحتلال حتى يحسن من صورته امام العالم المسمى بالحر زوراً وبهتاناً، والذي قد يتسبب منظر البلدوزرات وجرافات الإحتلال وهي تهدم بيوت المقدسيين وتعتدي على أصحابها وتتركهم في العراء بين السماء والطارق في تشويه سمعة هذا الإحتلال،ولذلك تفتقت عقليته عن أسلوب جديد من أجل إذلال المقدسيين وإمتهان كرامتهم واستولاد قهر داخلي عندهم،هذا القهر لن يبقى مكتوماً الى الأبد،والذي يوم إنفجاره قادم لا محالة،وهذا الأسلوب هو إجبار المقدسيون على هدم منازلهم بأيدهم،ومع كل ضربة شاكوش او مطرقة او حفرة "كونكو"،يشعر المقدسي بأن روحه تخرج من جسده، ويعيش مشاعر مختلطة ويشعر بحالة عجز كلي،فهو واقع بين نارين ما يتسببه له الهدم الذاتي من أثار نفسية وتداعيات اقتصادية واجتماعية ناجمة عن هدم بيت،دفع فيه كل شقاء عمره،وربما باع حلي ومجوهرات زوجته وسحب مدخراته،او استدان او حصل على قرض بنكي،من اجل ان يجد له مكاناً في قدسه وقريته، وبين أن يرفض قرار بلدية الإحتلال ويتمرد عليه،وبالتالي تقوم بلدوزرات الإحتلال وجرافاته وشرطته بهدم البيت،والملزم بعد كل هذا الخراب بدفع تكاليف عمليات الهدم بما في ذلك شرطة وخيالة الإحتلال التي حمت ووفرت الأمن للمعدات والألآت التي تقوم بعملية الهدم ،والتنكيل بعائلته وأسرته .
فالمحتل وفق القانون الدولي،ملزم بتوفير الخدمات والحياة الكريمة للسكان واحترام حقوقهم،ولكن القانون الدولي يجري "تعهيره" والإزدواجية في والإنتقائية في تطبيقه،وهناك دولاً مثل أمريكا واوروبا الغربية،جعلت من دولة الاحتلال،دولة فوق القانون الدولي،تبرر لها أي خرق او خروجاً عن هذا القانون،وتقف في وجه أي قرارات او عقوبات قد تتخذ ضدها او تفرض عليها في المؤسسات الدولية،وليصل الأمر حد قول مندوبة امريكا السابقة في الأمم المتحدة نيكي هايلي العنصرية اليمينية المتطرفة والمتصهينة لحد القول بأن عهد تقريع اسرائيل في الأمم المتحدة ومؤسساتها قد ولى،وإنها ستضرب بحذائها ذو الكعب العالي،كل من يقول بإنتقاد اسرائيل او يطالب بفرض عقوبات عليها،وأبعد من ذلك ذهبت أمريكا الى الإنسجاب من المؤسسات الدولية واوقفت مساهماتها المالية فيها مثل " اليونسكو" وغيرها لكونها ادانت اسرائيل واتخذت قرارات بحقها على ما تقوم به من إنتهاكات للقانون الدولي بحق المقدسات والأثار والأماكن الأثرية والتراثية الفلسطينية في القدس والخليل وبيت لحم وغيرها من المناطق الفلسطينية.
المقدسي ليس فقط مهدد بحقه في السكن،حيث هدم في العام الماضي ما مجموعه (153) بيت ومنشأة تجارية وصناعية وورش وأسوار وبركسات وغيرها،ووزعت مئات الإخطارات بالهدم على سكان المدينة،عدا أوامر الهدم الإداري،ومنذ بداية العام الحالي ،اجبر خمسة عشر مقدسياً على هدم منازلهم بأيدهم،والحبل على الجرار ،وهذا المسلسل يتصاعد ويتكثف،ولم تقف الأمور عند هذا الحد،فحتى حق المواطن المقدسي في العبادة والصلاة في المسجد الأقصى أصبح مهدداً،حيث أبعد في العام الماضي 176 مقدسي عن الأقصى،لمدد تصل الى ستة شهور،ومنذ بداية العام الحالي ،وصل عدد المبعدين عن الأقصى الى ما يزيد عن 120 مواطناً،والعدد مرشح كل يوم للزيادة،والحجج إعاقة الجماعات التلمودية والتوراتية من أداء صلواتها وطقوسها وتعاويذها التلمودية والتوراتية في ساحات المسجد الأقصى،والزيادة الكبيرة في العدد نتجت عن ازمة باب الرحمة،الذي كان الاحتلال وشرطته يغلقون مصلاه وساحاته بغير وجه حق منذ عام 2003،لأمر مؤقت صدر بحق لجنة التراث التي كانت تستخدم المكان،والإحتلال استغل هذا القرار او الأمر،لكي يغلق ساحات باب الرحمة والمصلى الخاص به لمدة ستة عشر عاماً،حيث كان الهدف من ذلك السيطرة على باب الرحمة ومقبرة باب الرحمة المستولى على جزء منها،وتحويل ذلك الى كنيس يهودي يفرض تغييراً في الوضع القانوني والتاريخي للمسجد الأقصى،وبما يقسمه مكانياً،ولكن الموقف الشعبي والإتصالات السياسية ودور مجلس الأوقاف وبطلان الحجج القانونية التي أثبت طاقم المحامين المدافعين عن الأقصى،عدم وجود أي قرار قضائي بإغلاق مصلى باب الرحمة وساحاته،أفشل مخطط الاحتلال للتقسيم المكاني،ولكن نحن ندرك بان المحتل لن يتوقف عن مخططاته بإستهداف الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية.
الحرب الشاملة على المقدسيين بشراً وحجراً وشجراً مستمرة ومتواصلة وتشارك فيها كل أجهزة الإحتلال الأمنية والمدنية والشرطية والقضائية يضاف الى ذلك بلدية الاحتلال ووزارة داخليتها والجمعيات الإستيطانية من "العاد" وعطروت كوهونيم" وما يسمى سلطة تطوير أراضي إسرائيل ودائرة الأثار وغيرها،والمعركة على الحجر والتي أخذت شكلاً غير مسبوق بإجبار المقدسيين على هدم بيوتهم بأيدهم،يجب العمل على مجابهتها قانونياً وعبر القانون الدولي والتوجه للمؤسسات الدولية، لأن مثل هذه الأعمال ترتقي الى جرائم حرب،والإحتجاجات الشعبية والسلمية،والتي تجبر الاحتلال على إقرار المخططات الهيكلية وتوسيعها للقرى والبلدات المقدسية وزيادة نسبة البناء،وتخفيض رسوم التراخيص وتكاليفها،وتحويل الأراضي التي يجري مصادرتها تحت ذريعة المصلحة العامة لخدمة السكان وليس من اجل خدمة بناء المزيد من المستوطنات،ويجب دعوة الإتحاد الأوروبي والمؤسسات الدولية للقيام بدور فاعل في هذا الإتجاه للجم ووقف الاحتلال عن مشاريعه ومخططاته المستهدفة التطهير العرقي بحق المواطنين الفلسطينيين المقدسيين،وليس فقط الإكتفاء بدور المراقب والمصدر لبيانات شجب وإستنكار خجولة مل شعبنا منها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق